أمريكا المكيافيللية - دراسة تطبيقية - سيد أمين

 لم يدر بخلد نيقولا ميكافيللي فلورنسا 9641 ــ 7251 أن كتابه «الأمير الذي انتهي من كتابته قبيل وفاته بأربعة عشر سنة في 3151 ميلادية سيصبح مرجعا سياسيا مهما لكل حكومات الدنيا عقب الثورة الصناعية العالمية.
بل إنه لم يخيل له أن يصير كتابه صغير الحجم مباشر المعني اعظم كتاب تحدث في فلسفة الحكم السياسية بل انه الدعامة الاولي لفلسفة التاريخ باجماع المحللين.
وكما جاء في مقدمة الكتاب بقلم كريستيان غاوس صار هذا الكتاب سوءة لكاتبه في حياته وبعد مماته.
فقد عاش مكيافيللي فقيرا جائعا أواخر حياته نتيجة غضبة الحاكم عليه رغم أنه سليل أسرة دبلوماسية وكان شخصا وديعا رقيق المشاعر دافق الاحاسيس متوقد الذهن عاشق لم يولد في الدنيا كلها عاشقا مثله.
انه عاشق ايطاليا الموحدة وليست تلك الدولة المقسمة إلي امارات وتيجان كثيرة لا هم لها أو لامرائها سوي تثبيت عرشهم بدم الايطاليين.. كان نموذجا قوميا يحتذي به والدولة القومية التي يطمح اليها ميكافيللي هي نفسها التي اعتبرها هيجل غاية ونهاية للتطور التاريخي وقال عنها (ليس لشعبه من الشعوب ان يتحرك إلا داخل نطاقها وليس له أن يحاول تحقيق مصالحه إلا عن طريقها)«1»
لقد آثر في نفس ميكافيللي أن يري بلاد الرومان العريقة علي هذا النحو من التفكك والانهيار لا لشيء سوي لارضاء نزوات الأمراء المتصارعين والدماء الايطالية المراقة واحدة.
فكتب نصائحه وأفكاره مستشفا فهمه لحركة التاريخ وطبائع النفس البشرية وملاحظاته الجغرافية والإدارية وضمنها جميعا في كتابه الامير مبتغيا في تلك الكتابات وصف الامير الذي تبتغيه وحدة ايطاليا.
لقد كان ميكافيللي شديد الكراهية للظلم عميق الأخلاق وهو ما يتضح من قراءة مسرحيته العجيبة الضاحكة «تفاح الجن» وكان متدينا.. كان متدينا شديد التدين!!
و« لعل تدينه وقوميته جعلاه عرضة طيلة الخمسة قرون الماضية لسهام القبح والتضليل.«2»
إذ ان المستعمر عادة ما يدعو للتدويل والعولمة.. والعولمة هي الحجة الخادعة البراقة لتذويب القوميات وفرض ثقافته عليها بوصفها ثقافة العالم المتمدين.. العارف ببواطن الأمر وما امامها ايضا.
و( حتي علي المستوي الاقتصادي فالاقتصاد القومي للبلدان النامية هو الآن خاضع فعلا لعمليات تدويل مفروضة عليه فرضا من الخارج ولا تراعي مصالح هذه البلدان لأن من يهيمن ويسيطر علي آليات التدويل وعلي تشغيله سيهيمن علي الاقتصاد العالمي وإذا كانت المراكز الرأسمالية قد شيدت شركاتها العملاقة لتتجاوز حدودها القومية ولتنظيم تدويل العمليات الاقتصادية ثم لتأكيد هيمنتها علي هذا التدويل وعلي التقسيم الدولي للعمل بكل تكويناته الاقتصادية والاجتماعية).« 3 »
وربما كانت قومية وتدين ميكافيللي هما سبب الهجوم الظاهري علي نحو ما سنتبينه فيما بعد عليه من قبل قوي الاستعمار حيث ان الاوربيين لم يعتبروا غير الأوربيين كائنات انسانية مثلهم علي حد تعبير نقد باسبرز للاستعمار الأوربي الذي اضاف ان الغرب ينظر علي أن المسيحيين هم وحدهم لهم حق الحياة والبشر اما عداهم فهم متوحشون. « 4 »
وكانت قومية مكيافيللي في حد ذاتها هدف نبيل إلا أن الساسة فيما بعد استخدموا تلك النصائح للاعتداء علي القوميات الأخري ولعل بيان هذه النقطة هي السبب الرئيسي لهذه الدراسة فلسنا بصدد الدفاع عن شخص مكيافيللي هنا ولكن بما اتيح لنا من رصد مواقف سياسية دولية واضحة خاصة لدول كبري كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا واسرائيل وروسيا ..سنتناول تطبيقاتها لنصائح مكيافيللي الواردة في كتابه «الامير» الذي يحتوي علي ستة وعشرين بابا محاولين بذلك استشفاف مدي التطابق أو التطبيق بين سياسة تلك الدول علي أرض الواقع وبين نصائح مكيافيللي بين سطور كتابه مع اعتبارنا لكل ما تقدم مجرد مقدمة.
(1)
تناول مكيافيللي في هذا الباب أنواع الحكم المختلفة ووسائل اقامتها ويقول (والممتلكات التي اكتسبت بهذه الطريقة -أي بالضم -إما انها قد ألفت حكم أمير آخر فيما سبق أو كانت ولايات حرة يلحقها الامير بممتلكاته.. إما بقوة أسلحته هو أو بقوة اسلحة غيره أو يسقطها في يده حسن الطالع أو قدرة خاصة).
ويقول برنارد شو « مشكلة أمريكا أنها البلد الوحيد في التاريخ الذي انتقل من البربرية إلي الانحلال دون أن يمر بعصر الحضارة » فمن حسن الطالع بالنسبة لأمريكا في طريق استوحاشها وقيادتها العرجاء للعالم هي وراثتها للامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس عقب حسمها للحرب العالمية الثانية حيث ان بريطانيا كانت قد أرادت رفع يدها عن المستعمرات التي تتبعها في العالم والاكتفاء بما نهبته من ثرواتها وما خلفته فيها من قيمها وثقافتها ونخبتها.. الذين هم من بني جنس هذه المستعمرات التي سلمتها مقاليد الحكم. بعد ذلك تنازلت بريطانيا طواعية عن مستعمراتها إلي مستعمرتها الابن (أمريكا) وذلك لأن امريكا التي نالت الاستقلال عام 1081 ميلادية عن بريطانيا ما هي سوي بريطانيين خصوصا وأوربيين عموما جنسا وثقافة ماعدا بعض من الزنوج الذين جلبوا في أساور حديدية من افريقيا لخدمة البيض.
وهذا التنازل الطوعي البريطاني لصالح أمريكا هو ما يمكن ان نسميه «حسن الطالع» وكان قد سبقه نمو الاقتصاد الأمريكي بشكل مذهل بسبب احداث الحرب العالمية الأولي ولقد توافرت لدي الولايات المتحدة بالاضافة لحسن الطالع «القدرة الخاصة » وذلك لأن الشعب الأمريكي هو مزيج من كل مغامري أوربا أو المارقين فيها علي وجه أدق بالاضافة إلي توافر المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية والجبلية مما ميزها بالتنوع والوفرة في المحاصيل والمعادن بالاضافة لقلة عدد السكان وتوافر الأيدي الأفريقية العاملة الرخيصة.
كل ذلك من قدرات خاصة جعل أمر الابداع والابتكار يسيرا خاصة مع تنامي ظاهرة هروب العقول المحاصرة في القارات القديمة بالنظم السياسية والاجتماعية المتخلفة أو المقيدة.
ولما توافرت القدرات الخاصة مع حسن الطالع استطاعت أمريكا أن تصبح احدي القوي الكبري بل إنها القوة الوحيدة في العالم.
تقول مادلين أولبرايت وزير خارجية أمريكا سابقا تصف استعدادات امريكا الحالية ( انني امثل امريكا صاحبة المسئوليات العالمية والأمة المستعدة لفعل كل شيء وقتما تريد وليعلم الجميع اننا نفعل ما نريد وبغير ما نريد لا تقف في طريقنا عقبة واحدة لأن العالم لنا .. العالم لأمريكا.) «5»
ومما يعزز قولنا من وراثة الولايات المتحدة للاستعمار القديم خاصة البريطاني منه ما قاله ج. هالكر وفرجسون في كتابهما المشترك ثورات امريكا اللاتينية حيث قالا «ومع بروز وتعاظم تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في امريكا اللاتينية مع بداية القرن العشرين حل الاستغلال الامريكي محل الشكل الأوربي التقليدي القديم للاستعمار واصبح الوجه الامريكي للاستغلال بديلا عن الوجه الاوربي.»
وكما يقول رضا هلال في دراسته المسيح الأمريكي الصهيوني ان المسيحية التي يدين معظم سكان الولايات المتحدة بما اصطبغت باليهودية فالمهاجرون الأوائل كانوا من البروتستانت الذين حملوا إلي العالم المتهود بتأثير حركة الاصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر في القرن الـ61 ورءوسهم محشوة برؤية توراتية لدرجة جعلتهم يطلقون علي امريكا في البداية بأرض الميعاد واسرائيل الجديدة.
ونقصد من ذلك ايجاد الشبه لرؤية التكامل بين اسرائيل وامريكا من ناحية كما قصدنا من قبل اظهار رؤية وراثة امريكا لبريطانيا. حيث ان ما يزيد علي ثلاثة ارباع المستعمرين البيض كانوا في عهد الثورة الامريكية من ذوي الدم البريطاني) «6» ( علي ان قلة من المستعمرين ظلوا حتي عشية الثورة لا يفطنون إلي أن شخصية امريكية كانت في تطور ونمو وكانوا يرون انفسهم رعايا بريطانيين ذوي ولاء أولا لها ثم فيرجينيين أو نيويوركيين أو أبناء رود ايلاد وفي هذا كتب مؤلف «قلوب بلوط فرجينيا »سنة 6671 يقول: بالرغم من اننا نستمتع بالأطايب ونسمن علي ارض امريكا فإننا ننتمي إلي جزيرة بريطانيا الجميلة كرعايا ومن الذي يبلغ به السخف أن ينكر علينا هذا وثمة بريطاني اصيل في كل عرق من عروقنا)(7ِ)
(2)
تحت عنوان في الامارة الوراثية يقول « يقولا ميكافيللي ان الصعوبة في المحافظة علي الدول الوراثية التي الفت حكم أسرة حاكمة أقل بكثير منها من حكم الملكيات الجديدة لأنه يكفي ألا نتجاوز أوضاع السلف وان نتهيأ للطوارئ المقبلة.
ومجازا لو اسقطنا من الولايات المتحدة صفة الجمهورية واعتبرناها ملكية لقلنا ان المستعمرات البريطانية السابقة ما هي إلا حلائف لها وبالتالي أحلاف امريكية حتي عقب الاستقلال (فحين انسلخت هذه البلدان عن النظام الاستعماري القديم تشكلت علاقات جديدة بينها وبين المراكز الامبريالية عرفت بالاستعمار الجديد وتمت صياغتها علي اساس التخلف ــ الهيمنة واستمر التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ضاربا جذوره في هذه البلدان المستقلة).«8»
ولو كان هذا الاستقلال فاقدا ايضا القدرة علي الفعل السياسي.
وباقتراحنا السابق باعتبار الولايات المتحدة مملكة وليست جمهورية هو اقتراح ظني نابع من ما هو معروف من سيطرة الاقتصاد. الصهيوني علي كافة مجالات الحياة الامريكية مؤثرا في ذلك علي صناعة القرار.. للدرجة التي جعلت «ليسي أسبن » وزير الدفاع الامريكي السابق يقول( ان اسرائيل تواجه تهديدات أمنية جديدة من السكين إلي الصاروخ وأن الرئيس بيل كلينتون تعهد لرئيس وزراء اسرائيل اسحق رابين بالعمل لمواجهة هذه المخاطر.. وكلفه تدعيم الشراكة الاستراتيجية بين البلدين) «9» ويلاحظ لفظ «تعهد »وما يعنيه من علاقة الولاء بل أحد الصحفيين الأمريكان سأل عضوا بالكنيست الاسرائيلي عن قرارها بضم الجولان إليها وهل ستتعرض لمشاكل مع الولايات المتحدة فقال له « الدول الأخري لا تستطيع تجاهل الولايات المتحدة والنفوذ الأمريكي الهائل وهو عنصر في كل قضية دولية لكن ماذا تستطيع الولايات المتحدة أن تحقق في الشرق الأوسط إذا كان الزعماء الاسرائيليون يدركون انهم يستطيعون تهديد المصالح الأمريكية دون خوف من الزعماء الأمريكيين؟)«10»
وتقول صحيفة الرفيق السويسرية ( طالما أن اسرائيل تتبع سياسة الاحتلال في قلب الوطن العربي فالحرب مستمرة ولأن الولايات المتحدة الأمريكية هي الأداة التي يمارس يهوذا بها بطشه فإنه يحتمل أن يهدد كل شعوب العالم حريق عالمي.. إن مؤسسة القهر في ولايات اسرائيل المتحدة لا ترغب في السلام) «11» .
ومع اعتبار امريكا ملكية ومع اعتبارها وريث للملك البريطاني ومع اكتشافنا مدي التأثير اليهودي عليها نستطيع بذلك فهم مدي سيطرة اسرائيل علي امريكا وبريطانيا معا وفهم ان هذه القدرة الصهيونية السرية والعلنية ايضا الضاغطة في الولايات المتحدة تكاد تشكل ملكا حقيقيا خفيا يدير أمريكا عبر الريموت كونترول من جهاز الموساد الاسرائيلي بتل ابيب ومع ايماننا بأن هناك حكومة خفية تدير امريكا نكون قد وصلنا إلي لب ما نحن بصدده من أحقية وراثة الملك في امريكا للملك في بريطانيا متمتعا بكل حقوقها الاستعمارية.
وما أردنا التوضيح له في هذا الباب هو انه لولا التركة البريطانية من السياسات والمستعمرات والأحلاف ما كان للولايات المتحدة الامريكية سلطانها الذي وصلت إليه.
وعذرا لنزق التشبيه بين النظام الجمهوري في أمريكا وبين الملكية لكن ذلك جاء لكي تكتمل الصورة المتقاربة بين نماذج ميكافيللي في كتابه الأمير وبين امريكا محل الحديث هنا وربما اشارت كثير من الدراسات الي تركيز السلطة الاقتصادية والسياسية والاعلامية الامريكية في يد نخبة تعد علي الاصابع طبعا هم اليهود ، وهوما دفعنا لخلق هذا التشبيه.
(3)
«في الامارة المختلطة» تحت هذا العنوان كتب مكيافيللي «ولكن حين نستولي علي ممتلكات في منطقة تختلف معنا في اللغة والقوانين والعادات فإن الصعوبات التي لابد من التغلب عليها عظيمة.»
ثم اشار إلي مزايا اقامة الامير في الأرض الجديدة.. ولما تعذر تطبيق ذلك علي مستعمرات عصرنا فقد أخذوا بالوسيلة الثانية والتي يبقي فيها الامير بداخل امارته الأم مع الاحتفاظ بمستعمرات رمزية في الامارة الجديدة ــ المستعمرة ــ وفي ذلك يقول ميكافيللي «والعلاج الآخر واحسن العلاجين هو اقامة مستعمرات في مكان أو مكانين من تلك الأمكنة التي هي مفاتيح البلاد لأنه لابد من احد أمرين إما أن تفعل ذلك أو تحتفظ بقوة كبيرة مسلحة وهو بذلك لا يضر سوي اولئك الذين قد اخذت منهم أراضيهم ومنازلهم.»
ويكاد مكيافيللي يشير إلي اسلوب الدعاية بالترهيب وهو يتحدث عن أن من لم تؤخذ ارضه منه لاقامة مستعمرة عليها سيحتفظ بالولاء له أي للأمير والخوف من أن تؤخذ منه أرضه مثلهم.
وأسلوب الترهيب اسلوب قديم معتمدا علي الدعاية برع في استعماله الأمويون في مطلع العصر الاسلامي وقبل ظهور مكيافيللي بألف سنة وكان الهدف الرئيسي للأمويين من سياسة التهديد والعنف هذه هو إلقاء الرعب في قلوب المعارضة حتي لا تفكر في الخروج عليهم) .«12»
كما طبقه جوبلز وزير الدعاية في ألمانيا النازية في العصر الحديث «وقد أدي الخوف والرعب اللذان انتشرا من الفوهرر الألماني إلي تدفق اللاجئين إلي الشوارع في فرنسا وعرقلوا بذلك حركة الحلفاء ومعداتهم العسكرية وعجلوا بهزيمة فرنسا).«13»
أما عن التطبيقات الأمريكية والاسرائيلية محل الدراسة فأسلوب الترهيب قد يكون العامل المميز لها.
ففي حرب الخليج الثانية بين العراق وبين الولايات المتحدة الامريكية بشأن المسألة الكويتية استخدمت الولايات المتحدة الترهيب عدة مرات فقد بدا قائد القوات المشتركة (التحالف الأوربي والخليجي) نورمان شواراسكوف واثقا وهو يقول للصحفيين «نحن نقترب من الحرب مع دولة من العالم الثالث ولكننا نضع خططا وكأنها ستكون الحرب العالمية الثالثة »وكذلك ما فعلته باليابان عام 5491 من توجيه ضربة نووية قاصمة لها جعلت العالم كله يشعر بالرعب منها أما اسرائيل فهناك خطر داهم يتهدد الأمة العربية بأسرها بسبب احتكار اسرائيل للسلاح النووي وليس أدل علي ذلك من اعلان زعماء اسرائيل ومنهم شيمون بيريز عام 4891 بأن «جميع العواصم العربية من مراكش إلي بغداد رهينة في يد اسرائيل »ومن اعلان يؤوال نئمان الملقب بأبو القنبلة النووية الاسرائيلية بأن (اسرائيل تستطيع تدمير المنطقة العربية عدة مرات).«14»
إن الأمريكان اعتمدوا علي اسلوب المستعمرات وهي عبارة عن قوات خاصة تنتشر معسكراتها في تلك البلدان بحجة حمايتها من خطر وهمي ولكنها في الحقيقة هي مستعمرات حاكمة لتلك الامارات وربما برضاء خاص من حكام تلك الامارات وذلك لأسباب نوجزها في نص أورده ميكافيللي عند اقترابنا من شروح الباب الخامس.
ومن مزايا انشاء معسكرات تحتل اجزاء من المستعمرة عن نشر قوات فيها أي نشر قوات ضخمة في كل أراضيها وكما هو الحال في الخليج الآن حيث توجد معسكرات امريكية ولكن لا يوجد احتلال وذلك لأن احتلال مساحة من الأرض لاقامة معسكر أقل ضررا للسكان المحللين من نشر قوة ضخمة كما أن القوة الضخمة ستمارس اعمال سلب ونهب لصالحها الشخصي مما قد يحرض السكان علي الثورة ضد الاحتلال فيتم الحاق الضرر بالامير وحده.
كما أن المستعمرات تأخذ أراضي قلة بينما الأكثرية الذين لم تؤخذ أرضهم سيصيبهم الرعب من مصادرة أراضيهم إذا تمردوا فيقوموا بتوخي الحرص والسلامة.. وربما تأمينا لذلك يقومون بالتقرب إلي الأمير ويغدقون عليه العطايا.
وعلي أي متابع أن يلاحظ كيف تتصرف امريكا في الخليج.. فسيجد ثمة تشابها في أفكار مكيافيللي وتطبيقات امريكا لدرجة ان السعودية والكويت ـ حكامهما ــ يدفعان لأمريكا.
ويقول مكيافيللي (ولذا فإن اهانتنا لإنسان لابد ان تكون اهانة تعنينا عن أن نخشي انتقامه )وهو هنا يريد أن يقول التنكيل بالخصم ويقول في موضع آخر ينبغي لحاكم اقليم اجنبي أي مستعمرة لا يتفق معها في لغة أو جنس أن يتزعم جيرانه أي جيران هذه الامارة المستعمرة الضعفاء ويدافع عنهم.. وأن يعمل علي اضعاف جيرانه الاقوياء.. وأن يحذر من أن يغزوهم جار اقوي منه »ويقول «وليس عليه سوي ان يحترس من ان ينالوا سلطانا مفرطا وقوة » ويقول «ويظل هو فيصل تلك المنطقة في جميع الأمور« ويقول« ايضا ان كل من يكون سببا لأن يصبح غيره قويا يهلك هو نفسه».
والمتتبع يجد أن الولايات المتحدة الامريكية هي اكثر الدول في العالم الاستعماري اتبعت اسلوب التنكيل بشكل مفرط.. نكلت باليابان قتلت مائتي الف نسمة في ساعة واحدة.. قتلت 006 فيتنامي ومليون ونصف المليون عراقي عبر سياسة التجويع والحصار والقتل المباشر.. رغم أن الجرم لم يكن بحجم العقاب.. وكأنها تقول يجب إعادة العراق إلي العصر الحجري لأنها تجرأت بالخروج عن الجيتو المفروض علي المنطقة العربية.. نفس ما فعلته بريطانيا واسرائيل وفرنسا تجاه مصر في عصر عبدالناصر فأمريكا خاصة والغرب عامة لا يعادي شخصيات بقدر ما يعادي السياسات المتمردة علي طاعته.
كما أن الولايات المتحدة الامريكية بعدما تأكد لها تأمين وجودها وسيطرتها علي مقاليد الأمور في الخليج و بعدما دمرت قدرة العراق العسكرية وتيقنت من ضعف ليبيا وسوريا وبعدما ايضا حيدت مصر ترأي لها بعد ذلك أن ثمة قوة إيرانية يجب تدميرها ولا أدل علي ذلك التوجه من قول وليام بيري وزير الدفاع الأمريكي الاسبق (علينا أن نبقي مستعدين لمواجهة التهديدات التقليدية من جانب ايران والعراق تلك الدول التي تملك الجيش الأول في المنطقة) وقول الصهيوني باريف (ان نبوخذ نصر ـ ملك بابل ـ قد حارب اليهود الايرانيين قبل ثلاثة آلاف سنة واخذهم اسري ومن مصلحتنا أن نحارب العدو المشترك ـ العرب) «16»
وقول هارون ياريف مسئول المخابرات العسكرية الإسرائيلية ورئيس مركز الدراسات الاستراتيچية بجامعة تل ابيب (لابد أن نعد ايران عضوا في التحالف العربي الاسلامي ضدنا) ورغم أن الولايات المتحدة هي التي دمرت العراق فإنها ذاتها تحميها من أي غزو ايراني أو تركي أو حتي إسرائيلي.. فأمريكا تريد جيرانًا ضعفاء لمستعمراتها وغزو أية دولة للعراق سيزيد من قوتها.. وبخصوص إسرائيل فهي لاتريد التصادم مع أية دعوة للجهاد في العالم الإسلامي.. لأن احتلالها للخليج احتلالاً مقنعا عبر أمراء خلفاء لها.. أما غزو إسرائيل للعراق فهو مكشوف وفاضح ومستفز.
حتي الدول التي تستعمرها أمريكا في الخليج تعاني من الضعف العسكري المخطط من قبل الإدارة السياسية للولايات المتحدة.. فهي تسلح هذه الدول بأسلحة تقليدية مراعية التفوق الإسرائيلي الواجب.. وإن كانت تريد حماية هذه البلدان حقًا لقامت بتسليحها نوويا.
وهي بذلك تعمل بالحكمة المكيافيلية القائلة (من كان سببًا في قوة غيره هلك ).. أما فيما يخص تبنيها لإسرائيل فهو نابع من رؤية دينية توراتية: تقول الباحثة الأمريكية «جريس هالسل» إن الاصولية الانجيلية والمسيحية اليهودية مستعدة بل راغبة بكل قواها في اشعال حرب نووية بشأن إسرائيل. ولايفوتنا أن نذكر أن المهاجرين البيوريتانيين من أصحاب مذهب «جون كالفن» المتأثر بمرشد نيرون الروحي والذي يدعي «سنيكا» الذي تبني نظرية ابادة السكان الاصليين في فتواه.. لايفوتنا أن نذكر أن معظمهم من أنصار واتباع هذا المذهب.. فارين من ملوك انجلترا الكاثوليك ولايفوتنا أيضا أن نذكر تأكيد «هنتنجتون» في اعماله العديدة علي أن الأمريكيين هم العرق البشري الأرقي بيولوجيا.. وبرر ـ بوقاحة ـ عمليات ابادة الهنود الحمر تحت نظرية (الازاحة الطبيعية للعنصر البشري غير الراقي من قبل الانجلوساكسون الحيويين).. لقد ابيدت 004 ثقافة مختلفة في أمريكا راح ضحيتها 21 مليون نسمة في اوسع عملية ابادة منظمة في التاريخ.
(4)
تحت عنوان (لماذا لم تثر مملكة داريوس.. وقد احتلها الاسكندر علي خلفائه عقب وفاته) كتب نيقولا مكيافيلي يقول (الممالك التي عرفها التاريخ قد حكمت بطريقتين.. إما حكمها أمير واتباعه يساعدونه في حكم المملكة كوزراء بفضله وإجازة منه.. او حكمها أمير ونبلاء يتبوءون مراكزهم بدون مساعدة من الأمير.. ولكن لقدمهم.. ولمثل هؤلاء النبلاء ولايات ومواطنون لهم خاصة يعترفون بهم سادة عليهم بطبيعة الحال.. وللأمير في تلك الولايات التي يحكمها أمير واتباعه سلطان أكبر من سلطان الأمير الثاني.. لأنه لايوجد فوقه سواه).
مما لاشك فيه أن غياب العمل الحزبي يعد دليلاً قاطعًا علي مركزية السلطة وعدم تداولها.. وذلك لأن الحزب وكما عرفه كلسن (عبارة عن تلك المنظمات التي تجمع بين رجال ذوي رأي واحد لتضمن لها تأثيرا حقيقيا وفعالاً في ادارة الشئون العامة).«17»
وربما تشهد الساحة العربية مركزية الحزب الواحد.. أي أن هناك احزابا ولكن لاتوجد افكار ولا شخصيات ولا منافسة جدية.
وأردنا أن نخوض تعريفنا للحزب لنثبت أن سبب دوام الأنظمة العربية ـ بخلاف النظر عن ماهية افكارها سوءًا وجدة ـ هي أنها من ناحية يحكمها عادة حزب واحد ولا تداول في السلطة بين الاحزاب .. بل إن الحزب الحاكم في أي دولة لايوجد تداول في قياداته .. الرئيس يظل دائما رئيسا وهو أيضا بالطبع أعلي سلطة في الدولة.. بينما ماعداه في الحزب يمكن تغييره وثمة تشابه في هذا الشكل وبين ما طرحته نظرية مكيافيللي حيث يوجد أمير واتباع وليس أميرا ونبلاء.. بل إن الرئيس ـ الأمير ـ يعتبر وجود نبلاء في دولته مراكز للقوي ويسارع بتصفيتهم جسديا أو يعتمد علي اسلوب تجريحهم وتنفير الناس منهم والحط من شأنهم.
وخطورة هذا الاسلوب رغم أنه يعطي الحرية المطلقة للحاكم هو أنه يكون خطرًا علي المملكة أو الدولة لغياب الصف الثاني.. فالعدو لو أراد دحر هذه الدولة فعليه بأن يتوجه رأسًا نحو أعلي السلطات أميرا أو رئيسًا.. لو اسقطه يستطيع بسهولة تحقيق مآربه.
تماما كما فعل الضباط الاحرار حينما توجهوا للملك فاروق رأسا فلما استطاعوا الوصول إليه اعلنوا نجاح الثورة في مصر.. لأن الملك بلا صف ثاني.
أما في لبنان فلم تنجح كثير من المؤامرات ضدها بسبب أن رئيس الدولة خلفه صف ثان متمثل في طائفيات واحزاب قوية.. رغم أن رئيس الدولة هناك محدود السلطات تنفيذيا.
وفي نموذج لبنان ذلك نفسر أسباب هزيمتها لإسرائيل التي جلت عن جنوبها مجبرة عام 0002 .
حتي أمريكا نفسها ومنذ استقلالها لم يحكمها سوي حزبين يتبادلان السلطة فيها (الجمهوري ـ الديمقراطي) وإن كان هذان الحزبان اليمينيان يتفقان في كل السياسات الخارجية إلا أن ثمة معالجات غير مهمة هي مصدر الخلاف بينهما.. وهذان الحزبان يمثلان قوة المال والسلطة.
فهل خلت أمريكا من الأحزاب؟.
ولايفوتني أن أكرر مقولة برناردشو (أمريكا هي البلد الوحيد الذي انتقل من البربرية إلي الانحلال دون المرور بعصر الحضارة) «18» صدقت.
كما أن النظام الرئاسي الأمريكي ومنذ عصر چورچ واشنطن المؤسس الأول يعتمد علي وجود رئيس للدولة واتباع له.. فچورچ واشنطن استعان بهاملتون كقيادة عسكرية وجيفرسون كقيادة فكرية وفلسفية وكان لقبهما سكرتيري الرئيس .. ولا مناص من استبدالهما وإن كانا هما من أشد المخلصين للدولة وللرئيس حتي أنه لما حدث خلاف بين چورچ واشنطن وهاملتون بسبب معركة مونماوث اثناء حرب التحرير الأمريكية لم يثر چورچ واشنطن له عندما تم قتله في مبارزة بينه وبين آرون بير 4081.. حتي أن چورچ واشنطن لم يكن في الحكم وقتها لكنه كان قادرا علي اتخاذ القرار بوصفه المؤسس للدولة.
(5)
«في طريقة حكم المدن والبلاد التي كانت تعيش قبل احتلالها في ظل قوانينها الوطنية» تحت هذا العنوان كتب مكيافيللي يقول (وعندما تكون تلك الولايات التي قد استولينا عليها معتادة علي الحياة الحرة في ظل قوانينها الخاصة فثمة ثلاث طرق للسيطرة عليها إما أن يخربها الأمير والثانية أن يذهب يعيش هناك بشخصه والثالثة أن يجيز لها أن تعيش في ظل قوانينها الوطنية ويحصل منها علي الجزية ويقيم في داخل البلاد حكومة من عدد قليل يحافظ عليها صديقه له ولما كانت هذه الحكومة صنيعة الأمير فهي تعلم أنها لا تستطيع أن تبقي بدون صداقته أو حمايته).
وما اردنا الاسترسال والتوضيح فيه في الباب الثاني سنوضحه هنا.
فمكيافيللي يطرح ثلاثة اساليب لاخضاع المستعمرات الجديدة التي لانتفق معها في لغة أو جنس.. وهي التخريب ـ نقل السلطة اليها ـ تتويج حكومة عملية.
تخريب الدولة: وتاريخيا من أبشع النماذج التي قامت بسياسة تخريب المستعمرات هو نموذج التتار حتي يخضعوها بشكل حاسم للهيمنة.
أما حديثا فإن الولايات المتحدة الأمريكية اتبعت هذا الاسلوب في مواقع عدة.. في اليابان التي القيت عليها قنبلتان ذريتان.. مما جعل الحكومة اليابانية تسلم بالغزو الأمريكي دون قيد أو شرط اثر مقتل مائتي الف ياباني في ساعة واحدة وتدمير جزيرتين بشكل شامل.
وكذلك في فيتنام حيث اغارت 006 طائرة حربية ولمدة 21 يوما وبشكل متواصل ومكثف مع مساعدة بريطانية.
وفقدت فيها فيتنام 006 ألف قتيل.. معظمهم من المدنيين. وفي العراق.. ومع حد تعبير جيف سيمونز المفكر الأمريكي حيث يقول (أحدث العرض الشامل للأسلحة المتطورة مجزرة جماعية لعدو ـ يقصد العراق ـ لاحول له ولا قوة عموما ووقع معظم القتلة بعد الوقت الذي كانت الدبلوماسية تستطيع فيه وضع نهاية للصراع تضمن تحرير الكويت .. استعملت فيها قذائف اليورانيوم المنضب والنابالم والقنابل العنقودية ومتفجرات الهواء ذات النطاق النووي والقنابل التقليدية التي القت طائرات بي 25 كميات كبيرة منها واسقطت البحرية الأمريكية وحدها أكثر من 0044 قنبلة عنقودية وألقت طائرات الجاكوار البريطانية الهجومية آلاف القنابل العنقودية من طراز بي الـ577 المصممة لتقطيع اوصال البشر)«19» وكذلك اطلاق يد اللصوص لتخريب بغداد عقب احتلالهم لها 2003.
والمعروف أن القنبلة العنقودية الواحدة تنشطر إلي الفي شظية عالية السرعة تمزق الشظية الفرد تمزيقًا.
وقد وصف مايكل كلير خبير أسلحة حرب 0991 المسماة بحرب الخليج بأنها حرب أخذت مستويات شبه نووية من التدمير بدون إثارة اشمئزاز الناس. حتي أن جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا أثناء الحرب أخبر طارق عزيز وزير خارجية العراق في 9 يناير 1991 بأن أمريكا (ستحول العراق إلي دولة متأخرة وضعيفة).«20»
وقد استعملت أمريكا مليون طلقة عيار 03 ملي واليورانيوم الناضب الذي تسبب في تلويث 003 طن متري بالاشعاع مما خفض عمر العراقي الذكر إلي 02سنة والأنثي 11سنة!! وتسبب في وفاة مليوني مواطن عراقي في اوسع حرب ابادة عقب الحروب التتارية.
أما عن نموذج اقامة الأمير بنفسه في المستعمرة فهو نموذج واضح في سياسة إسرائيل وسعيها الدءوب لتهويد القدس من ثم احتلالها ونقل الحكومة إليها.. يقول تيودور هرتزل مفكر الصهيونية (إذا حصلنا يوما علي القدس وكنت ما أزال حيا وقادرا علي القيام بأي شيء فسوف أزيل ماهو غير مقدس لدي اليهود فيها وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها القرون) ويقول شلومو جورين حاخام الجيش الإسرائيلي (إن حلم الأجيال اليهودية قد تحققت فالقدس لليهود ولن يتراجعوا عنها وهي عاصمتهم الأبدية).«21»
ولاننسي كفاح إسرائيل من أجل نقل حكومتها إلي القدس واعتزام أمريكا نقل سفارتها في إسرائيل من تل ابيب إلي القدس مما يعتبر اعترافا أمريكيا لكون القدس عاصمة لإسرائيل.
والمعروف أن العاصمة هي مقر الحكومة وبالتالي الحاكم.
وأما النموذج الثالث وهو الخاص بتولية حكومات عميلة في المستعمرات فحدث ولاحرج.. فلم يكد ينتصف القرن العشرون حتي قامت بريطانيا بالجلاء عن معظم المستعمرات وتولية نظم حكم عميلة لها في هذه البلدان.
في الخمسينيات جلت بريطانيا عن العراق ولكنها نصبت الحكم في عبد الكريم قاسم.. وهو أحد حلفائها.. ولذلك تصدي جمال عبد الناصر له حينما أراد غزو الكويت 2691.. بوصف أن ضم الكويت للعراق هو زيادة لنفوذ المستعمر.وقد تكرر ذات الءمر بعد احتلالها للعراق وافغانستان .
يقول كوامي نكروما (وحقيقة الوضع أن معظم دولنا الأفريقية الجديدةتجد نفسها وقد ولدت من رحم الاستعمار مذعورة من عالم الفقر والجهل والمرض والافتقار إلي الموارد المالية والتقنية التي خلفها الاستعمار فترة وفي قطع الشعرة الباقية التي تشدها إلي الآم الامبريالية التي ولدتها).«22»
والواقع أن هناك نموذجا عربيا بالغ الوضوح علي هذه القاعدة الثالثة في نظرية مكيافيللي .. فالشريف حسين الذي فر من هجمات آل سعود من منطقة الحجاز في اعقاب قيام الدولة السعودية الثالثة مطلع القرن العشرين.. تلقته القوات البريطانية قرابة نهر الأردن وعرضت عليه عدم التعرض لليهود في فلسطين مقابل حمايته من هجمات آل سعود وإقامةحكم محدود له في منطقة شرق نهر الاردن.. فوافق الشريف حسين وقدم لبريطانيا خدمات جليلة اثناء الحرب العالمية الأولي حتي ساعد الجنرال اللنبي في طرد العثمانيين من شبه الجزيرة العربية والشام 6191.. بل إنه ساهم في قمع مظاهرات الفلسطينيين بعد صدور وعد بلفور 7191 طمعا في أن يعطيه الانجليز لقب أمير وحدث له ذلك بعد الحرب ولما توفي خلفه ابنه عبد الله ا لذي سار علي نهج والده في دعم الانجليز طمعا في رفع درجته من أمير إلي ملك وحدث له ذلك إثر تآمرات مكشوفة ضد الفلسطينيين مما حدا بالفلسطينيين إلي الانتقام منه بعد تكفيره وقتله في الحرم القدسي عام 0591.
وخلفه ابنه طلال الذي لم يلبث أن توفي عام 4591 ويتولي ابنه الملك حسين الذي قاد مذبحة بشعة ضد الفلسطينين فيما عرف بحادث ايلول الاسود 0791 .
أما أمريكا فقد وصل ولاء بعض الأمراء الذين تسبغ عليهم حمايتها أن قال علي المؤمن رئيس اركان القوات المسلحة الكويتية (إن الكويت يستطيع الاعتماد علي حزم اشقاء السلاح الغربيين وخصوصا الأمريكيين).. بينما قال بندر بن سلطان سفير السعودية في واشنطن عنهم (إن عائلة الصباح عائلة تجارة .. وليست لهم هوية سياسية محددة والكويت كلها اقرب إلي أن تكون شركة منها إلي أن تكون دولة)«23»
ولا أدل علي وضوح النظرية الخاصة بالشق الثالث هو أن الرئيس الأمريكي چورچ بوش الأب حينما زار الكويت عقب الحرب تلقي هدايا ثمينة تزن عشرات الأطنان أو بحجم بناية كبيرة كما وصفها كاتب أمريكي.
نعم.. الولايات المتحدة سواء أو بريطانيا لايريدون سوي اتباع.. يديرونهم بالريموت ويحصلون منهم علي ما يشاءون.
إن الامراء الذين جاءوا للحكم نتيجة تزكية مستعمرهم بالتأكيد مستعمرون.. سيكونون دائما في خدمة الاستعمارية الأم وسيكونون مستعدين لحرق بلادهم.. بل بلاد الدنيا مقابل عروشهم ليدوموا ويستمروا ويتحالفوا في ذلك مع من يحميهم حتي لو كان عدوا لشعبه هو نفسه.
(6)
في هذا الباب الذي سماه مكيافيللي (في الولايات التي قد اكتسبت بأسلحة الأمير الخاصة وقدراته) يقول (وسوف يصنع المرء صنع الرماة العارفين الذين يصوبون إلي نقطة أعلي من تلك التي يرغبون في اصابتها عندما تكون بعيدة جدًا.. ويعرفون مدي اطلاقهم للسهم.. لا لكي يصيبوا بسهمهم هذا الارتفاع ولكن ليصيبوا بواسطته الهدف المرغوب فيه) ويتحدث عن انتهاز أوضاع الشعب وتسخيرها لإقامة امارة جديدة ويقول (وهكذا كان من الضروري أن يجد موسي شعب إسرائيل عبيدًا في مصر يضيمهم المصريون حتي يصبحوا علي استعداد للسير خلفه لكي يتخلصوا من العبودية) ويضيف (وكان لابد من أن يجد قورش ـ ملك فارس ـ الفرس ساخطين علي إمبراطورية الميديين وأن يجدوا هؤلاء منحلين ومخنثين من جراء السلم الطويل) ويشرح ميكافيلي أن من ينشيء إمارة بصعوبة بالغة يؤمنها بسهولة والعكس صحيح أيضا ويشرح أن الأمير يجب أن يعتمد علي قدراته الخاصة وقوته لتأمين حب الناس له حيث يقول (ومن هنا لزم ترتيب الأمور بحيث يمكننا استخدام القوة لنكرههم علي الايمان بما ارتدوا عنه.. ولو كان موسي وقورش وتيسيوس ورمونوس عزلا لما استطاعوا أن يجعلوا غيرهم يراعون دساتيرهم أمدًا طويلا).. كما يدعو مكيافيللي الأمير إلي مهاجمة خصومة بحماس شديد في كل فرصة.. ويقرر حقيقة ثابتة بأن الناس لايؤمنون بأي جديد ايمانا صادقا حتي يجربونه.. تعرف بريطانيا وأمريكا أنها لكي تصيب الهدف يجب أن توسع دائرة الاشتباه ولا ننسي تاريخيا أن أزمة الطاقة التي تفجرت مابين عامي 1791و 3791 كانت مجرد ذريعة أمريكية لم تكن مقصودة لذاتها ولكن كانت (من أجل اعداد المواطن الأمريكي بوجه خاص والأوربي الغربي بوجه عام اعدادا نفسيا لتقبل أية مخططات عدوانية ضد البلدان المنتجة للبترول وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط.. وتصفية حركات التحرر بهذه الحجة والاستعانة بالأمم المتحدة ـ اذا لزم الأمر في محاولة لتدويل البترول وتحويله من سلعة محلية إلي سلعة دولية استراتيجية بحيث تدخل الأمم المتحدة طرفًا بين المنتج والمستهلك .. كما تستغل الولايات المتحدة الحاجة المتزايدة إلي الطاقة في أوربا لفرض زعامتها وسيطرتها علي القارة الأوربية مع ربط منطقة الشرق الأوسط الغنية بالبترول ربطًا وثيقًا بها)«24» .. فلماذا «ثم تنفجر أزمة الطاقة فيما بين عامي 17 ـ 3791 في أوربا واليابان بالصورة المفاجئة والمدبرة التي تفجرت بها في الولايات المتحدة برغم ان الولايات المتحدة دولة غنية بتروليًا ولديها فائض تدفنه تحت الأرض في حين أن بلدان أوربا تستورده لحاجتها الماسة له) «25»
إذن .. حينما أرادت الولايات المتحدة فرض سيطرتها علي الخليج العربي قامت بإثارة أزمة عالمية اسمتها بالطاقة.
وليس ببعيد نفس الأسلوب الذي فعلته أمريكا باثارة أزمة عالمية عن الإرهاب عام 1002 ليس إلا لكي تتخذها ذريعة إنسانية مهذبة وتحظي بدعم دولي بضرب كل الدول الإسلامية الخارجة عن الدوران في فلكها العالمي .. مع القيام بتصفية الحركات الإسلامية تحت نفس المسمي وهو حرب الإرهاب .. بل تصفية أية حركات للمقاومة ضد المصالح الغربية الامبريالية.
ولا يفوتنا أن الحكومة الفرنسية حتي تستطيع أن تكسب معركتها ضد قوي التحرر في الجزائر تراءي لها أن ضرب مصر يساعدها كثيرًا في كسب المعركة بل إن رئيس وزرائها صرح عام 6591 واثناء العدوان الثلاثي علي مصر بأن «فرنسا تضرب مصر لكي تكسب الجزائر» .. وذلك لأن مصر هي الدولة العاصمة الداعمة في قضايا التحرر لكل البلدان العربية والأفريقية.
أما فيما يخص قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتسخير الشعوب لتحقيق أهدافها فهو يتضح من نموذجين الأول داخليا وهو تسخير شعبها نفسه كما حدث في أزمة الطاقة العالمية عامي 17 ـ 3791 وخارجيًا وهو الخاص بتسخير شعوب الدول المستعمرة ذاتها للوصول منها إلي دعم إضافي.
وذلك عن طريق نسبة كل سييء إلي هذه البلدان ونسبة كل حسن إليها.
ولا يخفي دور الإعلام وتأثيره كسلاح فتاك في يد الاستعمار العالمي الذي تتزعمه الولايات المتحدة بما تحتله من امتلاكها لـ07% من أصول الطيف الإذاعي والتليفزيوني والمطبوع عالميا.
«ولكن الأخطر والأقسي وطأة في العمل الإعلامي الاستعماري هو الوصول بأبناء البلدان النامية إلي كراهية بلدانهم .. ومن ثم يمكن إيجاد المناخ الملائم للاستغلال أمام الاحتكارات العالمية .. ان الصعوبات والأخطاء التي تقابل عملية التنمية تفرض مضايقات شتي لشباب هذه البلدان الذي يصاب بخيبة أمل كبيرة في قياداته السياسية ويصاب بإرهاق نفسي ومادي من سوء الإدارة يوميًا .. ومن هذا الوضع يستغل الإعلام الاستعماري فرصة نادرة لتضخيم النقد والبعد تمامًا عن ذكر الايجابيات حتي يصل المواطن النامي بنفسه إلي كراهية وطنه.) «26»
ولا يتوقف الأمر عند هذا المستوي بل إنها تستغل الظروف الخاصة لبلدان تستعمرها بالفعل ضد بلدان تطمح في استعمارها.
فالذي يغذي الأكراد في شمال العراق بالسلاح هو أمريكا بينما التي تآمرت للقبض علي زعيمهم «عبدالله أوجلان» وسلمته لتركيا ليتم إعدامه هو الموساد والـ«سي.أي.إيه» كما كشفت التحقيقات وقتها.
وكما يقول وزير الدولة الأمريكي «وان كون» بشأن دعم تايوان في انفصالها عن الصين (إذا كانت سياستنا تتشكل من آمال بالاحتفاظ بـ«تايوان» فانها يجب ان تخفي بعناية رغبتها في فصل الجزيرة عن القارة الأم وإذا تحتم علينا أن نتدخل عسكريًا فيلكن ذلك بمساعدة الأمم المتحدة مع اظهار النية في اننا نساند الطلب الشرعي لـ«التايواني» للحصول علي الحكم الذاتي). «27»
إن الولايات المتحدة تبرع عادة في استعمال التقنية الدعائية الخاصة باستثارة روح الكراهية والسخط لدي الجميع ومن الجميع وضد الجميع عداها.
ان الدعاية الأمريكية هي التي صورت لحكام الخليج العربي أن النظام البعثي في العراق ـ إن عاجلاً أو آجلاً ـ سوف يطيح بعروشهم مما دفع هؤلاء الحكام للتضحية بكل غال ونفيس من أجل إزالة نظام بغداد حتي لو كان الثمن مليوني طفل وشهيد عراقي.
يقول «ماكي أوكين» في صحيفة «الجارديان» 61 ديسمبر 5991: (لأنني عرفت سوء ما فعلنا بالحرب والحقيقة والدم .. انها حكاية الأكاذيب في سبيل النصر .. حكاية تسخيرنا نحن العاملين في وسائل الإعلام كما تساق الحمير لكي لا نري سوي ما يريد عسكريو أمريكا وبريطانيا حربا لطيفة .. نظيفة .. انها حكاية الأكاذيب).
والدعاية الأمريكية التي صورت ذلك تساندها المخابرات الأمريكية والحليفة كانت في حقيقة الأمر تطمح لكسب أراض جديدة .. وبكلفة خليجية!! .. ولا أدل ان الحصار المفروض علي العراق قد أقره مجلس النواب الأمريكي طبقًا للائحة 5854 من اللائحة التشريعية بتاريخ 72/7/0991 ـ أي قبيل الغزو أصلاً الذي حدث في 2/8/0991.
ولا يتوقف مبدأ «التسخير» عند حد الأعداء .. بل للأصدقاء .. بل للشعب الأمريكي ذاته.
كتب الصحفي الأمريكي «جايمي روستون» تحت عنوان «مأساة واشنطون الرسمية» (تتمسك بالأشياء الباطلة .. وترمي جانبا العناصر الثابتة .. تصرح بالإيمان ولكنها لا تؤمن).«28» وكما يقول الشاعر المكسيكي العكبير اكتافيوباث « لم تفتقد أمريكا أبدا للقوة ..ولكنها دائما تفتقد الحكمة والرحمة».
فأمريكا علمانية إذا أدان الأمر أمريكيا .. وأمريكا دينية إذا خدم مصالحها .. فريجان كان دومًا يردد ومنذ أن كان حاكمًا لولاية كاليفورنيا:هل نحن الجيل الذي سيشهد هرمجدون نووية؟
وهرمجدون بالعبرية تعني السهل الذي يقع إلي الشرق من عكا في شمال فلسطين .. وذكرت في نبوءة حزقيال في رؤيا يوحنا بأنها ستشهد نهاية الزمان وانتصار قوة الخير اليهودية علي قوي الشر العربية .. ويبني بعدها هيكل سليمان المزعوم .. وبداية الألفية السعيدة.
ويبدو أن كل قرارات ريجان كانت متأثرة بهذا التساؤل..حيث اختار عددًا من نشطاء الانجيليين لمراكز مهمة في إدارته .. بل إنهم كانوا سببا قويا في احراز الفوز علي منافسه جيمي كارتر في انتخابات الرئاسة عبر قوتهم التصويتية.
وتكون في أمريكا عبر التاريخ عشرات الجمعيات التي تتبني وجهة نظر الصهيومسيحية السابقة منها «اللجنة الفلسطينية ـ الأمريكية» التي ضمت 062 عضوًا من مجلس النواب والشيوخ وكذلك «المجلس المسيحي ـ الفلسطيني» عام 2491 و«لجنة فلسطين المسيحية ـ الأمريكية» ولجنة «الاتحاد الوطني للأصولية الانجيلية» عام 2491 أيضًا.
وتلك الجمعيات وغيرها كانت مجرد واجهات لتهيئة الشعب الأمريكي لأي عدوان علي العرب ـ أعداء الرب.«29»
وتعليل مكيافيللي لهزيمة قورش للميديين بسبب تخنثهم جراء السلم الطويل .. هو معناه أن حالة السلام الطويلة للشعوب تجعلها غير قادرة علي الحرب .. وهو الأمر ذاته الذي نرصده بسهولة من ذلك التدخل الأمريكي الصارخ في شئون العالم.
يقول «جون كيلي» وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق: «لا حل إلا نشر الجثث الاقليمية في كل مكان في العالم حتي لا تتآكل الامبراطورية الأمريكية بفعل الزمان .. لتلحق بما سبقها من امبراطوريات».
ويلاحظ لفظ «امبراطورية» وكأنه يدعم فرضيتنا السابقة بشأن أمريكا.
ومن غرب العالم إلي شرقه نلحظ ميل الولايات المتحدة للعدوان ـ في العراق ـ في ليبيا ـ في السودان في كل البلاد التي تحاربها إسرائيل في صربيا ـ في نيكاراجوا ـ في اليابان ـ في فيتنام ـ في كوريا ـ في كولومبيا ـ في بنما .. والكثير.
انها نظرية «الوقاية بالهجوم» لكسب الأراضي الجديدة وبث الرعب في قلوب كل الناس.
ولعلها ولذات السبب ولكي تكره الخصوم علي السلم والإيمان بقدرتها النووية .. فالولايات المتحدة الأمريكية حينما القت بقنبلتيها النوويتين علي هيروشيما وناجازاكي في 6 أغسطس و9 أغسطس عام 5491 كانت تهدف لتأكيد قاعدة ميكافيللي السابقة الخاصة بالتنكيل بالخصم وقاعدته الخاصة باكراه الأعداء بالإذعان والحب .. وهو ما نلاحظه الآن بعد مضي أكثر من نصف قرن .. حيث تتميز اليابان بعلاقة حميمية مع أمريكا .. وكأن إذعانها مكرهة عام 5491 تحول الآن إلي حب حقيقي!!
ويلاحظ مدي التعاون الذي ابداه رئيس وزراء اليابان عام 1002 تجاه ضربات 11 سبتمبر الذي هدم التوءم الأمريكي ـ برجي التجارة العالميين .. حيث بدت اليابان كلها متعاطفة مع أمريكا والضربات اللاإنسانية التي تعرضت لها!!
وقصدت الولايات المتحدة من ضربتيها النوويتين لليابان التأكيد للعالم أن السلاح النووي الذي بحوزتها قادر علي حسم أي معركة .. حتي يري هذا العالم ويجرب حجم المرارة التي يخلقها هذا السلاح الرادع الفتاك.
هنري سيتمون وزير الحرب الأمريكي في عصري روزفلت وترومان والذي اعطي أوامر إلقاء القنبلتين قال: «كانت القنبلة أكثر من سلاح تدميري قوي إذ كان لها تأثير سيكولوجي شديد».«30»
والاشارة واضحة إلي أهمية تلك الضربة القوية في تأثيرها النفسي علي الشعوب سواء الياباني أو غيره.
والاشارة واضحة إلي أهمية تلك الضربة القوية في تأثيرها النفسي علي الشعوب سواء الياباني أو غيره.
ولعبة التأثير النفسي هي فن قديم يقوم علي تكنيك دعائي هدفه الأساسي «تحطيم الخصم باستخدام كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة وذلك للقضاء علي التماسك الفكري لفهم الخصم ومعتقداته ولإشاعة الرعب والخوف والبلبلة وبذر بذور الفرقة أرادته واكراهه علي الاستسلام».«31»
واستخدمت إسرائيل ترسانتها النووية ربما حتي الآن ـ لمجرد الردع السيكولوجي الذي يجعل العرب يقبلون بأي حلول تفرضها علينا ناهيك عن كون تلك الحلول قد تحمل مزيدا من الغطرسة مثل الدعوات الاسرائيلية المتواترة «السلام مقابل السلام» وليس «الأرض مقابل السلام» وهي الدعوة العربية المضادة والتي فقدت احترامها بسبب التفوق النووي الانفرادي لاسرائيل والتي انتجت ما بين 08 ـ 002 قنبلة نووية .. قال الأكاديمي الاسرائيلي شاي فيلدمان بأن 03 أو 04 واجبة منها عيار 02 أو 06 كيلو تكفي لإعادة 6 دول عربية كبري إلي القرون الوسطي. «32»
فالقدرة النووية الإسرائيلية كما يشير د.شلومو أهرونسون «هي التي جلبت السلام مع مصر وكبحت جماح سوريا والعراق».«33»
ان اسرائيل ـ استكمالا لمنهج حليفتها أمريكا ـ تقوم بالترسانة النووية لاستخدامها كقوة إرهاب وقت السلم وقوة تدمير وقت الحرب .. وبما يمكنها من إملاء شروطها كاملة واجبار العرب علي القبول بها.
ان في الاصرار الاسرائيلي المتزايد علي التطبيع مع البلدان العربية التي عقدت معها اتفاق سلام مع التلويح بالتفوق النووي وامكانية استخدامه هو تعبير بشكل أو بآخر عن القاعدة الميكافيلية باجبار العدو علي الإيمان بك أو تخويفه حتي يحبك..لكن كيف الحب؟!
في مؤتمر القمة العربي المنعقد في مارس 1002 بشأن الانتفاضة الفلسطينية كشف العقيد معمر القذافي رئيس الجماهيرية العربية الليبية اثناء خطابه في الجلسة الختامية السرية والتي تسرب منها الكثير للصحفيين عن أن الحكومات العربية في معظمها تسعي لكسب ود اسرائيل .. وان الحج إلي تل أبيب أصبح سرًا وعلانية لدي حكام العرب.
ان التفوق النووي الاسرائيلي اشاع شعورًا عربيًا عامًا بالاحباط وانه لا مفر من تقبل وضعية اسرائيل والإيمان بها والسعي لنيل رضاها .. بل وحبها .. وخاصة بعد خمسة حروب تقليدية معها لم يكسب منها العرب غير واحدة.
اننا نستطيع ان نقرر ان اسرائيل بسبب طول فترة صراعها العربي تطورت عسكريًا .. والعرب بسبب سعيهم للسلام تأخروا.
ان السلم الطويل قد تسبب في التفوق التسليحي كمًا ونوعًا لإسرائيل عن التسلح المصري فرغم ان مصر عقدت سلامًا مع اسرائيل لكن اسرائيل لم تعقد سلاما إلا مع مصر في المنطقة العربية وان كان هو نفسه سلاما مشكوكا في جديته.
لقد آمنت روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل وكل قوي الامبريالية العالمية منذ بدء الخليقة بأن القوة هي أكبر تأمين للنفوذ .. بل للأفكار .. بل لاقناع الخصم بسحق افكاره وقوته واستبدالها بالبدائل الجديدة.
ان الفاشية وكما يقول د.مصطفي النحاس: ( هي نزعة قومية عدوانية تعمل علي خلق أمة متحدة في عداء عدواني للعالم خارج حدودها معتمدة علي القوة). «34»
والنازية ما كان لها اقناع حلفائها بأهمية نقاء العرق الأري لولا اطمئنان هؤلاء الحلفاء إلي قوة ألمانيا وهو ما دفع اقليم رينانيا بالولاء للألمان وكذلك المجر والنمسا والتشيك وعدة مدن ودويلات تنتمي إلي العرق الأري.
حتي الثورة البلشفية في روسيا الاتحادية ما كان لها ان تنتشر لولا استخدام القوة لنشر افكارها .. بل ان ستالين حينما تقدم لغزو أوربا الشرقية استخدم القوة الشديدة لتأمين افكاره .. وظلت القوة هي الأداة المسيطرة علي أوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي حتي حدوث انهيار الاتحاد السوفيتي ـ القوة المركزية ـ فانهار باقي الحلف المسمي بحلف وارسو والذي يشكل كل دول أوربا الشرقية.
وربما نعزي عدم قدرة الاتحاد السوفيتي علي تأمين وجوده في هذه الدول إلي أن الاحتلال كان سريعا دون تهيئة التربة فكريا مسبقا ولذلك فالانهيار جاء سريعا أيضا .. لم تكن مهيأة من قبل.
ان هناك قاعدة قضائية مهمة معروفة لدينا وهي انه لا عدل بدون وجود قوة تحميه.
وثمة قاعدة عقلية أخري ان من يبني بيتا يستغرق في تخطيطه وتقوية أساساته سنين طويلة فإن هذا البيت لا يتهدم بسهولة ولكن من يبني بيتا في يوم ينهدم هذا البيت في أقل من يوم .. ان الانتصارات الصهيونية البطيئة ضد العرب جعلتها أكثر ثباتا كما لوكانت حقيقة لا يمكن انكارها أو تغييرها .. فقبل عام 8491 كان العرب يحاربون من أجل طرد الصهيونية من كافة الأراضي العربية نهائيا رافضين أية حلول وسط ولكن عقب نكسة 7691 ـ بعد مرور 91 سنة من المناوشات والمعونات العسكرية لجانب اسرائيل من قبل أوربا وأمريكا ـ صار العرب يناضلون من أجل جلاء اسرائيل من الأراضي العربية المحتلة وعقب 3791 صاروا يناضلون من أجل جلائها من سيناء والجولان وفي عام 2891 صار العرب يناضلون من أجل جلاء اسرائيل من لبنان الجنوبي وبعد مرور 05 سنة من الاحتلال تلخص كل نضال العرب في جلاء اسرائيل من القدس!! وربما يناضلون من أجل حي أو اثنين فيها!!
ان الانتصار الاسرائيلي البطيء مهد لها الوجود والبقاء .. فهي عمدت الي تأمين وجودها باحتلال أراض عربية كثيرة أكبر من الحجم الحقيقي المراد .. انها نظرية نقل المعارك لأراضي الخصم ـ أي اننا لكي نحقق الهدف المراد لابد من توسيع منطقة النزاع ـ حتي توضع بؤرة الارتكاز في مأمن من أي انتصار أو هزيمة ـ وبؤرة الارتكاز هنا فلسطين .. كل فلسطين. ان اسرائيل باحتلالها أراضي تزيد علي الحجم المطلوب استلابه فهي تعمل بقاعدة ميكافيللي الخاصة بتوسيع منطقة الارتكاز .. وتعمل أيضًا بمنطق القوة الغاشمة الذي يجعل الخصم يهرول مستسلما عبر امتلاكها أسلحة الدمار الشامل .. واعطتنا رغبة نفسية صادقة في الاستكانة للسلام .. وظهرت جمعيات ومنظمات في طول الوطن العربي وعرضه تدعو بشكل أو بآخر للاستسلام تحت دعاوي السلام والحق في الحياة مبررة قيام اسرائيل بقتل أطفالنا وتشريد شبابنا واغتصاب نسائنا ومصادرة بيوتنا بأنها مجرد حق الدفاع عن النفس..إن النصر الاسرائيلي الحثيث هو الذي وثق بنيانها علي النحو الذي نراه الآن..علي خلاف ماحدث مع الاتحاد السوفيتي المنهار.
ومن الضروري التأكيد علي أنه لا نصر علي اسرائل سوي باستخدام القوة المفرطة فسياستها تقوم علي الارض من أجل الأرض والسلام من أجل الأرض ودعونا نتذكر مقولة موشية ديان « شرم الشيخ بدون سلام خير لاسرائيل من سلام بدون شرم الشيخ 
«7»
«في الامارة الجديدة التي استولي عليها بقوات غيرنا وخطه» يقول مكيافيللي (إن اولئك الذين يرقون من أفراد عاديين ليصبحوا أمراء لمجرد الحظ، لا يعانون عناء كبيرًا في الصعود.. لكنهم يقاسون كثيرا في توطيد ولايتهم.. هم لا يقابلون في الطريق إلي الامارة أية عقبات لأنهم يطيرون فوقها) ويضيف (وهؤلاء يعتمدون اعتمادا مطلقاً علي حظ اولئك الذين يرفعونهم وارادتهم الخيرة) ويعلل (وهم غير قادرين علي المحافظة علي انفسهم لأنهم لا يملكون قوات صديقة وموالية لهم).
(وفضلا عن ذلك فإن الدول التي ترمي شباكها وقواعدها سريعاً لجميع الأشياء الأخري ذات البدايات والنمو السريع لا تستطيع أن تتجذر بعمق. هي تتشعب في أماكن رحبة حتي أن أول عاصفة تهب تدمرها) ويشرح نيقولا مكيافيللي أن الحظ قد يساعد في الوصول للسلطة والثبات لبعض الوقت، لكن الأمير لن يدوم في السلطة من غير عبقرية مفرطة تتملكه تجعله يحافظ علي ما ألقاه الحظ في حجره.. كما أن الحظ المفرط في التعاسة ـ علي حد تعبيره ـ قد يعوق اعمال اعظم الناس عبقرية. ويقصد مكيافيللي باعتماد الأمير علي الحظ.. أي اعتماد الأمير علي اسلحة غير اسلحته وجنود غير جنوده.. ويري أن هذا خطأ فادح.. ما لم يتدبر الأمير الأمر بعدما استعان بجيوش غيره بأن يتخلص منهم.. أو يكوّن جندًا موالين له .. ويستطرد مكيافيللي بسرد قصص بأن الأمير لكي يستجلب محبة الناس يولي عليهم قائدا فظا ولما يجأرون من بطشه يقوم بالقبض عليه ويقسمه بالسيف نصفين ويعلقه في الميدان.
وأشار في معرض حديثه لمثال دوق ميلانو وذكر أنه كيلا يعاديه وريث جديد لولايات الكنيسة قام باتخاذ أربعة اجراءات وقائية بأن قتل كل من يجري فيهم دم العائلة الحاكمة التي اغتصب ملكها.. وكسب جميع النبلاء في صفه لكبح جماح البابا ـ الذي يمنح الامارات ويمنعها ـ والسيطرة علي مجلس الكرادلة وحصل من البابا علي سلطات واسعة تمكنه من التحرك بتلك السلطات حتي بعد وفاة البابا.
ويطرح مكيافيللي عدة نقاط لكي يراعيها الأمير الذي يصل للحكم بالحظ أو بأسلحة غيره:
1 ـ تأمين نفسه ضد الاعداء.
2 ـ استعمال القوة أو الخديعة.
3 ـ ان يكون محبوبا ومهيبا للشعب.
4 ـ التخلص من كل مكامن الخطر.
5 ـ يقوم بتجديد كل ما هو قديم.
6 ـ يجمع بين القسوة والشفقة.
7 ـ نبيل الخصال.
8 ـ رحب التفكير.
9 ـ يبقي علي علاقة بين الملوك والأمراء تفرحهم اذا نفعوه ويخافونه اذا اضروه.
ويقرر مكيافيللي في نهاية الباب بأن المنفعة الحديثة لا يمكن أن تمحو أثر الاساءة القديمة من نفوس العظماء. ولعلنا في هذا الباب قصدنا الاطالة لمأثورات مكيافيللي نظراً لما تراءي لنا من أهمية تلك الملحوظات في عصرنا الحالي.. وما يمكن أن نلاحظه يوميا في حياتنا علي أي مستوي من مستويات السلطة.
إن نشأة الولايات المتحدة تؤكد مدي الصعوبات التي لاقاها الانجلوساكسون في عصر المستعمرات في أمريكا.. وخاصة ضد اللاتينية.. بين ثقافة الوافدين من بريطانيا وبين الوافدين من اجزاء أخري في أوروبا وخاصة اسبانيا وفرنسا التي كان يحلو دائما للانجلوساكسون اعتبارها حربًا من اجل الديمقراطية.
فتسني (أن يحرز البريطانيون انتصاراً لثلاثة اسباب رئيسية:ـ
أولاً: لأن سكان المستعمرات البريطانية وعددهم مليون ونصف المليون في عام 4571 كانوا كتلة سريعة التكاثر.. متماسكة متضامنة واسعة الموارد في حين أن فرنسا الجديدة أوتيت عدداً من السكان دون المائة ألف.
ثانياً: ولأن البريطانيين كانوا في وضع استراتيجي أفضل كما أنهم أوتوا اسطولا أفضل فكان بوسعهم أن يعززوا قواتهم ويمدوها بسرعة وقد اثبتوا أخيراً مقدرة الظفر بقادة أفضل فما لبثوا أن وجدوا تشاتهام زعيما سياسيا وفي وولف وامهيرست ولورد هاو قادة عسكريين لم يضارعهم الفرنسين.. وكانت الأعوام السبعون التي دامها النزاع وقد بلغ أوجه في سنة 3671 مليئة بالأحداث المثيرة. مع إغارات بشعة من الهنود علي مدن الحدود.. وكانت ابادة الفرنسيين والهنود لبرادوك وجيشه في سنة 5571 نكبة مهينة ولكنه بمقتضي معاهدة الصلح في سنة 3671 أخذت انجلترا كندا بأكملها من فرنسا وفلوريدا من اسبانيا التي كانت قد دخلت الحرب ضد الإمبراطورية البريطانية) (53) وخلال 07 عاما من الحرب الضروس والمطاردات بين البريطانيين وبين الفرنسيين والاسبان والهنود ليست بالقليلة ثبت دعائم الدولة الناشئة. انها حرب (لم تقتصر علي الشعوب.. بل شملت الافكار والثقافات كانت حربًا بين الاستبدادية والديمقراطية بين حكم مطلق يتسم بنظام صارم وبين الديمقراطية.. انها الحرب بين اللاتينية وبين الانجلوساكسونيين) (63).
إن البريطانيين في الولايات المتحدة في مرحلة قبل الثورة 5571 بعدما تسني لهم بشكل أو بآخر تأمين وجودهم ضد الفرنسيين والأسبان والهنود وبعدما حققوا انتصارات باهرة في ذلك عليهم عبر استخدام الحيلة تارة والقوة تارة أخري باحثين ايضاً عن شخصية قيادية فوجد تشاتهام سياسا وجون أأمز وصمويل ادمز والكسندر هاملتون وتوماس جيفرسون وبنجامين فرانكلين وجون ويكنيسون وغيرهم مرجعية فكرية وفلسفية ولم يكن امامهم بعد اكتسابه الانتصارات وايجاد الزعامات السابقة إلا الثورة علي الامبراطورية الأم التي يدينون جميعا لها بالفضل وكان معني ذلك رغبتهم في الخلاص من الديون الضخمة التي يدينون بها لبريطانيا والتي قدرها جيفرسون في مطلع الثورة بمليوني جنيه لولاية فرجينيا وحدها رغم أن حجم الأموال المتداولة في تلك الولايات لا تزيد عن واحد من ثلاثين أو عشرين في احسن الأحوال عن هذا المبلغ.
إن الفلسفة الأمريكية في عصر ارتأت الخلاص من العائق الأمبراطوري البريطاني بعدما انتهت من حروبها الاستعمارية ضد الفرنسيين والأسبان والهنود بالانتصار والغلبة واستغلت أوضاع الناس الاقتصادية كمفجر عوامل الثورة ضد التاج البريطاني رغم ان جون ادمز اعترف بأن نصف البريطانيين كانوا يتفادون حدوث طلاق سياسي مع الامبراطورية البريطانية الأم وان ثلث السكان يرفضون الانفصال تماما والآخر يؤيده والثلث الوسيط لم يكن مكترثا.
إلا أن دعاة الانفصال كانوا أكثر منعة وقوة (فجون لوك كتب في ثاني كتبه «رسالتان في الحكم» ما يحتوي علي بذور اعلان الاستقلال الأمريكي فقد كان لوك يري ان الوظيفة العليا للدولة هي حماية الحياة والحرية والثروة وهي الحماية التي لكل انسان الحق فيها وقد أكد لوك ان العلاج الحق للقوة بدون سلطة هو معارضتها بالقوة) (73)
لقد أرسي جون لوك مبدأ مهما في تأسيس امريكا وسياستها المستقبلية وليس في زمن الثورة فقط وهو أن القوة هي أعلي الأساليب لمواجهة القوة. حتي أنه لم سمع قعقعة البنادق في صباح ذات يوم صاح يقول «يا لهذا الصباح من صباح مجيد».
وتولي جورج واشنطن قيادة الانفصاليين عسكريا ولهذا فقد كانت سيرته مثالاً لشخصية الأمير.. فحينما لاحظ في جنوده أنهم لا يحترمون ضباطهم حينما يكتشف الواحد منهم أن جاره هو الضابط سعي واشنطن لاستصدار قرار من الكونجرس باطالة مدة التجنيد مع جلد المخالفين للأوامر خمسمائة جلدة وتحقق له ذلك 6771.. ولما وجد أنه بحاجة للأموال للانفاق علي الجيش استبعد فرض ضرائب ـ حتي لا يذكر الأمريكان بأنه سيفرض عليهم ما هو سبب رئيسي في ثورتهم ضد الامبراطورية البريطانية ـ واستبدل ذلك بطرح سندات لقرض كبير.
ورغم أن الامريكيين البريطانيين كان عدوهم الرئيسي الفرنسيين والاسبان فيما قبل الثورة إلا أنهم لم يجدوا بديلا من التحالف معهم «أو مع فلولهم علي تعبير ادق» في حربهم ضد الامبراطورية البريطانية ذلك عام 8771 بل انهم عقدوا اتفاقات امنية مشتركة.
غير ان الميزة التي توجت ميزات الأمريكيين هي القيادة.. فلقد أوتي الأمريكيون جورج واشنطن.. فمع أن الكونجرس اختاره دون دراية تذكر بقدراته فإنه اثبت أنه خير مرشد ومعين للقضية الوطنية.. وهو قد يتعرض للنقد علي نطاق عسكري محدود.. فما سبق له أن تولي جيشا يزيد علي فرقة واحدة من الفرق الحديثة.. فأخطأ في كثير من الخطوات وهزم مرة تلو مرة ومع ذلك فانه اصبح اذ تولي القيادة في سن الثالثة والاربعين روح الحرب.. كان هذا المزارع الفرجيني وضابط الحدود برتبة كولونيل هو الروح الهادية للحرب.. بسبب وطنيته التي لا تتذبذب.. وحكمته الهادئة وشجاعته المعنوية الرصينة ولأنه في احلك الساعات لم يفقد مهابته ولا اتزانه ولا قدرته علي البت ولأن نزاهته وترفعه وسمو تفكيره لم تتخل عنه لحظة ولا اهتزت صلابته وجلده. وكان يعرف كيف ينتظر الساعة المناسبة ليوجه ضربته حتي إن يقظته المتسمة بالصبر والأناة اكسبته لقب فابيوس.
وكان من الممكن أن يفقد اعصابه فيثور بضراوة إذا استثير فوق طاقته. كما تبين الخائن تشارلزلي في معركة مونماوث بيد أنه كان يتسم بوجه عام بسيطرة فولاذية علي نفسه بلغ من كمالها أنه عندما حملت إليه في سنوات لاحقة أنباء هزيمة واين الشنيعة علي أيدي الهنود وكان في مأدبة عشاء في قصر الرئاسة لم يكشف عن أية اختلاجة أمام ضيوفه ونظرا لأنه لم يكن يطمئن إلي شيء فقد قاد جنوده بشدة وقسا في عقاب المخالفين للنظام في الجيش بيد أن حبه لرجاله وعدالته معهم اكسباه الولاء التام منهم.. ولقد ذرف الكثيرون الدمع عندما بدأ خطابه في الجنود الذين لم يتقاضوا رواتبهم فأعلنوا التذمر في نيوبيرج بهذه الكلمات «أيها السادة.. اسمحوا لي بأن استعمل نظارتي.. لأنني لم أزدد شيبا فحسب بل اوشكت أن أصبح اعمي في خدمة ابناء وطني») (83)
إن ثمة تطابقا مثاليا بين خصائص الأمير المثالي التي حددها نيقولا مكيافيللي وبين مقومات شخصية جورج واشنطن واضع حجر اساس امريكا وما القاه الحظ في حجره من فرصة عظيمة وتاريخية لتأسيس أعظم حكومة.
ولعل من حسن الحظ ايضا ـ بجوار الموقع والزعامة ـ هو الدستور الأمريكي الذي تم اعداده ليخالف كل دساتير العالم القديم ويجسد الافكار الي افعال وحقائق.
وقد ساعد حسن الحظ للسير نحو هذا الدستور أن (مواد الاتحاد الكونفيدرالي الذي انتهجته الولايات قرابة نهاية الثورة كانت ناقصة الي حد كبير فلو أنها نصت علي اطار للحكم أفضل لكان من المحتمل ان يقنع الأمريكيون برتقها لاصلاح عيوبها ولكان من المحتمل ان تشقي البلاد عشرات كثيرة من السنين بدستور ضعيف) (وكان من حسن الطالع ايضا أن انهيار المواد صادف كسادا تجاريا في سنتي 5871 و6871 وما كان لغير أزمة ظاهرة أن يفضي بكثير من الأمريكيين المشككين لقبول حكومة مركزية جديدة قوية) (93).
وفي 6771 كانت الولايات الثلاث عشرة اصبحت من الاضراب والتنافر بحيث جعلت الناس يتحدثون عن قيام حرب بينها.. مما دفع الحاج الي وضع جهاز حكم حقيقي وقوي.
ولما شعر واشنطن بالحاجة الي دستور مكتوب دعا كافة الولايات لإرسال مندوبيهم ولهم حق تحديد عدد الوفود طبقا لرغبة كل ولاية وارسلت الولايات شخصيات تمثلها واذكر هنا أن فرانكلين قص في المؤتمر خرافة قديمة فحواها أن افعي ذات رأسين ماتت جوعا لأن الرأسين أبيا أن يتفقا علي أي فرعي الشجرة يمرا.
وحدث أنه بعدما تم وضع الدستور نشبت مشكلة وهي ماذا يحدث للولاية التي تخترقه؟! يستخدمون القوة؟! إذن هي حرب أهلية.. وقد اهتدوا إلي حل وهو تجاهل حكومات الولايات وتوجيه المصلحة نحو الشعوب.. وتم التصديق علي الدستور واختير جورج واشنطون بالاجماع رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية عام 9871.
وما كان للحكومة الجديدة غني عن قيادة واشنطن الحكيمة انه لم يكن واسع الخيال ولا أوتي روح المبادرة الذكية من الناحية السياسية بل كان كاتبا جامد الأسلوب وخطيبا غير مقنع ولم يكن علي إلمام يذكر بمبادئ الادارة بيد أنه كان يفرض علي سواه طاعته بلا ونوعا من التهيب.. كان طرازا يمثل الاتحاد كما لم يكن أحد سواه يملك أن يمثله فكان المسئولون في كل حزب وقطاع يثقون في انصافه وسعة رأيه وحججه ولوقاره الدائم كان البلاط الجمهوري في عهده يتسم بالطابع الرسمي الرصين.. فكان في الاستقبالات يدخل في زي من المخمل والحرير اللامع الأسودين.. ذي مشبكتين ماسيتين عند الركبتين وقبعته العسكرية تحت ابطه والي جانبه سيفه للزينة في غمد أخضر وكان في علاقته بالكونجرس أو الموظفين العموميين ينأي عن أي حزب أو فريق محاولة منه ألا يمثل سوي الرأي القومي وحده) (04)
.. إن ثمة عوامل مهمة انتجت جورج واشنطن لأمريكا.. وانتجت دستوراً قويا وفريدا.. وحروبا عديدة للاستقلال وأمة تشكل خليطا من مغامري أوربا لكن ما كان لكل ذلك أن يحدث لولا الحظ الطيب وحسن الطالع.
«8»
(فيمن وصل إلي الامارة بالجريمة) تحت هذا العنوان كتب نيقولا مكيافيللي (يصل الفرد إلي الامارة بوسائل إما خاصة خبيثة وشريرة أو حينما يصبح مواطنا عاديا أمير بلده بموافقة اقرانه المواطنين).
ويقول إنه هناك فرقا بين «القدرة» وبين «الجريمة» (فلا يمكننا أن ندخل في باب القدرة ذبح أقران المرء من المواطنين.. أو الغدر بالأصدقاء أو عدم الوفاء أو التجرد من الشفقة والتدين) وذلك في معرض حديثه من أجانوكليس الصقلي الذي وصل إلي الامارة وهو ابن صانع فخار عبر استخدام الجريمة والذبح.. ويضيف إن الجريمة قد توصل للسلطة لكنها لا تكسب صاحبها مجدا..
ويؤكد أن الشدة الصالحة ـ لو أمكن استبدال الشر خيرا ـ لا يجب ان تستعمل سوي مرة واحدة لتأمين مصير الأمير.. كما لا يجب استخدام الشدة في تلك الحالات التي سوف تتلاشي مع الزمن تلقائيا.
ويشير إلي أن الفاتح الذي يستولي علي ولاية جديدة عليه أن يهيئ الأمر لكي يقترف ضروب قسوته مرة واحدة حتي لا يضطر إلي أن يمارسها كل يوم) ويعلل ذلك بأنه (سيضطر دائما أن يقف والخنجر في يده ولا يستطيع ان يركن الي رعاياه بتاتا لأنهم لا يستطيعون أن يطمئنوا إليه بسبب أذاه الذي يتجدد لأن الاساءة يجب أن تكون جميعها دفعة واحدة حتي أنه كلما قل حدوثها قل ضررها).
في البداية ليس أبلغ من قول جون كيندي رئيس الولايات المتحدة حول مستقبل أمريكا (اننا نواجه أزمة خلقية لا سبيل للتصدي لها بعمل بوليسي.. ولا سبيل لمعالجتها بالمظاهرات المتزايدة في الشوارع ولا سبيل لتهدئتها بخطوات رمزية أو بالكلام) (14)
والهدف من ابراز هذه المقولة لكيندي ايضاح أن السياسة اعتمدت علي الجريمة أيضا.. رغم ما تحاول الادارة الأمريكية اكسابه لسياستها الداخلية والخارجية من مبررات تحت دعاوي الحق والخير والفضيلة.
(في النصف الثاني من القرن العشرين بدأت سلسلة طويلة من الأخطاء في تقرير الحسابات والتذبذب والهفوات تدفع مسار السياسة الخارجية الأمريكية ناحية الخزي داخل الوطن وخارجه فهناك التدخل الأهوج في جواتيمالا وجمهورية الدومنيكان وكوبا ثم تدخل المخابرات الأمريكية في الشئون الداخلية لعديد من أمم الأرض واستخدام المساعدات الخارجية من أجل أغراض سياسية والعداء لجمهورية الصين الشعبية ثم الإصرار العنيد لمدة تزيد علي العشرين عامًا علي أن الصين الحقيقية هي تايوان وإيفار حدة الحرب الباردة مع روسيا.. ثم القضية التي فاقت كل القضايا وهي حرب السنوات العشر المأساوية البشعة علي فيتنام وكمبوديا.. ومع نهاية السبعينيات قرر بعض دارسي السياسة الأمريكية بتفهم كامل أن السياسة الخارجية الأمريكية كانت بمثابة المجزر وأنها فقدت الاحترام في الداخل والخارج.
أي أن أمريكا في سبيل تأمين مصالحها الخارجية وسيادتها العالمية فعلت ما يفعله الأمير الذي يصعد للحكم بالجريمة.. ولا أدل علي الجريمة التي ارتكبتها الولايات المتحدة والتي لم يسبقها إليها حتي التتار.. من إلقائها القنبلتين النوويتين علي هيروشيما ونجازاكي في اليابان لحسم الحرب العالمية الثانية لصالحها عام 5491.
وكذلك استخدامها استراتيجية الأرض المحترقة ـ وهي استراتيجية عسكرية مجرمة دوليًا ـ في فيتنام وكمبوديا والعراق وأفغانستان في عام 1002.
وتعتمد تلك النظرية علي إلقاء قنابل عالية الحرارة علي مساحة محددة من الأرض بحيث تحرقها بشكل شامل فينتج عن ذلك مصرع المدنيين والعسكريين وحتي الحيوانات بل إنها تقضي علي كل مظاهر البيئة وهو الأمر الذي تورع عن استخدامه التتار إبان حروبهم في العالم الإسلامي ولم يستهدفوا سوي العسكريين ومن يعلن المقاومة فقط.
إن الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعي احترام حقوق الإنسان هي أكبر من ينتهكه وهي التي تدعي الديمقراطية في حين أنها أكبر دولة تحمي الديكتاتوريات وهو الأمر الواضح في دعمها لجميع الديكتاتوريات العربية وخاصة النظم الملكية.. وهي التي تدعم حكومة برويز مشرف في باكستان والذي لاقي معارضة حاسمة وشديدة إبان الحرب الأمريكية ضد حركة طالبان الحاكمة في أفغانستان عام 1002 وكذا حكومة سوهارتو في إندونيسيا والذي أطيح به، ومن بعده رعايتها لحكومة ميجاواتي التي قمعت بشكل حاسم مظاهرات الشعب ضد الحرب علي أفغانستان وكذلك عشرات الحكومات من أفريقيا وأمريكا اللاتينية.
أما ثورة إيران فقد قامت كرد فعل للسياسة الأمريكية.. فقد جاءت مفاجأة للجميع.. فالولايات المتحدة كانت المعين الحقيقي لاسترداد الشاه لعرشه في 3591 ومنذ ذلك الحين ظلت هي أخلص معاون للشاه.. فاعتمدت علي بترول إيران واعتبرت أن السعودية وإيران هما المعادل للنفوذ السوفيتي في الشرق الأوسط ولذلك كان من الضروري التغاضي عن الاستبداد والتعذيب اللذين تميز بهما حكم الشاه.
والمتتبع للتاريخ يكتشف أن بريطانيا هي التي حرضت الشيخ مبارك الصباح عام 9981 ليقتل شقيقيه محمد وجراح وذلك ليتاح له توقيع اتفاقية حماية معها ضد العراق.
وهنا دعونا نتذكر الحوار الذي أجراه الدكتور فيصل القاسم في برنامجه الأشهر «الاتجاه المعاكس» بقناة الجزيرة بين صحفي مصري وآخر كويتي حيث قال الصحفي الكويتي والذي يشارك في إدارة جريدة الرأي العام الكويتية «طظ في العرب وطظ في القومية العربية وطظ في كل الدول العربية بلا استثناء وتحيا أمريكا وبريطانيا وتاتشر أهم لدينا من فاطمة وبوش الأب أهم لنا من محمد» استغفر الله.
وعودة إلي أمريكا التي استخدمت «الجريمة» في العراق حتي يتسني لها احتلالها في 9 أبريل 3002 وأقول «الجريمة» وليست «القدرة» وذلك لأن عشرين يوما من القصف المتواصل الوحشي بكل أسلحة القتل لم توقع الهزيمة بالعراق بل إن الجيش العراقي كبد الغزاة خسائر فادحة أذهلت العالم الذي كان يراقب الأمر باندهاش شديد.. ولكن ما أوقع الهزيمة بالعراق هو استخدام أسلوب «الجريمة» بالمعني الذي أشار إليه مكيافيللي حيث قامت الولايات المتحدة برشوة بعض قادة الجيش العراقي علي حد ما أعلنه تومي فرانكس قائد قوات الغزو.
وارتكبت الجريمة أيضا في رشوتها العلنية لدول الجوار خاصة «تركيا» ودول متعددة في العالم العربي والعالم كله.
كما ارتكبت الولايات المتحدة الجريمة في تلفيق معلومات مزيفة تضخم من الخطر العراقي ومحاولته شراء يورانيوم من النيجر.. حيث شرح جوزيف ويلسون سفير واشنطن في الجابون منذ عام 29 ـ 5991 والمكلف بالتحقيق من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بشأن سعي العراق شراء يورانيوم من النيجر عام 2002 بأنه تحقق من كذب الاتهام ورفع به تقريرًا إلا أن إدارة بوش أعادت تكرار الاتهام الذي ثبت كذبه لتتخذ منه ذريعة لضرب العراق واحتلاله.
ولم تتوقف سلسلة الفضائح عند ما قاله ويلسون علي صحفات «نيويورك تايمز» بل امتدت ليكتشف العالم أن الأساس الذي ادعت الولايات المتحدة إقدامها بسببه علي ضرب العراق وقتل شعبه هو أساس هاوٍ ملفق عن عمد.
إن ما أقدمت عليه الولايات المتحدة في العراق هو نزع للشفقة التي قصدها مكيافيللي والتحلل من الوفاء والدين.
ونذكر أن الجريمة لم تقتصر علي استخدامها في العراق المحتل ولكن سبق أن ارتكبت الولايات المتحدة الأمريكية جرائم أخري أهمها قتل مئات الألوف من اليابانيين وما حدث في فيتنام وخطف رئيس بنما وقتل الأسري في أفغانستان والعراق والمتاجرة في أعضائهم البشرية.
ولكن مكيافيللي يقول: إن الجريمة قد تحقق لصاحبها النصر ولكن لا تكسبه مجدًا.. وهو ما ينطبق علي الولايات المتحدة التي استخدمت الجريمة في معركتها ضد أعدائها ـ أو كما تصنفهم ـ فانتصرت عليهم ولكنها لم تحقق وراء ذلك المجد.. ذلك المجد الذي يجعلنا مأسورين بعبقرية أمريكا وحضارتها.
والمدهش أن نري كما شاهد العالم الجندي الأمريكي يعطي الطفل العراقي قطعة من البسكويت في مشهد صناعي عجيب.. وكأن هذا الطفل الذي قتل الأمريكيون جميع أهله سوف ينسي ذلك ويتذكر قطعة البسكويت.
لقد اعتمدت الحملة الأمريكية علي النظرية الخاصة بأن يستعمل الأمير قوته الشديدة مرة واحدة ليحقق ما يريد وعقب ذلك يبدي جانبًا من الرحمة!!
ويأتي في نفس السياق ما تردده الولايات المتحدة بعدما حاربت العراق ودمرته تدميرًا شديدًا بأنها قادمة لنقل المدنية إليه!!
أي أنها أبدت أولا يدها الحديدية حتي استقر لها الأمر وبعد ذلك قدمت يدها الأخري المصنوعة من الحرير!!
ولكن هل تفيد الجريمة؟!
لا.. الجريمة لا تفيد.. هذه قاعدة اجتماعية ثابتة. فمن كثرة ما اقترفت أمريكا من جرائم في حق هذا الكون كان لزامًا عليها ألا يغمض لها جفن وأن تنام ـ إن نامت ـ والخنجر في يدها.
فالأذي الأمريكي للعالم ليس دفعة واحدة بل إنه متكرر ففي كل عقد من عقود الزمان يصحو العالم علي جريمة أمريكية شنيعة بدا من جرائمها في حق الهنود الحمر حتي جرائمها في العراق وما تلاها.
وهو الأمر الذي يفسر سبب توجس أمريكا للعالم وتوجس العالم لها.. حتي صار الهاجس الأمريكي الأول هو الأمن.
لقد أخطأت الولايات المتحدة النصيحة المكيافيللية القائلة: بأن تستخدم القوة دفعة واحدة.. لأنها كلما طبقت هذا الأسلوب باعتباره الجرم الأخير تفتحت شهيتها علي مطالب أخري فتقوم بارتكاب جرائم أخري وهكذا بلا نهاية وخاصة بسبب زهوها ـ الذي أثر علي ضميرها وعقلها ـ بقوتها كوسيلة جديدة ومضمونة للوصول للغايات.
الجميع يدرك كم تعاني أمريكا أمنيًا في الداخل والخارج.. وكم يستلزم التيقظ الأمني من جهد ومصروفات وأرواح!!
إن تجاهل الولايات المتحدة للقاعدة الخاصة بعدم الإسراف في استخدام القوة ربما هو الآن سبب الذعر الأمريكي.
وربما تجاهلت الولايات المتحدة هذا الجانب نظرًا لإيمانها الشديد بقوتها من جانب ولتقليلها من شأن الأعداء من جانب آخر.
كما أن العالم من أقصاه إلي أقصاه ما عاد يطمئن إلي تصرفات الولايات المتحدة، وحالة عدم الاطمئنان تلك هي درجة من درجات الصراع، والصراع هو درجة من درجات العدوان.
«9»
«في الإمارات المدنية» تحت هذا العنوان كتب: «وبلوغ هذه الولاية لا يتوقف بتاتًا علي الجدارة أو الحظ ولكنه يعتمد بالأحري علي المكر يعينه الحظ لأن الأمير يبلغها برغبة الشعب أو بإرادة الطبقة الارستقراطية» ويشير إلي أن في كل مدينة توجد هاتان الإرادتان المتعارضان لأن الشعب يخشي اعتساف طبقة الارستقراط.. وهذا التعارض بين الإرادتين إما يخلق حكمًا «مطلقًا أو حرًا أو فوضي».. والحكم المطلق يخلقه الشعب حينما يريد مقاومة اعتساف الارستقراط فيقوم بخلق أمير يحتمون به والارستقراط أيضا يخلقون الحكم المطلق لأنهم يخشون سيطرة الشعب فيتحدون ويضعون أميرًا منهم مطلق الحكم.. ويشير مكيافيللي إلي أن الأمير الذي يضعه الشعب له فرصة أفضل من ذلك الذي يضعه الارستقراط لأنهم أصلا يعتبرون أنفسهم اندادًا له علي عكس من يجعله الشعب أميرًا فيجد التفرد بينهم والولاء.. كما أن تطبيقه للعدل سيرضي الشعب ولكنه لن يرضي النبلاء.
مع ملاحظة أن الأمير لو عادي الشعب فسوف يتخلون عنه أما لو عادي نبلاء فإنهم سيحملون ضده السلاح مع ملاحظة أنهم أكثر مكرًا من الشعب.
وعن أسلوب تعامل الأمير مع النبلاء يقول مكيافيللي: إن هناك أسلوبين مختلفين:
1ـ إما أن يحكموا حكمًا يجعلهم يعتمدون علي خط الأمير وهؤلاء لا يعرفون الجشع ويجب علي الأمير أن يكرمهم ويحبهم.
2ـ وإما ـ وهو الأسلوب الثاني ـ لمن يقفون بعيدًا عن الأمير وذلك إما لجبن فيهم وهؤلاء يجب تقريبهم والاستفادة من رأيهم فهم يشرفون في السراء وغير مخيفين في الضراء.. وإما أنهم يحجمون لغرض في نفوسهم أو لأنهم طموحون وهذا دليل علي حبهم لأنفسهم وسوف يتآمرون عليه وقت الشدة وعليه الاحتراس منهم.
والحكم المطلق يضعه عادة النبلاء والحكم الحر يضعه عادة الشعب وإن كان يمكن أن يتحول الأمير الذي اختاره الشعب إلي حاكم وهذا أمر خطير جدًا لأنه سيلجأ للحكم عبر ولاة سوف يزداد نفوذهم وقد يفقد السيطرة عليهم وقت الطوارئ ومع ذلك لن يقف الشعب معه بل ربما سيتبع الولاة الذين يصدرون له الأوامر ويخشاهم أكثر منه.
ويقرر مكيافيللي قاعدتين مهمتين: الأولي: أن الارتكان إلي الشعب خير حماية لوجود الأمير. والثانية: أن علي الأمير أن يجد كل الوسائل التي تجعل الشعب في حاجة إليه دائمًا وحتي نكون محايدين في التطبيق فإن الحكم الذي اتبع في الولايات المتحدة ومنذ نشأتها هو ذلك الحكم الذي ينتمي إلي الحكم الحر.. الحكم الذي يختاره الشعب والأمير الذي يختاره الشعب.
والمثال واضح في نموذج جورج واشنطن المؤسس والذي تم اختياره بناء علي رغبة الشعب فبدلا من أن كان ضابطا علي الحدود نجده ترقي ليصبح زعيما للولايات المتحدة الأمريكية كلها يعينه في ذلك مكره والحظ الطيب.
وكذلك أندرو جاكسون الذي ولد في فقر مدقع.. وكان والده بائع تيك فقيرًا وقاطع أشجار حتي أنه لما مات لم تجد الأسرة مالا لوضع شاهد حجري علي قبره.. وكان أندرو جاكسون ـ زعيم ديمقراطية أمريكا ـ مصابًا بصرع نتيجة ما أصابه من مواقف.. ولكنه ـ وهو المحامي ـ عمل في تجارة العبيد والخيول وباع أرضه ليسدد ديونه الباهظة.
وكان جاكسون ـ الذي أسس الحزب الديمقراطي ـ يعتمد في الأساس علي أصوات الناخبين المرتبطين بالزراعة والرواد الأوائل وأصحاب الحوانيت وقد عمل علي إلغاء القيود الموضوعة بشأن الحقوق الانتخابية وهو ما عارضه بشدة الجمهوريون المحافظون.. كذلك دعا جاكسون إلي تعيين الرئيس طبقًا لسلطة شعبية وليس لمؤتمر أعضاء الكونجرس 6381.
لقد اتبع حكام الولايات المتحدة أساليب عدة وتفاصيل مفرطة عبر تأمين مدنية الدولة وإن كان الاقتصاد هو العامل المميز لكل منهم.. وإن كانت تلك الأساليب هي التي يرجع لها الفضل في اجتياز محناتهم والعبور بهم في المشكلات الرهيبة.
والواقع أن النموذج الذي طرحه مكيافيللي عن الحاكم الذي يصفه الشعب هو النموذج المعتمد في الولايات المتحدة ولكن لأننا استبدلنا كلمة «أمير» بكلمة «حاكم» فإننا يمكننا أن نستبدل كلمة «نبيل» بكلمة «مراكز اقتصادية مؤثرة» وعندئذ يتضح لنا بسهولة أن التطوير الذي أحدثته الولايات المتحدة هو خلق نموذج أشار إليه مكيافيللي وهو الأمير الذي يصنعه الشعب بمباركة من النبلاء ولولا رضاهم عن الأمير لأمكنهم منعه من الوصول للحكم.
حيث لم يجد خافيا علي أحد أن دعم «المراكز الاقتصادية المؤثرة» لبوش أو أي حاكم أمريكي هي أهم أسباب نجاحه.
حيث تقوم تلك المراكز الاقتصادية مثل الشركات الكبري باتباع أسلوب الثواب والعقاب الاقتصادي لمن يخالف توجهاتها السياسية الخارجية وبالتالي التأثير علي قرار الناخبين.
كما أن هناك شكلا جديدًا من الاحتكار تشهده الولايات المتحدة في مسألة اختيار الرئيس.
وذلك أن الدستور الأمريكي ـ كغيره من دساتير العالم المتقدم أعطي الحرية لأي مواطن أن يرشح اسمه لمنصب الرئيس فإن هناك عقبات جمة تحول دون ذلك لتقصرها علي أصحاب المراكز الاقتصادية.
أهم تلك العقبات نحصرها في الدعاية والرشاوي فلا يمكن أن يرشح مواطن نفسه للرئاسة وهو لا يمتلك ما يدفعه للصحف والفضائيات لنشر برامجه.. بل كيف يستطيع طبع برامجه وعمل اللوحات الإعلانية وهو الأمر الذي يتكلف مئات الملايين من الدولارات خاصة مع اتساع رقعة أمريكا الأفقية والرأسية أيضًا.
سيكون من البديهي أن ينتحي الفقراء جانبًا ليتصدر القائمة من يمتلك أكثر.. خاصة أن منافسيه يمتلكون أكثر.
أما العامل الثاني فهو الرشاوي وهي الخاصة بتقديم رشاوي سياسية واجتماعية واقتصادية للتجمعات الاقتصادية والفكرية وبدون تلك الرشاوي لا يمكن أن يحصل علي أصواتها.. وخاصة أن الولايات المتحدة هي عبارة عن مجموعات ضخمة من انتماءات متعددة.
فهل يستطيع المواطن العادي تقديم رشوة سياسية مثلا وهو لا يمتلك من يتبعونه؟
الواقع أيضًا أن الولايات المتحدة هي نظريًا حكم حر ولكن عمليًا هي حكم مطلق خاضع لإرادة الرئيس ومراكز رأس المال.
وربما هذا النموذج من الحكم هو الذي أعطي الولايات المتحدة المتعة والقوة التي يعرفها العالم كله الآن.. وربما نفس النموذج هو الذي عمل علي حمايتها من تأثير مساوئ الحكم المطلق الذي يستبد فيه الأمير برأيه دون مشورة أحد.. وحماها أيضا من تأثير مساوئ معاداة النبلاء الذين قد يستعدون اتباعهم عليه
وإذا كان نيقولا مكيافيللى ينصح الأمير العاقل بأن ( يبحث عن وسائل يكون رعاياه بها فى حاجة الى حكومته دائما وفى كل ظرف ممكن وحينئذ سكونون أوفياء له على الدوام)
فإن المفكر الفرنسى (إيمانويل تود ) تسائل فى كتابه ( ما بعد الأمبراطورية ) قائلا : أليست أمريكا مرتاحة لتزايد كره الشعوب العربية للغرب ؟! ألا يناسب مصالحها ذلك ؟
وبعد التساؤل يستطرد الكاتب فى ائلته التقريرية واجاباته ليؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية تشعل الصراعات والحروب لكى تطيل أمدها هنا أو هناك بقدر ما تستطيع .
ويضيف أن صراع أمريكا ضد الارهاب جعلتها تبرر اعلان حرب كونية ودائمة عليه وعلى جميع دول العالم أن تخضع لقيادتها وخططها الاستراتيجيه
«10»
(كيف يجب قياس قوة كافة الامارات؟) تحت هذا العنوان كتب مكيافيللى (أعتبر الذين فى حاجة الى غيرهم دائما هم اولئك الذين لا يقدرون أن ينزلوا أعدائهم فى الميدان ولكنهم يضطرون الى الانسحاب داخل مدنهم ويدافعون ) و ( ليس ثمة قول سوى أن تستنهض هذا ألامير لتحصن مدينته تحصينا منيعا ويهاجم باحجام شديد وذلك لأن الناس يعافون دائما المشروعات التى تنبئهم بمصاعبها ولا يمكن أبدا أن تبدو مهاجمة أمير له مدينة منيعة ولا يناوئه شعبه أمرا هنيا )
وعن المصاعب التى يواجهها الأمير الذى يحاصر الأعداء امارته ويخشى تغير ولاء رعيته نتيجة طول الحصار ينصحة مكيافيللى بأن ( يفعم القلوب بأمل الخلاص القريب وأن يثير فيهم الخوف من قسوة العدو وأن يستوثق بحذق من اولئك الذين يبدون له أصحاب جرأة مفرطة ) وذلك لأن ( من طبيعة الانسان أن النعمة التى ينعم بها على غيره تربطه به شأن تلك التى يأخذها منه ).
والحقيقة أن الولايات المتحدة الامريكية برعت دائما فى تحصين نفسها والتهويل من شأن هذا التحصين والمنعة من جانب وبرعت أيضا فى اضعاف اعدائها والتقليل من شأنهم .. وذلك لادراكها أنها بحاجة دائمة الى الدعم الدولى فى حروبها مع الأعداء ..مما يفسر لج}ها دائما الى كسب تأييد منظمة الأمم المتحدة فى حروبها.
والولايات المتحدة الامريكية تدرك تمام الادراك أنها ليست قادرة على منازلة اعدائها فى الميدان وجها لوجه وأنها لابد أن تتحصن خلف تقنيتها المتطورة – كبديل للمدن – فى كافة حروبها الخارجية بما يسمح لها بالتفوق والنجاة من الانكسارات.
( إن أمريكا تتبع استراتيجية مجنونة مبيته فهى تريد أن تخيف خصومها المحتملين وتردعهم قبل أن يفكروا مهاجمتها ثم تنخرط فى حرب النجوم أى فى تشكيل دروع فضائية أو سماوية تحميها من أى هجوم محتمل واذا تم هذا المشروع فإنه سيمكنها من الهيمنة على العالم عن طريق الرعب والارهاب أن أمريكا تهدف من وراء كطل ذلك الى التخويف وتجييش العالم كله وراءها وبالتالى السيطرة على العالم هذا هو هدف أمريكا , السيطرة على العالم اذا خوفته باستمرار من خطر يتهدده) (42)
واذا كان الزعيم الصينى ماوتسى تونج قد وصف القوة الأمريكية بأنها مجرد (نمر من ورق ) فإن إيمانويل تود-المفكر الفرنسى قد وصفها بأنها ( أصبحت عالة على العالم ولا يمكن أن تحافظ على مستوى معيشة مواطنيها إلا إذا نهبت العالم وأخذت منه الثروات الاقتصادية وانها – أمريكا – تحاول أن تخفى هذا الوضع الجديد أو تغطى عليه عن طريق القيام بحملات عسكرية فى الخارج ضد دول ضعيفة كما هو الحال فى أفغانستان والعراق ولكن اذا تفحصنا وضع القوى السكانية والثقافية والصناعية والمصرفية والايديولوجية والعسكرية الموجودة فى العالم حاليا لوجدنا أن أمريكا ليست معصومة من الوهن والضعف كما يزعم البعض فأمريكا أكثر هشاشة مما نظن ) (43).
و الولايات المتحدة الامريكية دائما ما قللت من قوة اعدائها ( الوهميين ) وكثيرا ما تمسكت بأهداب القول أن الخلاص منهم هو انتصار للعدالة وأنه قريب جدا لأن النصر عليهم هو قدر إلهى.
فبعد مرور ستة أشهر على أحداث 11سبتمبر وقف بوش الابن أمام حفل كبير يضم 1300 شخصية عامة أمريكية وعالمية وخطب فيهم ( أن حربه عادلة وأن الاعداء هم الذين ابتدأوا بالضرب وسوف يعاقبهم ويلاحقهم فى كل مكان ) وأضاف ( أنى أرى عالما من السلام والوئام سوف ينهض بعد القضاء على الارهاب فليبارك الله إذن تحالفنا ) , متناسيا المنطق الالهى الذى عبر عنه الصينى الزعيم ماوتسى تونج ( إن الأمم المضطهدة والطبقات المضطهدة وحدها هى التى تخوض غمار حروب عادلة )(44).
ودعونا نتسائل ما هى العدالة التى تحدث عنها بوش فى الحرب ضد العراق ؟ وكيف حاول تصوير الأمر عن أن العراق وهو بلد صغير وفقير وضعيف اعتدى على أمريكا زعيمة العالم؟
كيف شبه الأمر على أن حربه ضد هذه الشعوب الصغيرة هى حرب الحق والخير ضد الشر ؟ وكيف يتسنى لانثى النعامة أن تفرض ظلمها على الأسد ؟ إنه المنطق المعكوس وتزييف الحقائق ؟
يقول الفيلسوف الأمريكى نعوم تشومسكى فى كتابه ( محادثات ومقابلات ما بعد 11سبتمبر) ( إننا لا يمكن أن نوقف ارهاب الضعيفضد القوى إلا إذا أوقفنا ارهاب القوى .. انهم يعتقدون أن الأرهاب يجىْ من جهة واحدة إنه يجىء من الجهتين بل إن ارهاب القوى ( امريكا والغرب ) أشد خطورة بسبب الامكانيات الضخمة التى يمتلكها وان الجديد فى أحداث 11 سبتمبر أنه لأول مرة يتجرأ الضعيف على ضرب القوى فى عقر داره , ففى السابق كان يضربه فى الهوامش وفى مناطق أخرى تزعجه ولكن لا تجرحه أبدا) ويضيف فى مكان أخر ( لقد مارست الولايات المتحدة الارهاب على أوسع نطاق ثم لا تتفق على محاسبة الاخرين عليه فنجدها فى عام 1985 أرسلت سيارة شحن محملة بالمتفجرات ووضعتها على مقربة أحد المساجد فى ضاحية بيروت الجنوبية وكانت لتقتل أكبر عدد من المصلين المدنيين وبالفعل كانت الحصيلة 80 شخصا و250 جريحا ولكن الشخص المستهدف من العملية نجا وهو الشيخ حسين فضل الله , أليس هذا عملا ارهابيا ؟ أليس قتلا للمدنيين بالصدفة كما يحدث فى أى عمل ارهابى ؟ لماذا ندين الأخرين ولا ندين ارهاب أمريكا؟) (45)
وعودة الى ما قاله جيمس ووسلى المدير السابق للc.i.a. والمستشار البارز لجورج بوش كأحد أبرز صقور الحرب ضد العراق فى مقاله بصحيفة لوس انجلوس تايمز ( ابريل 2203) ما يلى ( إن الحرب الأخيرة ليست حربا منا ضدهم فهى ليست حربا بين دول ولكنها حرب الحرية ضد الطغيان)
بينما يقول ريتشارد هاس عضو المجلس القومى الأمريكى فى بحث له بعنوان ( امريكا الأمبراطورية ) – لحظ لفظ الامبراطورية الذى تحدثنا عنه فى فصل سابق – حيث يقول ( كى تنجح الولايات المتحدة الامريكية فى هدفها بتحقيق السيطرة العالمية سيكون من الضرورى على الأمريكيين اعادة التفكير فى سياق قوة امبراطورية إن دور الولايات المتحدة يشبه دور بريطانيا العظمى فى القرن 19 وهو القمع واستخدام القوة وسيكونان الملاذ الأخير , إن ما يقوله بول كينيدى حول أن الأمبراطورية الأمريكية تسير فى طريق الانحدار بسبب التمدد الاستراتيجى الزائد , هو قول غير صحيح , بل هو تمدد ناقص , إن الاحتلال الهادف الى بناء الأمة بغرض الحاق الهزيمة الكاملة بكل معارضة محلية وتجريدها من السلاح واقامة سلطة سياسية تتمتع وحدها بالاحتكار الكاملة لشرعية استخدام القوة وهذا قد يتطلب احتلال ذا ابعاد امبراطورية لأمد غير منظور)
بينما يقول مايكل اجناتييف استاذ حقوق الانسان بجامعة هارفارد فى مقال كتبه فى نيويورك ماجزين يناير 2003 أن ( الامبراطورية الامريكية لا تشبه الامبراطوريات الاخرى , انها امبراطورية القرن 21 إنها هيمنة عالمية تستند الى الأسواق الحرة وحقوق الانسان والديمقراطية بحراسة قوة عسكرية مرعبة لم يعرف العالم لها مثيل ).
بينما عبرت الكاتبة ناعومى كلاين فى الجاردين ابريل 2003 أن ( العراق الحر .. سيكون أكبر بلد تم بيعه فى التاريخ على سطح الارض ) واضافت ( أن بوش يتبع اسلوب جديد فى تحرير التجارة وهو (اقصف قبل أن تشترى )).
(11)
( فى الامارة الكنسية ) تحت هذا العنوان هذا العنوان تحدث مكيافيللى عن الامارات الكنسية فى عهده واصفا امرائها بأنهم هم ألوحداء الذين يملكون امارات دون أن يدافعوا عنها ولهم رعايا من غير أن يحكموهم واماراتهم لا تؤحذ منهم مع انها غير محمية وراعايا لا يتبرمون منها مع انهم غير محكومين.
ورغم أن هذ الباب من كتاب مكيافيللى لا يعنينا فى بحثنا الا أننا نذكر له ما برر به الصراع بين الأروزونى والكولونا وهم البارونات الرومان دون حسم هو أن حياة البابوات قصيرة وفى المتوسط عشرة سنوات وهى فترة غير كافية لكبح جماح طرف على آخر حيث أن البابا يناصر أحد الطرفين ثم يموت ويأتى بابا آخر فيناصر الطرف الثانى والنتيجة فى كل هى استمرار الصراع.
ونحب أن نذكر هنا أن النظام الرئاسى الأمريكى ومدته هى السبب فى تقلب الأمزجة فتارة تناصر العراق وتارة تحاربها وتحتلها.
(12)
تحت عنوان ( فى ألانواع المختلفة للجندية وفى الجنود المأجورين ) كتب مكيافيللى ( إن الدعائم الأولى لجميع الولايات سواء جديدة أو قديمة أو مختلطة هى القوانين الصالحة والأسلحة الصالحة ) وأضاف ( إن الاسلحة التى يدافع بها أمير عن ممتلكاته إما أن تكون خاصة أو أسلحة مأجورة أو حليفة أو أسلحة مختلطة والأسلحة المأجورة والحليفة خطرة ولا فائدة لها فلو أقام أحد الامراء ولاياته على الأسلحة المأجورة لن يقف راسخا واثقا لأنها أسلحة مفككة ذات مطامع وبلا نظام عسكرى ولا عهد لها وذات جسارة بين الأصدقاء وجبانة أمام الأعداء , والأسلحة المأجورة تسلبك فى السلم والعدو يسلبك فى الحرب , وذلك لأنها لا يدفعها للدفاع عنك حب سوى الأجر الزهيد , وهذا الأجر لا يجعلهم مستعدون للموت دفاعا عنك فى الميدان , هم يرغبون أن يكونوا جندك طالما لا تقوم بحرب وحيث كانت الحرب فإما أن يفروا أو يتكاسلوا) وأضاف ( اننا لا نحرز من الملك إلا قليلا تافها بالقوات المأجورة فى زمن طويل)
فى هذا الباب سوف نعالج الأمر على مرحلتين الأولى خاصة برفض الولايات المتحدة الاستعانة بشكل اساسى بقوات حليفة فى حروبها الخارجية ما لم يكن فقط لمجرد اشاعة احساس خاطىء بأن حروبها الخارجية حروب دولية .
والثانى خاص بأنها تسيطر على الشعوب الأخرى عبر تأجير جيشها لخدمة الدفاع عن حكام هذه البلدان كما حدث فى حرب الخليج الثانية 1991 وما تلاها.
وعن الحالة الأولى فاذا ككنا نعرف كيف سيطر اليهود على الحياة السياسية الأمريكية وكيف اقترنت الارادة الأمريكية بالارادة الصهيونية , رغم كل ما يقال عن أن أمريكا والصهيونية وجهان لعملة واحدة إلا إننا باستعراض التحذير الذى أطلقه المؤسس الأول والحقيقى للولايات المتحدة الأمريكية فى خطبة حاشدة له وجهها للشعب الامريكى عام 1779 حيث قال بنجامين فرانكلين ( انتبهوا جيدا للفكر اليهودى فاذا استمروا على هذا النحو فسوف يقودون الشعب الأمريكى من خلف مقاعدهم )
ومن الواضح أن فرانكلين كان يعمل بالنصيحة المكيافللية الخاصة بعدم الاستعانة بالأخرين رغم مسيس حاجة الولايات المتحدة فى هذا الوقت لكسب الانصار والحلفاء للحصول على الاستقلال وتثبيته والتأمين ضد الأعداء الأخرين مثل الهنود الحمر الذين لم تكن بعد قد كسرت شوكتهم أو ضد الفرنسيين فى الجنوب والشمال وكذا الاسبان وكذلك رغم ما هو معروف من دعم اليهود لاستقلال أمريكا التى وصفوها حينئذ بأرض الميعاد.
وحتى فى العصر الحديث , فرغم أن الولايات المتحدة سعت لكسب حلفاء خارجيين فى حربها ضد العراق , إلا أن هذا المسعى الأمريكى لم يكن من أجل نيل القوة منهم ولكن من أجل نيل الشرعية .. فمثلا حينما تحالفت أمريكا مع بريطانيا لاحتلال العراق وتزايد الضغط الشعبى على حكومة بلير رافضة لهذه الحرب .. ظهر بوش أمام شاشات التلفزة ليعلن أن الولايات المتحدة ستخوض الحرب منفردة !!
وحينما وقف المسئولون فى الادارة الأمريكية ليعلنوا أن هناك19 دولة فى العالم تحالفت مع أمريكا لخوض غمار الحرب ضد العراق ,فوجئنا بأن الدول المقصودة مجتمعين لا يشكلون سكانيا حجم ولاية من ولايات أمريكا وأنهم جميعا لا يملكون جيشا مسلحا بتسليح تمتلكه فرقة واحدة من فرق الجيش الأمريكى!!
إذن .. الولايات المتحدة لم تسع لنيل القوة العسكرية فى تحالفاتها العسكرية ولكن تسعى فقط لاستكمال الديكور الدعائى لصبغ حربها ضد الشعوب الحرة بصبغة الحرب ضد الارهاب وكأنه مطلب دولى وتطبيق للعدالة الحقة والشرعية , كحيلة من حيل خداع الشعب الامريكى فى انسانيته وكذا شعوب العالم الحر.
وتكرر نفس المشهد فى الحرب ضد افغانستان وضد فيتنام ونيكارجوا وغير ذلك من الشعوب الفقيرة والضعيفة التى تعرضت للتنمر الامريكى فى عالمنا المشحون بالمتناقضات والذى تستساغ فيه دماء الشعوب .
ودعونا نتذكر مقولة جيفرسون حينما خطب فى حشد من الأمريكيين يقول شارحا سياسة أمريكا الخارجية ( يجب أن تحافظ على صداقة صادقة مع كافة امم الأرض ولكن لا ترتبط بتحالف مع أى منه) (46)
ولأن الولايات المتحدة تدرك خطورة الاعتماد على قوة الآخرين فانها عمدت لأن تذيق العالم هذا الخطر حتى تحولت الولايات المتحدة الأمريكية الى أكبر نظام عسكرى لتأجير المرتزقة فى العالم.
هذه حقيقة .. الولايات المتحدة ليست سوى سوق ضخم للمرتزقة العسكريين فى العالم , تؤجرهم لمن يشاء ولمن يدفع اكثر نفطا سواء أو أموال سائلة .
وتجربة الخليج الثانية نموذج لا يحتاج لبس , فالولايات المتحدة التى دعمت وعبر وسطاء عرب العراق فى حربه ضد ايران.. حينما غزا العراق الكويت وقام النظام الحاكم فى الكويت والذى فر الى السعودية بمخاطبة امريكا للدفاع عنه وعن دويلته مقابل امتيازات ضخمة بعد نجاح التحرير من قواعد عسكرية دائمة وعقود اعمار واموال سائلة .. أليس فى هذا المشهد يكون الامريكيين مجرد مرتزقة ؟! وهل سيأمن أمير الكويت فيما بعد من صدق نوايا هؤلاء المحررين المرتزقة ؟ ألم تتحول الكويت الى دويلة مسلوبة الارادة فى قرارتها القومية فيما بعد, ولكى يتفادى المسئولون فى الكويت انتقادهم لذلك ولعدم قدرتهم على اتخاذ مواقف شجاعة تصون القومية العربية وتدمج الكويت مع قوميتها وعروبتها – بعكس ما يريده الجنود المرتزقة الامريكان والذين يمثلون الحاكم الفعلى للبلاد- قاموا بالادعاء بأن الانجراف وراء التيار الامريكى الصهيونى البريطانى هو هدف قومى وخيار استراتيجى صائب خططت له الارادة الوطنية الكويتية ! 
ويقولون ذلك كيلا ينتقدوا بأنهم طردوا المحتل العربى ليجلبوا المحتل الأمريكى البريطانى الاسرائيلى ؟!!!
ألم يقع حكام الكويت فى الشرك؟! ووقعع معهم حكام الخليج؟ الذين رغم انجرافهم الشديد نحو تحويل بلدانهم الى قواعد عسكرية امريكية ضخمة هم يدركون تمام الادراك انهم باستعانتهم بالاجنبى فقدوا سلطتهم الوطنية الاستراتيجية على بلادهم !!
( هناك العديدة من الأحداث المهمة التى جرت بعد اجتياح العراق للكويت بأسابيع عندما جمع جورج بوش مساعدية وسألهم عما اذا كان انسحاب صدام حسين من الكويت يشكل حلا مرضيا بالنسبة للأمريكيين فقال لبرنت سكوكروفت رئيس مجلس الأمن القومى فى البيت الأبيض والر~يس بوش يهز رأسه موافقا :- ألا ترون بأنه اذا انسحب فسيكون الوضع صعبا جدا بالنسبة لنا فسوف لن نستطيع الابقاء على نصف مليون جندى باستمرار فى المنطقة .. فأضاف بوش: هذذا صحيح وينبغى أن تتوافر لقوات التحالف الدولى الوسائل لتدمير جيش صدام حسين فى المستقبل القريب ) (47)
ولذلك تعسفت الولايات المتحدة الامريكية فى قبول مبادرات العراق بالانسحاب حيث طلبت منه ذلك ولكن بدون أن يأخذ مع المعدات الحربية والعسكرية التى جلبها معه وكذلك بدون ضمانات لتأمين الانسحاب على حد الوثائق الخاصة بحرب 1991 والتى أفرجت عنها الكويت سهوا لتنشرها هيئة الاستعلامات الكويتية فى كتاب حمل عنوان ( العدوان العراقى الغاشم على الكويت عام 1991 ) وسرعان ما تم سحبه ثانية من ألأسواق لخطرورته الشديدة فى إجلاء الحقائق.
إذن القوات الأمريكية التى ذهبت لتحرير الكويت كانت تهدف الى احتلالها .. انها أمريكا .. الانتهازية .
(13)
( فى القوات المأجورة والمختلطة والوطنية ) امتداد للفصل السابق وتحت هذا العنوان قال أن ( قوات أحد الجيران الأقوياء التى يطلب أمير مجيئها لنجدته والدفاع عنه هى قوات مساعدة وهى عديمة الفائدة كالقوات المأجورة ) وذلك ( لأن الهزيمة لك إن انكسرت وإن انتصرت ظللت أسيرا لها ) واستعرض مثالا لامبراطور القسطنطينية الذى حشد فى فى بلاد اليونان عشرة الأف تركى لكى يقاوم جيرانه وبعد النصر رفضوا العودة وكان ذلك بداية استعباد من كفروا بالأمانة والولاء لبلاد اليونان – على حد تعبيره- وأضاف ( أن اشد اخطار القوات المأجورة فى جبنها واحجامها عن القتال ولكن أشد أخطار القوات المساعدة فى شجاعتها ) ,اضاف ( أن الأمير العاقل أفضل له أن ينكسر بقوات وطنه على أن ينكسر بقوات غيره) .. ثم روى ما ذهب اليه الحكماء قديما حينما قالوا ( لا شىء عند البشر مزعزع ولا يدوم مثل ولايات دعامتها الشهرة وليست قوتها الخاصة ).
( وقديما – كما جاء فى التوراة – قدم داود – عليه السلام – نفسه لشاؤل لكى يذهب وينازل جولياث – بطل فلسطينى – فدججه بالسلاح الخاص إلا أن داود بعدما جربه رفضه وقال له أنه لا يعرف كيف يحارب به مفضلا خنجره ومقلاعه الخاص ‍‍‍‍‌‍‍‍‍.( 
ويعد هذا القول امتدادا لما قلناه فى الباب السابق من خطورة أن تستعين الكويت بالقوات الأجنبية والتى بفضل قوتها استطاعت هزيمة جيش العراق واحتلال أرضه .. وكيف أن القوة الأمريكيية صارت هاجسا يقض مضاجع أمراء الخليج ؟ وكيف تقلصت سلطات أمير الكويت على شئون بلاده الاستراتيجية بشكل لم يعد يحتمل سوى اعلان الاحتلال الامريكى الطوعى للكويت .
أننها خطيئة التآمر على الاصدقاء وعقوبتها احتلال الغرباء والنموذج لا يحتاج الى توضيح .
(14)
( واجبات الأمير فيما يتعلق بموضوع فن الحرب ) تحت هذا العنوان كتب مكيافللى يقول ( ينبغى على الأمير ألا تكون له غاية أو فكرة سوى الحرب وتنظيمها ونظامها لأن هذا الفن الوحيد اللازم لمن يقود ) و( إن الأمراء يقفدون ولايتهم حينما يفكرون فى الترف أكثر من الأسلحة ) و( ليس معقولا أن نتوهم أن رجلا مسلحا يطيع راغبا رجلا أعزلا أو أى رجل أعزل يسلم بين أتباع مسلحين ومن المستحيل أن يعمل الاثنان سويا فى وئام ) .
ويشير الى أن الأمير يجب أن يكون قارىء للتاريخ وسيرة العظماء وأن يتدرب على فنون القتال فى السلم أكثر من وقت الحرب.
…يتبع 
المصادر:
«1» راجع دراسات في الفكر الاوربي -د. عبد الرازق حجاج ص35\ «2» راجع مقدمة كتاب الأمير بقلم كريستيان غاوس\ «3» راجع البلدان النامية وتجديد الفكر الاشتراكي-بهيج نصار -دار العالم الثالث ص162\ «4» راجع مصدر رقم «1»\ «5»أمريكا والعراق والتحدي الذهبي -دار الموقف العربي-عبد العظيم مناف ص507\«6» موجز تاريخ الولايات المتحدة-الان نيفينز،هنري ستيل كوماجر -مطابع المكتب المصري الحديث ص36\ «7» نفس المصدر ض41 \ «8» مصدر الثالث ص200 \«9» المصدر السابق ص328\ «10» المصدر السابق ص329\«11»لوكيربي ومحاكمة لامريكان -خالد غانم- دار الوفاء ص58\«12» الدعاية السياسية في العصر الأموي -محمد منير حجاب -دار سعيد ص242\«13» المرجع السابق ص244\« 14» البرنامج النووي الاسرائيلي والأمن القومي العربي -الهيئة العامة للكتاب- ممدوح حامد ص169\ ««15» المرجع الخامس ص338\«16» المرجع السابق \«17» الديمقراطية طبيعتها وقيمتها - هانسن كلسن - ترجمة علي الحمامصي ص37\«18» المرجع السابق ص91\«19» المرجع الخامس ص99\«20» نفس المرجع ص121\«21» حتي لا تضيع القدس- مجدي شندي\ «22» الاعلام والتنمية - دار الفكر العربي -محمد سيد أحمد ص161\ «23» المرجع الخامس ص215\«24» المرجع العشرون ص224\ «25» نفس المصدر ص222\ «26» نفس المصدر ص270\ «27» المرجع الخامس ص38\«28» المرجع الخامس\«29» علي اعتاب الالفية الثالثة -حمدان حمدان -نقلا عن سان دييجو\«30» المرجع الرابع عشر ص227\«31» المرجع العاشر ص228\«32» راجع المرجع 22\«33» نفس المصدر ص198\«34» تاريخ أوربا المعاصرة -مصطفي النحاس ص\«53» موجز تاريخ الولايات المتحدة- سابق من ص 76 ـ 37 بتصرف \«63» نفس المصدر ص 46\«73» المصدر السابق ص 48\«83» المصدر السابق ص 201\«93» المصدر السابق ص 811\«04» المصدر السابق ص 041\«14» المصدر السابق ص 696\«24» المصدر السابق ص 207\»34» المصدر السابق ص 207\(42) الامبراطورية الشريرة- مركز يافا للدراسات – خالد السيد وهدان 45\(43) نفس المصدر\(44) مؤلفات ماوتسى تونج المختارة – المجلد الأول – دار الشعب – بكين 249\(45) المصدر قبل السابق 33\(46) موجز تاريخ امريكا- مصدر سابق –158\(47) موجز تاريخ أمريكا – مصدر سابق - 35