كتاب رؤي فى الوطن والوطنية - فصل أول


سيد أمين


رؤى
فى
الوطن والوطنية


الناشر : مركز يافا للدراسات والأبحاث





رؤى :
في الوطن والوطنية


 







حقوق النشر محفوظة   

اسم الكتاب : رؤى : فى الوطن والوطنية
إعداد وتأليف :  سيد أمين
الطبعة : الأولى
سنة النشر : 2011 م 1433هـ
مراجعة لغوية : محمود سامى
الناشر:  مركز يافا للدراسات والابحاث ـ القاهرة
ص ب 806 - المعادى القاهرة ت / فاكس 23806596 – ت/23782403

الموقع على شبكة الانترنت الدولية : www.yafacenter.com

E – mail : yafafr @ hotmail .com



بسم الله الرحمن الرحيم
الإهداء
إلى نفسى  جبراً لخاطرها
إلى أمى الكبرى مصر وإلى عروبتى .
إلى كل من وقف معى لإعداد هذا الكتاب
لا سيما الدكتور رفعت سيد أحمد صاحب الرؤئ النافذة
إلى أمى وأبى
أهدى هذا الكتاب


هذا الكتاب

"روئ.. في الوطن والوطنية", كتاب يحمل عدة مقالات نشرت في الصحف والمواقع الاليكترونية المصرية والعربية, ولأن تلك المقالات كانت – ولا زالت – تحمل أطروحات ذات قيمة بالغة سواء فى الدلالات والنتائج , رأينا جمعها وإعادة نشرها لاسيما أن التاريخ لا يمكن التعرف عليه سوى بالنبش فى الماضى على اعتبار ان قراءة التاريخ هى دراسة مكثفة فى المستقبل. ولأن تلك الرؤى أو الأطروحات كانت تحمل فى طياتها آنذاك طرحاً موضوعياً , وفى أحيان قليلة للغاية طرحاً منحازاً – نظرا لكوننا بشر نحب ونكره ونؤثر ونتأثر – ارتأينا اعادة انتشالها من دائرة النسيان بهدف ترميم الذاكرة , وبالتالى طرحها مجدداً على مائدة الحوار مع التنبيه الى أن كل رؤية أو بالأحرى مقال لا يجب أن نقرأه بمعزل عن الظروف السياسية والاقتصادية والفكرية السائدة وقت كتابتها , وذلك لأن تجريدها من تلك الحالة المحيطة قد ينتقص من قيمتها بشكل كبير.
ومن ضمن الأشياء التى يجب علينا أن نُذكِّر بها , أنه فى زمن الثورات فلا تعد بطولة أو تفردا أن تقول "يسقط الطاغية" ولكن فى زمن الخنوع قد تعني الإشارة بأى قول يفهم منه الإيحاء بطغيان الطاغية عملا فى غاية الجرأة والشجاعة.
ورغم أن وسائل التفكير واحدة تقريبا بين الناس , إلا أن ثمة اختلافاً كبيراً فى معايير التفكير الحاكمة ومنتجاتها الأمر الذى أوجد تمايزا بين البشر بعضهم البعض , وساهم فى اختلاف ترتيب الأولويات بين شخص وآخر ما أوجد بدوره تنوعا فكريا نجمت عنه الأيديولوجيات الفكرية المسيطرة فى عالم اليوم. ولأن الشجرة المزهرة على سبيل المثال يراها الناس بصور شتى ومنطلقات متعددة , فمنهم من يهتم بها جماليا وآخر بوصفها كائناً حياً وثالث يعتبرها مصدراً للطاقة ونتاجاً لعمليات حيوية معقدة , فإن الكاتب  هنا يزعم انه لم ينظر قط إلى ظاهر الأشياء ولكن تعمد الغوص فى مسبباتها ومسببات مسبباتها , وعلى كل حال تلك الرؤى لا تحمل إلا وجهة نظره ولا تعبر الا عنه فى وقت معين للأحداث التى حاقت بالمجتمع من حوله , وهو نفسه يبدى استعداده للتخلى عن اى طرح طرحه متى ظهر جليا خطؤه وتكشفت وسائل تشويش عاقت عملية إبصاره بشكل سليم.
هذا الكتاب , يتضمن أربعة فصول كل فصل يتضمن عدة مقالات تحمل فى اتساقها رؤية واحدة عن أحداث متشابهة .
يتضمن الفصل الأول " الثورة .. إرهاصات ونتائج "رؤية شاملة للأحداث التى مرت بها مصر منذ عام 2002 وحتى قبل شهر من طباعة هذا الكتاب , وهى رؤية تتضمن توقعات وأحياناً مطالبات ملحة بالانقلاب على الوضع المقلوب أساساً بغية إصلاحه , وتطيح بنظام مبارك بالغ الاستبداد والتعفن , كما ترصد الرؤية سلبيات ومخازى – إن جاز التعبير- التى ارتكبها هذا النظام فى حق الشعب المصرى وأمته العربية , مع التركيز على أخطار مفاسده المتمثلة فى العبث بمقومات الشخصية المصرية مروراً باللعب على حبائل إثارة الفتنة الطائفية واختلاق الأزمات الاقتصادية , ومحاولة وضع العثرات امام كل نشاط يسعى لأن يضخ الدماء فى الجسد الذى أُريد له الموت.
وفى الفصل الثانى "ثورات أم مؤامرات" يرصد الكاتب تطلعات الشعوب العربية للتحرر من الهيمنة الأمريكية والغربية والاستبداد المحلى , ولكن فوجئ فيما بعد بأن الثورات المنشودة لم تسع للتحرر ولكن أصَّلت له , وراحت تدعوه لاجتياح ما تبقى من بلدان محررة وليس تحرير البلدان المستعمرة , الأمر الذى ألقى بظلال من الشك حول حقيقة تلك الثورات وهل هى فعلا ثورات شعبية أم إنها مجرد ثورات مفتعلة تغذيها آله إعلامية عملاقة , خاصة أن أمراء النظم التى أخضعت بلدانها للاحتلال الغربى راحت تلبس ثوب الثورة وتدعو إلى الإجهاز على البلدان الحرة المتبقية فى عالمنا العربى دون أن توجه سهماً واحداً ضد أمريكا وإسرائيل , لذلك رأى الكاتب هنا أن يوضح الفرق بين الغث والثمين حتى لا نبكى على اللبن المسكوب كعادتنا.
اما الفصل الثالث فيتضمن عرضا للحالة الثقافية "المنحطة" فى مصر والعالم العربى والتى تمثلت فى إعلاء فن هابط  يهبط بأذواق الناس ولا يسموا بها , وتعليم يدعو لخلع ردائى العروبة والإسلام والهرولة خلف ثقافة لا يمكن ان تنفعنا , فضلاً عن فساد نخبة تم اختيارها بشكل أمنى لا فكرى كما ينبغى وراحوا يدفعون بها إلى قمة المشهد الثقافى فى حين تم التنكيل بالأوفياء والوطنيين وتحقيرهم والحط من شأنهم وأحياناً ترويعهم ورميهم بالعمالة للخارج وفى أحسن الظروف التضييق عليهم فى قوتهم ومصادر رزقهم على أمل شيطانى أن يموتوا كمداً وغيظاً فى بيوتهم وعلى أسرة المرض.
وفى الفصل الرابع والأخير يعرض لهموم الوطن العربى وأهم الأمراض الكبرى التى يعانيها فضلا عن سرد لمتفرقات تخدم تشخيص الحالة فى مصر .
نقدم هذا الكتاب ’ آملين أن يضيف جديداً إلى ما ثبت فى قلوب وعقول القراء الكرام , وإنْ حدث ذلك سيكون الكاتب قد نجح فى خدمة بلده ووجد من يثبت صحة رؤاه .. والله الموفق.
المؤلف



الفصل الأول
الثورة .. إرهاصات ونتائج

الوفد 30 مايو 2003
المصريون بين العبث والواقع
عقب الانتكاسات الكبرى يشيع الإحباط بين الناس وتنتشر ثقافة اليأس والعبث والهزل .. ويكثر الأشباه .. ويشح الرجال، وإذا كان عبد الرحمن الكواكبي - رحمه الله – جأر قديمًا شاكيًا مرارة العبث حين قال (ما بال الزمان يضن علينا بأناس ينبهون الناس ويرفعون الالتباس ويفكرون بحزم ويعملون بعزم ولا ينفكون حتي ينالوا ما يقصدون).
فإن حالة العبث تلك هي نتاج – أكرر نتاج – لا وعي قومي رافض للواقع بكل عوراته .. ولا شك أن الزمان قيم بشخوصه .. فإذا انحط الشخوص وذهبت شمائلهم انحطت الأفكار وصارت هزيلة.
ولو أردنا كشف عبثية زماننا فإن الغناء هو أرشيف تأريخي جيد للعصر – علي سبيل المثال – ومنه نستطيع فهم فلسفة المرحلة التي يعيشها الناس .. وإذا كان أفلاطون الفيلسوف تنبه منذ عشرات القرون إلي ذلك حينما قال: (إن الأغاني بمعانيها وألفاظها دليل علي تغيير جوهري في كيان وأحوال الدولة) .. فإنه قصد ما قاله أحد الكتاب السياسيين الانجليز (كما نقرأ تاريخ المجتمع الإنساني في السياسة والأدب والاقتصاد .. فإننا نستطيع أن نقرأه أيضًا في الموسيقي والغناء).
والمعنى أننا من خلال متابعة بسيطة لكلمات مطربي هذه الأيام نصل إلي يقين جازم بأننا نعيش حالة الانحدار أو الاندحار .. حيث صخب الموسيقي وخيال مريض مشبوب باللابراءة والجنس والعنف أو اللامعني .. ومستمعون يتراقصون انتشاء باللاوعي واللاعاطفة.
حقيقة فإن العبثية تلك امتدت إلي كل مناحي حياتنا حتى تلك السياسية .. فما معني أن تهتم الدولة اهتمامًا ملحوظًا بالرياضة وإقامة المهرجانات الفنية والاهتمام المبالغ فيه بقضايا المرأة التي لا نمانع من الاهتمام بها لكي تنال كل حقوقها شريطة أن يكون الاهتمام بها متوازيًا مع كل القضايا خاصة تلك الملحة التي يعايشها الناس وعلى رأسها الاهتمام بلقمة العيش التي صارت مجهدة جدًا لدى قطاع كاسح من الشعب .. وصارت البلاد في حاجة ماسة وليس هذا نزقًا مارقًا إلي برنامج قومي عاجل لمكافحة الجوع وسوء التغذية .. وذلك لأن الإنسان الجائع لا يهمه سوى أن يأكل أولاً وبعد ذلك تأتي منظومة الحاجيات والإشكاليات الأخرى.
وحينما نتحدث عن برنامج قومي لمكافحة الجوع ليس ذلك رؤية للحياة من خلف النظارة السوداء .. فالواقع أن من لا يستطيع تأمين طعام المحتملين للانضمام إلى طابور الجائعين فيه .. رغم أن الكثيرين غير قادرين علي تأمين طعامهم .. فما رأيكم في الدعوة إلى هذا البرنامج؟
وبرنامج مكافحة الجوع هو برنامج قديم جدًا وحظي باهتمام كل الثورات الشعبية في العالم بل إنه من أهم أسبابها .. ويعتبر من قبيل الوطنية والعدالة أن نتساءل : كيف يتسنى لمواطن جائع أن ينتج؟ .. وكيف نطلب منه أن يبدع وهو مشغول أساسًا بالبحث عن لقمة العيش؟ وكيف نحاسب شعوبنا علي عدم تقدمها الحضاري وهي مازالت تعاني – في الألفية الثالثة – من عدم إعدادنا لها أي أساس للحياة الكريمة!!
بل إننا نبرع في قتل طاقاتها عبر صور الفساد التي تقفز علينا من كل حدب وصوب فتقتل فيها أي معني من معاني الوطنية والانتماء والولاء لوطن برع في التفريق بين أبنائه.
إن موقف العبث هو موقف واع أحيانًا رافض لكل صور الظلم .. هو إنكار لمجتمع لا يحترم أفراده .. تخصص في صناعة الفجوات الكبيرة بين الواقع المأمول.
قديمًا قال المفكر الروسي تروتسكي قبيل الثورة البلشفية: "إن التفكير – كالتبول تمامًا – هو أحد الإفرازات غير الضرورية للإنسان".
ومعني ذلك أن الهزلية هي رد فعل مضاد للتفكير الذي أثبت فشلاً ذريعًا في الرقي بالإنسان في الدول النامية بسبب سوء التنفيذ وعقبات البروقراطية.
وخلاصة القول أن الهزل والعبث الذي نراه أينما أطرنا آذاننا وأبصارنا – رغم قباحته – هو دليل علي انحدار ثقافاتنا التي هي مرآة للوضع السياسي والاقتصادى والاجتماعي المتردي من جانب .. ودليل أيضًا علي رفضنا لواقعنا من جانب آخر.
ليبرالية "الوفد"
كما عهدناها .. لقد عبرت جريدة "الوفد" بحق خلال الهجمة الامبريالية الوحشية علي العراق وما تلاها من أحداث عن ضمير القومية العربية حيث فتحت صدرها لتحتضن كافة الآراء والأصوات لتكون منبرًا حرًا وطنيًا محايدًا معبراً عن آمال الأمة وأمانيها دون مزايدة أو خنق للأصوات والحقائق .. ورغم اختلافي الأيديولوجي مع توجهات "الوفد" إلا أنني وجدت نفسي كقارئ من قراء "الوفد" أنه لابد أن أحمل لها شكر جميع الوطنيين.
***
الوفد 18 أغسطس 2003
السعادة .. والانتماء
من يرى منكم إنسانًا سعيدًا في هذا الوطن فليبلغ عنه فورًا .. والعلة في ذلك أن سعيد أيامنا هذه واحد من اثنين: إما أن يكون مخربًا سره ما وصل إليه حال البلاد والعباد من سوء .. وإما أن يكون مجنونًا يمثل وجوده حرًا طليقًا خطرًا على أمن المجتمع.
ولم يعد خافيًا علي أحد اننا نعيش نحن المصريين في هذه الأيام أسوأ أيامنا .. التي هي حصاد سنوات عجاف طويلة من التدمير المركز لقلب الوطن الذي فقد عافيته تمامًا.
وما عاد سرًا أيضًا أن الاحباط صار القاسم المشترك لجميع الجماهير .. فما إن تنظر إلي أي إنسان إلا وتقرأ من عبوس وجهه معاناته أما إذا تحدثت إليه أو حدثك هو بسريرته فستسمع ما يعصر القلب حزنًا.
الجميع يعاني .. يئن .. يصرخ .. ولكن لم يعد هناك متسع من الوقت لسماع صرخات بعضنا فما بداخل الواحدة منا يكفيه.
ما كنا نراه بالأمس شيئاً يحتاج الشفقة أصبح الآن مألوفًا .. فقد اعتادت آذاننا علي سماع كلمات الاستجداء فلم تعد نثق فيها وبالضرورة لم نعد نحس بها.
ولذلك كان من الطبيعي اختفاء البسمة من على الشفاه .. وكان طبيعيًا أيضًا أن نشك في وطنية السعداء فينا .. وأن لم نشك في وطنيتهم نشك إذن في قدراتهم العقلية وذلك لأن البؤس صار طابعًا قوميًا عنا.
وليس من قبيل العبث الدعوة إلي برنامج قومي لمكافحة الجوع فما نراه اليوم شيئًا مثيرًا للخجل ربما نتكلم عنه غدًا دون جدوى أيضًا.
وتذكرت ما حدثني عنه صديقي التونسي حينما سألته بشيء من الفضول عن أحوال الناس هناك .. فتحسرت على وطني .. أخبرني بأن التونسيين يعشقون بلادهم وذلك لأن حكوماتهم تهتم بالعنصر الإنساني.
ورغم أن تونس بلد فقير إلا أن الحكومة توفر أعمالاً لكل الراغبين في العمل، وأنها لا تفرض الرسوم والضرائب علي الشباب الراغب في العمل خارج الوطن .. بل إنها تجيز له بعد العودة إحضار أية مقتنيات معه دون دفع رسوم الجمارك.
كما أن دعم الغذاء يبدو شيئًا واضحًا ولنا أن نتخيل أن أجر الموظف في اليوم الواحد خمسة ينارات .. بينما سعر الدجاجة علي سبيل التوضيح تساوي 30 فلسًا وقس علي ذلك، بالإضافة إلي أن الحكومة تبنت مشروعًا قوميًا يحمل ذات الاسم المقترح "المشروع القومي لمكافحة الجوع" حيث يوفر الطعام المجاني لفقراء تونس عبر ضوابط صارمة ودون تحويله لعمل دعائي.
وتذكرت ما رواه زميل لي زار طهران وأخبرني في جملة موجزة قال فيها إن الحكومة الإيرانية تحترم مواطنيها .. ويكفي المواطن الإيرانى أن تلتزم حكومته بتوفير غذاء شبه مجاني له يكفيه أكثر من نصف الشهر وأن من شروط العمل هناك في أي قطاع كان خاصًا أم عامًا  أن يوفر صاحب العمل لأفراده وجبة مجانية .. وأن التليفونات في الشوارع مجرد خدمة عامة مجانية.
وأنا وإن كنت لست علي يقين مما رواه لي الصديقان إلا أنني لا استبعد حدوث ذلك.
والحقيقة أننا لا نطلب من حكوماتنا سوى أن تضع الفقراء في حسبانها وهي تخطط لأى قرار خاصة إذا كان الفقراء في مصر حسب التقارير الدولية يزيدون علي 56% من الشعب المصري .. هم الذين لا يزيد دخل الفرد الواحد منهم علي ربع دولار في اليوم حسب أفضل الأحوال .. أي ما يعادل جنيهًا ونصف الجنيه أو يزيد وهي حسب التقارير الدولية أيضًا غير كافية لتوفير مياه شرب نقية له.
وبعيدًا عن الأرقام التي ما عادت مجدية فإن الكثيرين يشعرون أن الوضع أكثر سوءًا من الأرقام والصورة صارت ملطخة بالسواد في المشهد التراجيدي.
علق السفير صلاح الدين إبراهيم في مقال جاء تحت عنوان "كيف نكون سعداء" نشرته الوفد في 12 يوليو علي مقال كانت قد نشرته الوفد لي فى أعداد سابقة بعنوان: "بحثًا عن السعادة والحقيقة" وبعيدًا عما راح السفير صلاح الدين إبراهيم يعزي إليه أسباب التعاسة التي يشعر بها المصريون فإن فى الواقع أن السعادة يربطها خيط رفيع بالصحة النفسية وتربطها علاقة طردية مع الانتماء.
والانتماء الذي أقصده ليس ذلك الانتماء للوطن كما يشب في الخيال للوهلة الأولى فحسب بل الانتماء في شكله المطلق .. بدءًا من انتماء الفرد لذاته حتي انتمائه لوطنه فالإنسان بطبيعته باحث عن السعادة .. والسعادة تتأتي من أن يحقق ذاته وتحقيق الذات يبدأ من الولاء لها أولاً وهنا وفي هذه الزاوية بالذات يختلف الناس فمنهم من يري أن تحقيق الذات يبدأ عبر هدم ذوات الآخرين وهذا هو الإنسان الظلامي الأناني غير المبالي بالمجتمع ومنهم من يري أن تحقيق الذات يبدأ بعلاقة تكامل مع ذوات الآخرين وهذا هو الإنسان الخير الهادف لبناء المجتمع.
والمجتمع الآن يعاني سيادة الطراز الأول من الناس، وهو الأمر الذي قاد المجتمع نحو الشعور بالتعاسة والمشكلة الحقيقية هي أن المجتمع بدا كداعم لتفشي هذه الثقافة مما أضعف بالضرورة القيم النبيلة.
أما عن دعم المجتمع لتفشي ظاهرة الانتهازية يتمثل في حصر مجالات النجاح في التحقق المادي للأفراد وعدم العقاب لاستخدامهم الوسائل الشريرة لتحقيق نجاحهم وتهميشه بل وتجاهل هذا الأمر تمامًا.
كما أن غياب دور المجتمع كرقيب أعلى لأفراده جعله مجتمعًا ممزقًا وتربة خصبة للكفر به وخداعه من قبل أفراده.
لقد نضب أو كاد الولاء الحقيقي للوطن نظرًا لأن هذا الوطن الذي يمثل المجتمع فشل فشلاً ذريعًا في تحقيق ذوات شخوصه بطريقة محترمة وديناميكية فيها شيء من المنطق حيث عجز عن إيجاد تفسير منطقي لفشل الفاشلين أو نجاح الناجحين وهيأ الأمر للاعتقاد بأن هناك وسائل أخرى للوصول للسعادة غير تلك التي نعلمها كما عجز المجتمع عن تحقيق الحد الأدنى من طموحات الناس بل إن المجتمع المصري أو أفراده صاروا يؤمنون بأن مجرد البقاء علي قيد الحياة هو منتهي الطموح .. رغم أن الملايين من هذا الشعب لا يجدون قوت يومهم.
ومن المفيد التذكير بأن السعادة تبدأ بسعادة الروح وتنتهي بسعادة المجتمع .. وكان يجب علي المجتمع ترشيد الإسراف علي فئات محددة وقليلة من شخوصه خصمًا من حقوق الأغلبية .. لأن الاهتمام بفئة من فئاته دون أخرى هو جور لا يحق لوطن يمثل الجميع أن يقع في ذاك الشرك.
وإنني مازلت لا أتخيل أن تقوم سعادة علي تعاسة الآخر .. ولا أتخيل أيضًا أن يقف الوطن مكتوفًا أمام تعاسة أولاده.
وذلك لأن تعزيزه لسعادة أفراده هو تعزيز لتماسكه وشرعية وجوده .. على افتراض مؤكد بأن السعادة هي صناعة مجتمعية صرفة .. وان لم يتحقق ذلك فهذا يعني نهاية الطريق المنير والدخول في النفق المظلم.
****
الوفد 20 أكتوبر 2003
تحية الصمود .. لشعبنا العظيم
تحية الصمود لهذا الشعب العظيم .. تحية لا تسمن ولا تغني من جوع .. نواسيه بها في مأساته .. تحية لهذا الشعب الفريد الذي يفضل الموت نازفة جروحه دونما تسمع منه التأوه حتى همسًا.
الشعب الذي يقاوم اللطمات بامتصاصها .. ويبتسم كبرياء حتي لا تقطر عينه دمعة مهانة هاربة.
إنه شعب مصر البطل .. عاشق السلام والحياة .. حتي في هامشها الضيق .. مجيد صناعة القناعة .. وقابل العيش على العدم .. معتاد الكفاح .. مروض المصائب .. المؤمن بالله فطرة وليس اكتسابًا .. العارف أن مصائبه قدره ولا يمكن أن تخطئه .. وأن بلواه حتمًا تنقشع .. المتعلق بأهداب الأمل .. والتعلق بالأمل وحده إيمان عميق بالنصر .. وسر من أسرار الوجود .. تحية إلي شعب مصر.
هل وجدتم مواطنًا يضحك رغم أنه يعاني حتى النخاع، أزمة في المسكن والمأكل والمشرب والصحة والدخل؟!! .. إنه المواطن المصري.
قلبي مع المصريين وأنا من قاعدتهم العريضة .. بعدما حولت الحكومة حياتهم إلي جحيم لا يطاق .. ولا يمكن أن يعيش فيه شعب سواهم.
إنني خجل من الحالة المزرية التي وصل إليها الناس، أرتال المتسولين في شوارع مصر من أقصاها إلي أقصاها وأظن أنه لولا قليل من الحياء لضمت قوافلهم نصف الشعب المصري بلا أدنى مبالغة – لتشمل قطاعًا كاسحًا ممن تسميهم الحكومة بالموظفين .. ناهيك عن جيوش الشباب المتعطل عن العمل والباحث عن لقمة عيش وفقط!!
حقيقة، إن الشعب المصري يعاني معاناة لا مثيل لها، وأظننا جميعًا في غنى عن الدليل، فمن منا يكفيه مرتبه حتي منتصف الشهر؟!!
لا أظن أحدًا، فما بالنا بمن حرمته حكومتنا من أن يكون من ذوي الرواتب؟!!
حقًا، يحتاج الفقراء في النجوع والكفور والقرى إلي من يصرخ باسمهم، إلي من يقول لمن بيده الأمر إن ((الجوع كافر)) لأن من أول معالم الحضارة في أي مجتمع ليست الكباري والانفاق وتعبيد الطرق واقامة مراكز المؤتمرات والاحتفالات والمهرجانات ..ولكن الإنسان.
نحتاج أن ننحي كل شيء جانبًا الآن ونتجه إلي عملية بناء الإنسان .. وعملية بناء الإنسان تبدأ أول ما تبدأ بأن نملأ معدته بالطعام ثم نوفر له السكن الآدمي ثانيا .. وبعد ذلك نوفر له مصدرين دائمين، الأول للدخل والآخر لغذاء الروح.
وإذا كان المواطن عليه واجبات نحو وطنه يجب عليه القيام بها مثل الخدمة العسكرية والمشاركة السياسية والولاء المطلق للوطن فإن له حقوقًا أيضًا وهى متعددة.
شاهدت وسمعت بنفسي ما يحدث في أحياء – العاصمة !! – القاهرة الفقيرة كيف أن البلطجي يفرض الإتاوات علي الناس دونما يجرؤون الإبلاغ عنه وحجتهم في ذلك انه سيتم القبض عليه ولن يمر يوم أو أكثر حتي يعود البلطجي ليسومهم سوء العذاب.
بل والأشنع من ذلك أنه – ونحن في الألفية الثالثة – يقوم بفرض سطوته ليتزوج من أية بنت يختارها دون رغبتها هي أو من ذويها، وكأننا في غابة.
وأقصد من سرد هذه الوقائع أنه ينبغي تشديد عقوبة البلطجة وترويع الآمنين لأقصى درجة ممكنة .. ليس فقط لتحقيق العادلة ولكن لحفظ هيبة الدولة.
****
الوفد 4 يوليو 2005
ضرب من ضروب الحواة
تحدث إلي ذات يوم قريب أحد رجالات الحزب الوطني في دائرة الحوامدية .. ورغم يقيني بأن الحزب الوطني خلع بسلام عباءة الأفكار ليرتدي عباءة المصالح والتربيطات والتهبيش، إلا أنني فضلت أن أناقش صديقي في سبب انضمامه للحزب الوطني وهل جاء الانضمام لقوائم الحزب من قبيل الاقتناع بالفكرة أم بالسلطة؟
ولأن صديقي حسن النية طيب الأخلاق راح يقول لي: إن الحزب الوطني في حد ذاته فكرة نبيلة ولكن رجالاته هم الذين حادوا به عن النبل .. وأنه اختار الفكرة ولا يعنيه أن يختار غيره السلطة .. وراح يتحدث بجلاء عن المساوئ في الحزب الوطني التي يجب أن تصوب بل إنه راح يكشف لي وقائع مذهلة وهي قيامه بالتصويت علي ثلاثمائة وثمانين صوتًا في لجنة عرب الساحة ومن ضمن من صوت لهم وبالبصمة مواطن يقيم في قطر وآخر متوف لدي أسماؤهما وأنه لا يستطيع أن يسامح ضميره في انه ساهم في تزوير إرادة الشعب وتزوير فكر الحزب الوطني!!
هذه الواقعة من وقائع الفساد وتزييف إرادة الناس في مصر لا تقل خطورة عن وقائع رواها لي شقيقي موظف المجلس القروي بأبو تشت الذي كان أحد مشرفي الاستفتاء في لجنة مدرسة المحارزة بأبو تشت قنا، حيث أكد لي أن مواطنًا واحدًا لم يطرق باب اللجنة بينما تولي ضباط المركز تسويد الاستمارات حسب النسب المحددة.
وأنا لا أعرف لماذا كل هذا التزييف في إرادة الناس؟! بل انني أرى لافتات الدعاية التي ملأت ربوع المحروسة تؤيد وتبايع السيد الرئيس لفترة رئاسة جديدة لا يدرون عددها نظرًا لطول المدة رغم أن السيد الرئيس لم يعلن ترشيح نفسه بعد.
وهنا أتساءل : ما قانونية هذه اللافتات التي انتشرت في الشوارع منذ شهور مضت، بينما ينص قانون الدعاية للانتخابات الرئاسية – الجديد – بأنه يحظر الدعاية لمرشح الرئاسة قبل واحد وعشرين يومًا من الانتخابات الرئاسية ذاتها؟
إذن .. كيف يخرق قانون في أول سابقة لتنفيذه .. لدرجة تجعل أي مواطن يستطيع أن يقيم دعوى قضائية لرفع كل اليافطات من شوارع مصر بوصفها يافطات دعاية ويكسبها من الجولة الأولي.
وإذا اعتبر الحزب الوطني نفسه بريئًا من كل اليافطات فلماذا تصمت عليها الجهات المختصة وهى التي اعتادت أن ترقب وتسمع دبة النملة؟!
إنني أصرخ في وجه مسئولي الحكومة .. بألا يجعلوا الناس تكفر بالسياسة .. ألا يجعلوا الناس يعتبرون أن العمل السياسي والوطني هو ضرب من ضروب الحواة وأنه معني من معاني السحر وألاعيب شيحة.
وألا يجعلونا نترقب دومًا كينونة اللعبة القادمة التي سيقدمها لنا الحاوي.
وأنه محاولة لإقناعنا بأن أحمد هو الحاج أحمد .. رغم ما قام به الأخير من ترتيبات وطقوس تجعل قلبه أكثر خشوعًا لله وبعدًا عن الدنايا ومواطن الزلل .
****
الوفد 4 أكتوبر 2005
عن العوام والاستبداد
"العوام هم سيف المستبد وترسه" بهذا الوصف تحدث العلامة عبد الرحمن الكواكبي في كتابه الأشهر "طبائع الاستباد ومصارع الاستعباد" واصفًا عامة الناس وطرق مساعدتهم للمستبد .. والحقيقة أن العامة هم مطية المستبد في الوصول لغاياته .. هم وقوته عليهم .. هو بهم يقوى وهم به يضعفون .. هم يكتوون بناره وهو يستنير بنورهم .. هم زاده وزواده .. وهو نقصهم وعوزهم .. المستبد يعلو علي جماجم موتاهم .. وهم يعيشون ليسلبهم روحهم .. هم حجته وهو حدهم.
والمشكلة أن العامة قد فقدوا على مر العصور تمييز ما يفيدهم عما يضرهم وذلك من طول بطشه بهم .. فلو منحهم فرصة للخلاص لخافوا أن يكون هذا كمينًا لهم يكشف به نواياهم نحوه .. فيهبوا له فداءً بالروح وبالدم فى تسابق مهين للنجاح في الاختبار المهين.
العامة يمجدون المستبد .. وكأن جمعهم ليس إلا غثاء سيل خر من يده .. ولعلنا نتذكر ذلك المثل الشعبي الشائع الذي يقول "ماذا فرعنك يا فرعون .. فقال: ما وجدت من يلمني" وذلك لأنهم يعتقدون أن فرعون هو مثال للاستبداد بغض النظر عن صحته وكذبه .. إنما هو خيال العامة عن أسباب الاستبداد.
والمستبد يصور لهم أنه لولا حكمته ورقة قلبه لما أمكنهم أن يحيوا بدونه .. فهو يصنع لهم كل صباح معجزة لملء بطونهم الفارغة رغم أنهم لا يأكلون إلا فتات ما يجود به مما صنعته أيديهم هم ورواه عرقهم المخضب بالإهانة .. قاصدًا من ذلك ربطهم به وقطع الطريق على فرص الخلاص.
والمستبد يمتاز بكونه ناكرًا للجميل .. فحينما تأتي الرياح له بالجود يشعر بالزهو والبطر .. فيبيح منكرات الأفعال في الرعية تحت ستار التضحية من أجل الوطن .. وذلك لأن ذاته تضخمت حتي صارت بحجم الوطن.
وحينما تأتي الرياح له بالعسر .. يهب متمردًا منقلبًا علي الرعية .. واصفًا سلوكهم بأنه مصدر النكسات .. وكأن فنون قمعه لهم هي عمل من أعمال السياسة الواجبة علي الحاكم!!
والمستبد تميز بالجهل .. هو يبخل عليهم بالعلم مدركًا أن علمهم تمرد عليه .. وهو يسعي دائمًا لجعلهم يف حاجة إلي فتاته .. هو دائمًا يخيفهم من المستقبل ويصوره لهم بأنه حالك الظلام وأنه لولا خصال منحه الله إياها وهبات ميزه الله بها لما استنارت الطريق أمامهم.
والمستبد يتميز أيضًا بالبخل .. يبخل علي العامة بالعلم .. وهم يجودون له بدمهم وعمرهم الذي مثل لهم وقودًا دافعًا لإطالة أمد استبداده .. هو يصور قليل ما بأيديهم كأنه صيد ثمين رغم أنهم هم والأرض والفضاء التي يقيمون عليها ملك لاستبداده.
ومشكلة العامة والمستبد هي مشكلة أزلية .. لا يمكن حلها إلا بايجاد قدر من الوعي لدى العامة يمكنهم من الفرز دون خوف أو وجل ودون استعداء للقيم الانتهازية من جانب، مع ضرورة أن يتوافر ذلك الحاكم العادل الذي يدرب الشعب عمليًا على عدم الخوف من الحرية وأن يستجيب لمطالبهم متى قرروا.
****
الوفد 7 نوفمبر 2005
الاستبداد هو المتهم الأول
لماذا تأخرنا وتقدمنا الجميع؟
لماذا صرنا نحن كعرب عامة ومصريين خاصة إلى ما نحن فيه؟
لست أدري .. لكني علي اعتقاد بأن الاستبداد هو المتهم الأول في تلك الجريمة النكراء التي حاقت بخير أمة أخرجت للناس .. أمة تدعو للشورى والرأي الجمعي.
فالاستبداد هو الذي قذف بأمتنا إلي ذيل الأمم بعدما كنا نؤمهم .. وعطل وأهدر طاقات والعقول لتذهب في صحارينا مذهب السراب.
هو الذي جعلنا نستبع ونذل بعد سيادة وعزة ونجوع ونعرى ونحن بلاد الثروات .. ونجهل ونحن دعاة العلم.
ولا يمكن أن نتحدث عن الاستبداد ومصارع الاستعباد ونغفل الواقظ الأول من السبات العلامة عبد الرحمن الكواكبي حينما أفرد له مرجعًا فريدًا أسماه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد".
حيث قال عنه إنه نار غضب الله في الدنيا وقال إنه أعظم بلاء يتعجل به الله عباده الخاملين ولا يرفعه منهم حتي يتوبوا توبة الانفة.
وقال إن المستبدين يتولاهم مستبد والأحرار يتولاهم حر.
صدقت يا سيدي .. فالشعوب تصنع جلاديها .. وترزح تحت نير استبدادهم وذلهم حتي تستعذب المهانة والذل والاستبداد .. ومتى استعذبته هلكت وفنت.
ولكن هل نظام الحكم في مصر استبدادي طبقًا لمفاهيم العلامة عبد الرحمن الكواكبي كما أوردها في كتابه؟
يقول الكواكبي حرفيًا "لا يكفي هنا الإشارة إلي أن صفة الاستبداد كما تشمل حكومة الفرد المطلق الذي تولي الحكم بالغلبة أو الوراثة تشمل حكومة الفرد المقيد المنتخب متي كان غير مسئول وتشمل حكومة الجمع ولو منتخبا لأن الاشتراك في الرأي لا يدفع الاستبداد وانما قد يعدله نوعًا ما وقد يكون الاتفاق أضر من استبداد الفرد .. ويشمل أيضًا الحكومة الدستورية المفرقة فيها بالكلية قوة التشريع عن قوة التنفيذ عن القوة المراقبة .. لأن الاستبداد لا يرتفع ما لم يكن هناك ارتباط في المسئولية فيكون المنفذون مسئولين لدى المشرعين وهؤلاء مسئولون لدي الأمة تلك الأمة التي تعرف أنها صاحبة الشأن كله وأنها تراقب وتحاسب".
وبقليل من التأمل سيتضح لنا جليًا أن الاستبداد في مصر ينتمي إلى ذلك الدستور المشار إليه.
وذلك لأنه أولاً: هناك ترسانة من القوانين واللوائح الداخلية ضمن قوة التشريع وإن كانت في بعض الأحيان متضاربة مما يعطي قوة أكبر للاستبداد وهذه القوة التشريعية استمدت قوتها ووجودها من وجود الحاكم نفسه بمعنى أن الحياة النيابية لدينا في مصر حياة شائهة ومزورة والجميع يشهد بذلك حيث إن الحزب الوطني وهو عبارة عن حركة تبادل مصالح بين أفراد ولا علاقة له بعالم الأفكار احتكر الحياة النيابية عبر تزوير الانتخابات ليسقط إرادة الشعب ويرفع بدلاً منها إرادة الحكم والحاكم.
وحتي تلك الحياة النيابية الفاسدة في مصر لو اعتبرناها مجازًا حياة سليمة لوجدنا هناك انفصالاً – وهذا ثانيًا – بينها وبين التنفيذ في المسائل التي تتوافق مع إرادة الشعب.
حيث إن قوة التنفيذ تكون أكثر وضوحًا في انحيازها للحاكم دون الحاجة للتحلي بأية زينة للحياء كما في تلك التشريعية.
وهذا الانحياز يعطيها الحق في إهدار القوانين والتشريعات ولو أردنا نضرب مثالاً لقلنا أن هناك آلاف المعتقلين السياسيين الذين برأت المحاكم ساحاتهم مرة بعد أخرى ورغم ذلك تصر وزارة الداخلية علي اعتقالهم ليمضوا خلف الجدران عشرات السنين دون تهمة.
وقس علي ذلك تلك الأحكام الصادرة بحق أحزاب مصرية مجمدة لتعود لمزاولة نشاطها إلا أن السلطة التنفيذية تحول دون ذلك مثل أحزاب العمل ومصر الفتاة كما أن هناك آلاف الأحكام القضائية ضد وزارة الداخلية تحديدًا والحكومة عامة لم يلتفت إليها.
والأدهي من ذلك أن سلطة المراقبة ثالثًا هي أيضًا منحازة للحاكم وذلك لأنها من صنع يديه .. حتي ذلك الأخير الذي قالوا عنه إنه جهاز قومي لحقوق الإنسان هو من صنع الحكومة ولا يمكنه سوى كيل المديح لها وتغطية عوراتها.
إذن .. هل يمكننا أن نقول إن النظام المصرى نظام استبدادي وخاصة إذا علمنا أنه يوجد مليون مواطن يسكنون المقابر بينما يوجد في المقابل مليونًا وحدة سكنية مميزة التشطيب أنشأتها الدولة للأغنياء.
وأنه يوجد في مصر 7 ملايين عاطل و9 ملايين شاب وشابة فاتهم قطار الزواج ومليونا معاق وخمسة ملايين مريض بالسكر وأقل من أربعين مليونًا تحت خط الفقر وعشرون رجل أعمال سرقوا 90 مليارًا عبر العشرين سنة الماضية.
بعد كل ذلك هل يمكننا أن نقول إن النظام في مصر نظام حكم استبدادي؟
سنترك الإجابة ليقولها عبد الرحمن الكواكبي لمن حسن حظه بقراءته.
****
الوفد 13 أكتوبر 2005
مرحلة فاصلة
يعيش الشعب المصري هذه الأيام مرحلة فاصلة من مراحل تطوره التاريخي والسياسي .. مرحلة تستدعي أن يقف جميع المصريين صفًا واحداً لدعم شوقهم إلي التغيير بعد أن تكلست السلطة وتعفنت آليات عملها وتسلل الوهن إلى عظام نظام الحكم والشعب علي السواء.
وأنا في نظري أري أنه كان من الممكن أن يقوم مرشح الحزب الوطني في انتخابات الرئاسة بعدم ترشيح نفسه وأن يعلن على الملأ أنه قرر عدم ترشيح نفسه لكي يترك الفرصة للأجيال القادمة في تحديد مستقبلها.
ولو أقدم مرشح الحزب الوطني وقتها علي هذه الخطوة لعدت بمثابة عبور جيد ولصفق له الجميع احترامًا وتجاوزنا – كشعب عانى من هيمنة الفساد والجوع والبؤس والتشرد – عن الجراح التي لحقت بنا منذ عشرات السنين نتيجة هذا الفساد .. ولكنا اعتبرنا هذه التجربة تجربة فريدة تستحق الاحترام وتعد تكفيرًا مقبولاً عن جميع الخطايا التي عانيناها.
ولكن ليس كل ما يتمناه الفرد يدركه، بل استمرت القافلة في السير ، وزورت الانتخابات، والشهود كثر لدرجة أنهم صاروا 70 مليونًا هم جموع الشعب المصري، وتناسي النظام أن الشعب يحتاج إلي من يُضمد جراحه لا إلي من يصب الملح فيها.
واختنقت أنفاس الشعب المسكين، المقهور تارة بالاستبداد وأخرى بالجهل .. ولم تعد المسكنات القديمة التي كان يقدمها نظام الحكم تجدي .. كأن يسحب جزءًا من الهواء الكامن في البالونة حتي لا تنفجر، وذلك لأن طول الاحتباس جعد من بشرتها فترهلت وصارت في حاجة إلي تكهين.
بل من عجب .. ومازالت جراح انتخابات الرئاسة ساخنة بعد .. أن يستمر النظام في تزوير إرادة الناس لمرة ثانية في أقل من شهرين، وذلك حينما أعلن صفوت الشريف – حسب ما نشرته الأهرام في صفحتها الأولي في أول أيام شهر رمضان المعظم – أن قافلة رموز "الأهلة والجمال" ستجوب الجمهورية بدءًا من 24 أكتوبر الجاري بوصفها رموزًا لمرشحي الحزب الوطني، وهو الأمر الغريب الذي لا يليق أن يقوله شخص بدرجة وزير، وذلك لأن توزيع الرموز ليس حكرًا للحزب الوطني بل هو بحسب أولوية المرشحين من كافة الأحزاب في تقديم أوراق ترشيحهم، اللهم إلا إذا كان عرافًا وقد تنبأ بأن مرشحي الحزب الوطني جميعهم سيحصلون علي رمزي الهلال والجمل!!
ولست أدري من أين جاءت لهم كل هذه الجرأة في الاستهانة بكل شيء مقدس في مصر، وأنا في هذا الصدد لا أعفي الشعب من مسئوليته في حماية قوانينه ودستوره من الانتهاك.
وإذا كنا نعيش الآن أيام في شهر رمضان المعظم، فلا يسعنا حاليًا ألا أن ندعو الله ونبتهل إليه عسى أن يصيبنا نفح من بركاته، بأن يخلصنا من الاستبداد والطغاة الذين هدموا كل منجزات شعبنا، وأن يرفع الغشاوة عن قلوبهم، وأن يكف أيديهم بقدراته عن الهبش والنبش من أموال هذا الشعب الذي اعتقدوا أنه شعب قاصر، وأن تعود كل أموالنا المسروقة وثقافتنا المغدور بها، وتاريخنا المناضل، وعروبتنا التي تسري في الدم.
ندعوه أن يجد الخمسة ملايين عاطل أعمالاً حقيقية لهم، وأن تتزوج الــ9 ملايين عانس – شباب وشابات – ممن فاتهم سن الزواج بسبب العجز عن تدبير حاجياته، وأن تقف الدولة مع محنة مليوني معاق نصفهم يمارس الشحاذة في الطرق وعلى الأرصفة.
ندعوه بأن يطعم الأفواه الجائعة من تلك الأموال التي سلبها فاسدو هذا الوطن، وأن يستطيع رب كل أسرة تدبير مصاريف المدارس التي صارت غير مجانية.
ندعوك يا مولانا أن تغفر ذنب من تاب من فاسدينا – شريطة أن يصلح ما أفسده – وأن تتوب عمن لم يتب.
ندعوك يا مولانا أن تصير مصرنا قوية كما كانت، ولا تصبح في ذيل الأمم كما هى الآن.
ندعوك يا رحمن فاستجب فقد استبد بنا المستبدون، وهُنا على العالمين، وما عاد ملجأ إلا إليك.
****
محيط – 21 يونيو 2010
عن الحزبية .. والتدجيل
قد تهاجموننى جميعكم، قد يتهمنى بعضكم بالفاشية وربما الرجعية ولكن ذلك لن يغير من قناعتى شيئا، فدعوني أبوح لكم بأننى ضد الحزبية بل إننى اعتبر الأحزاب لاسيما فى عالمنا الثالث والعربى تحديدا مجرد مجملات لوجه الاستبداد القبيح.
هذا الوجه الذى ما انفك من تجهيز حيلة حتى يبدأ فى الأخرى بما يضمن له السرمدية والدوام، وبالطريقة التى يساير بها روح العصر، فإذا كانت الروح السائدة فى العالم هى روح نظم الحكم المتفردة فهو قطعا نظام حكم متفرد , وإذا كانت روح التمثيل والديمقراطية , فهو نظام ديمقراطى , وإذا كانت شيوعية فهو شيوعى وإذا كانت رأسمالية فهو رأسمالى  , ومع هذا وذاك يبقى هو بشخوصه وسياساته وتختلف فقط الأقنعة والمسميات.
يا سادة .. أنا لم أعد مقتنعًا بالحزبية والنيابية فى بلادنا ,لأنها تحولت إلى انتهازية وفساد يرتدى ثوب الوطنية والديمقراطية , التى لا يعرف أحد ما هى.
ففى كل بلادنا العربية ربما بلا استثناء نجد أن الحزب الحاكم وهو بالمناسبة حزب لا يقوم على أساس الأفكار بل على أسس تربط مصالح الأعضاء والشلليات، يقوم بصناعة معارضيه ويمدهم بالأفكار والأشخاص بما يضمن لهم دورا مقنعا فى تمثيلية «المعارضة» وهو الأمر الذى يضفى له المشروعية ويجمل وجهه القبيح.
أنا أعجب من أناس يقصرون قياسهم على فساد النظام الحاكم أو صلاحه فى أية دولة عربية على مجرد وجود أحزاب معارضة فى هذا البلد من عدمه ,  وهم لا يحتاطون من أن يكون هذا النظام هو نفسه صانع تلك الأحزاب وملهمها الأول وراسم أدوارها.
ويحضرنى هنا وصف الزعيم الليبى معمر القذافى للحزبية بأنها "تدجيل" و"النيابية" ب"التمثيل" وأنا أؤيده فى ذلك وأضيف أنها فى بلادنا قد تتحول إلى خيانة عظمى للشعب بما تمارسه عليه من تغييب وتجميل للطغيان.
وأعرف أن بلادى تحوى نحو 24 حزبا جميعها صناعة تكاد تكون خالصة للحزب الحاكم وشخوصها هم شخوصه , رجال يعينهم هذا الحزب، بل إنه من ملهيات القدر أن تلك الأحزاب التى لا يستطيع مثقف مهما كان مهتمًا بشئون تلك الأحزاب أن يحصى فقط ولو مجرد أسمائها أو أسماء أو حتى توجهات برامجها , وذلك لأنها أحزاب تنشأ بليل بدون أعضاء أو حتى برامج على موائد الحزب الحاكم.
وقد بلغ الاستهتار فى "التدجيل" أقصاه حينما كان رئيس أحد أهم تلك الأحزاب وأكثرها وضوحا فى البرنامج وفى الأعضاء شقيقًا لوزير فى الحزب الحاكم.
إن خطورة الحزبية وضحت بجلاء لمن لديه أدنى بصيرة فى دولة مثل العراق  , فهؤلاء الذين لطالما هاجموا العراق فى عهده الوطنى قبل 2003 بحجة كونه لا يسمح بتكوين الأحزاب هم الآن ربما صاروا على قناعة بمصداقية ووطنية هذا الموقف، فأحزاب العراق نشأت من ميليشيات ارتكبت جرائم فى حق الشعب وتحولت الحزبية على أيديهم إلى طائفية بغيضة أكلت وستأكل الأخضر واليابس فى هذا البلد المنكوب بالخونة والعملاء الذين يعتلون الحكم الآن.
وفى العموم وفى المجمل تقاس العدالة فى البلدان بالمستوى الاجتماعى للسكان وبالنهضة الصناعية على المستوى العالمى، وهنا نجد أنه ما صنعت الحزبية فى بلادنا لا عدالة ولا نهضة ولا تداولاً للسلطة ولكنها كرست لسرمدية الحاكم كما أنها لم تصنع دولة صناعية متطورة كما صنعتها نظم لا تتخذ ديكورا لنخبتها الحاكمة فمنعت الأحزاب مثل الصين.
بل إن دولاً كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية التى تدعى التعددية وتعد مثالا للديمقراطية عند الكثيرين , نجد أن حزبين فقط يتداولان السلطة فيها منذ تأسيسها وأن هذين الحزبين لا يختلفان عن بعضهما فى التوجهات والمقاصد والسياسات إطلاقا وإن اختلفت الشخوص والأزمان كما أننا لم نسمع عن حزب ثالث لهما ذي توجه شيوعى أو قومى أو راديكالى أو يحمل فكراً مختلفاً .
كما أن هناك أحزابا – وهى فى الأغلب جادة وناجحة - تعلى من أهمية الانتماء إليها وتربيطات منتسبيها المصالحية عن أهمية الانتماء للوطن ومصلحته وقد يلجأ بعضها الى العدو الخارجى فى محاولة للانتقام من خصمه ويدفع الوطن والمواطن الفاتورة الباهظة لتلك المهاترات , بل إن الصراعات السياسية بين تلك الأحزاب عادة ما يدفع ثمنها المواطن البسيط الذى هو فى الحقيقة الوطن.
إننى بحق أدعو إلى إلغاء الأحزاب فى بلداننا العربية والكف عن التمثيل والتدجيل وممارسة لعبة الخداع ضد الشعوب وهو الأمر الذى قد يوفر الجهد المنصرف إليها ليتم تحويله إلى التنمية والتصنيع والعدالة كما كان الحال فى مصر عبد الناصر.
****
جبهة انقاذ مصر – 21 سبتمبر 2010
التوريث الفئوى .. أخطر أنواع الفساد المصرى
قائمة المسكوت عنه فى مصر لاتنتهى ..وحنفية الفساد لا تكاد أن  تقيد حتى تنفتح على مصراعيها بحيث صار  الناس يمتدحون  شخصا ما  وينزهونه ليس إلا لكونه اقل فساداً من شخص آخر افتضح أمره .. ثم أخذوا يبالغون فى امتداح خصاله حتى صاروا يمجدونه .
لقد اعتاد الناس على الفساد والفاسدين .. وتكونت ثقافة نفسية وأخلاقية وعرفية تشرع له ليكون ثالوث الماء والهواء.. وصار اختلاف الناس حول الفاسد يدور حول  الاختلاف فى حجم المسروقات .. فأباحوا أن تسرق أرنباً ومنعوا سرقة الجمل.
وراح البعض ينتقد الفساد بشدة وذلك ليس لكونهم خيرين خالصين ولكن لأنهم لم  يتمكنوا من سرقة الجمل فاكتفوا بالأرنب.
ولا يفوتنى الإشارة إلى انه ليس معنى ذلك الكلام أن جميع المصريين صاروا لصوصا فذلك يتنافى تماما مع المنطق والعقل ومع ما يتسم به المصريون من تدين فاذا كان هناك سارق لابد ان يكون هناك مسروق منه .. والذى هو بالطبع شعب مصر.
وعودة إلى الأمور المسكوت عنها وهى كما قلت كثيرة للغاية .. ولكن كان أخطرها التوريث الفئوى .. فإذا كان بمقدور أى مصرى أن ينتقد ما يسمى التوريث الرئاسى إلا أنه ليس بمقدوره أبدا انتقاد التوريث الفئوى وإلا سيكون بذلك قد القى بنفسه إلى التهلكة .. وبالقانون.
أنا واثق انه تدور فى كل قرية ومدينة فى بر مصر رحى  قضية توريث مصغرة .. ابن العمدة عمدة .. وابن ضابط الشرطة ضابط شرطة .. وابن الصحفى صحفى .. وابن أستاذ الجامعة أستاذ جامعة ..وهكذا.. وبالطبع هذا التوريث  مبنى على اعتبارات غير موضوعية  اعتبارات تعلى من قيمة الحسب والنسب  والمحسوبية والمدفوعات وتلقى بالكفاءات على الأرض لتحاصرها تفاصيل الفقر حتى تموت هماً وكمداً أو تنتبذ فى الصحراء مكانا قصيا.
إن ظاهرة التوريث الفئوى تبدو واضحة وبشكل فج فى أربع فئات كان ينبغى أن تنأى بنفسها عن الزج بنفسها  فى هذا السلوك المشين وهم السلك القضائى والسلك الدبلوماسى والشرطة والإعلام.
فلك أن تتخيل أن أسرة واحدة مكونة من ثلاثة أشخاص مثلا تجدهم هم الثلاثة يعملون فى السلك القضائى فضلا عن أولاد أعمامهم وأولاد عماتهم وأولاد الخال وأولاد الخالة وهكذا.. وبالطبع ما ينطبق على السلك القضائى ينطبق على الفئات الثلاث الاخرى.
ويحضرنى هنا الإشارة إلى  مفارقة على قدر ما فيها من سخرية إلا أنها مؤلمة ودلالاتها خطيرة .. فقد حدثنى صديقى عن انه توجد فى قريته عائلتان إحداهما العائلة التى ينتمى إليها هو وتضم نحو11شخصا يعملون بالسلك القضائى وعائلة منافسة اخرى يعمل فيها نحو 14 شخصا فى الشرطة .. وكان بسطاء الناس يطلقون على الأولى المحكمة والثانية المديرية وهم بذلك لا يقصدون السخرية.
وخطورة ظاهرة التوريث الفئوى لاسيما فى تلك المجالات الحساسة فى أنها تقتل الشعور بالعدالة فى مقتل وتدفع الناس دفعا لليأس الذى هو مفجر لكل الجرائم.
ودعونى أتساءل هل انزل الله العدالة على فئة معينة من الناس حتى يصيروا جميعا - وبربطة معلم - قضاة ؟! وهل الرؤية الأمنية توافرت لعائلة بعينها فصاروا ضباطا فى الشرطة ؟ وهل تصلح عائلة بعينها ليعمل كل أفرادها  فى السلك الدبلوماسى ويحق لها دون غيرها تمثيل مصر وتشكيل رؤيتها الخارجية ؟ وإذا كان من المفروض فى الصحافة  تشكيل وعى الناس من جانب ومراقبة أداء السلطات الثلاث من جانب آخر فكيف نورث تلك المهنة الحساسة لفئات من الناس ليسوا على أساس الكفاءة والمعرفة ولكن على أساس الأقارب والأصدقاء؟
وهل ينكر زملائى الأجلاء فى الصحف القومية - وأيضا الحزبية والخاصة - انه توجد أسر يعمل أفرادها فى مؤسسات بعينها كصحفيين أو حتى فى الشئون المالية والإدارية بحيث تجد الأم والأب والابن والابنة والأخ وابن الأخ والأخت وابن الأخت …الخ ؟
لا اجد اى وجه للعدالة فى هذا اوذاك .. فقرار بمنع تعيين شخصين تجمعهما صلة قرابة حتى الدرجة الخامسة  فى عمل واحد قطعا سيصب لصالح البلد.. وقطعا سيفتح المجال للجد والاجتهاد والإبداع.. اما لو استمر نظام التوريث الفئوى فحتما ستترهل البلد ولن تتقدم خطوة للامام.
إن التوريث الفئوى هو نوع من أنواع الإرهاب وأخطر أنواع الفساد وأشدها فتكا وينبغى أن تقف ضده القوى الوطنية وقفة رجل واحد وذلك حرصاً منها على مصلحة البلاد العليا.
أما لو لم نتخذ هذا القرار سنكون قد تواطأنا جميعا بالصمت وتركنا الوطن بمفرده ينزف الكفاءات التى أهدرت فى مفرمة الفساد والمصالح والخوف.
****
جبهة انقاذ مصر 10 فبراير 2011
حتى نقتص لدماء الشهداء
لا يجب أن  تسمحوا للطاغية  بانسحاب آمن من السلطة بعدما تخضبت يداه بدماء  مئات الشهداء الذين اقتطفهم من جناين مصر فى ثورتها المجيدة من اجل التحرر من الاستبداد والفساد والجهل ومن اجل آلاف الشهداء الذين سقطوا فى زنازينه وسجونه طيلة ثلاثين عاماً من التخلف والاستبداد.
ما شهدته وتشهده بلادنا هذه الأيام مروع فى جانب منه ورائع فى جانب آخر فقد سقط الشهداء ولكن انكسر حاجز الخوف والسياج الأمنى الذى طوقه الطاغية حول رقابنا منذ ثلاثين عاما.
سقط الشهداء ولكن توحد الوطن شيبه وشبابه حول هدف واحد "ارحل يا مبارك" , هم شهداء فى عمر الزهور أبوا  ألا يفارقوا ميدان الشهداء "التحرير سابقا" إلا وقد وجهوا رسالة للطاغية الثمانينى وهى أن دماءهم تهون فى سبيل تحرير الوطن وان مصر الولادة دائما أنجبت وستنجب أبطالاً مهما أراد الطاغية مبارك تخنيثهم وتدجينهم.
سقط شهداء منهم من سجل فى دفاتر المستشفيات ومنهم  من دفنوا فى مقابر جماعية بصحراء السادس من أكتوبر دون قيد او تسجيل بحسب ما روى شهود عيان موثوقون.
سقط شهداء ولكنهم سجلوا كمتوفين طبيعيين جراء اصابتهم بأمراض أو أزمات قلبية كما روى أطباء بمستشفى الدمرداش والهلال للمتظاهرين من ان السلطات الأمنية أمرتهم بذلك.
سقط شهداء جراء التعذيب بعدما اختطفتهم الشرطة من شوارع مصر فى جمعة الغضب وقاموا بتعذيبهم بشكل مفرط أدى للوفاة كما حدث مع حالتين فى بولاق الدكرور.
سقط شهداء قتلوا بدم بارد على يد البلطجية وبمساعدة ضباط الشرطة ولدينا معلومات بالأسماء عن قيام نائب للوطنى بتأجير أربعة من المسجلين خطر لقتل المتظاهرين بحدائق القبة.
الكثيرون من الجرحى سقطوا بعد ذلك شهداء دون أن يعرف أحد الأمر الذى يرجح أن يكون الضحايا بالآلاف.
إن ما حدث بحق جريمة ضد الإنسانية تستوجب العقاب الشديد لكل رموز الدولة التى ارتضت أن تروع نحو 85 مليونا من البشر من اجل إجهاض الثورة وتخويف الناس رغم ان الرسول الكريم يقول من روع مؤمنا فأنا خصيمه يوم الدين.
ليس من العدل أن نستكين و نفضل الاستقرار على القصاص لدماء الشهداء الذين ضحوا من اجل مصر والذين تحسر ذويهم لفراقهم , يجب عقاب القتلة ومن قبل ذلك الانتصار للثورة وإلا فكلنا مستهدفون بالقتل والإقصاء والإخصاء والتجويع.
لا يجب أن تتوقف الثورة حتى تحقيق كل أهدافها على أن يتم بعد ذلك إلغاء الدستور الحالى وحل جميع المجالس النيابية والأحزاب التى تأكد الجميع أن معظمها كان يدور فى فلك الحزب الحاكم ويعبر عنه.
أن معلومات عن امتلاك الرئيس وأسرته نحو 70 مليار دولار آثار فزع المصريين الذين اجروا عملية حسابية بسيطة فضربوا هذا الرقم فى 6 وهو سعر صرف الجنيه المصرى مقابل الدولار ثم طرحوه على عدد سكان مصر  فاكتشفوا أن نصيب كل مواطن مصرى يتجاوز الستة آلاف جنيه وهو ما يمكن أن يمثل حلا اقتصاديا ممكنا لازمة العديد من الأسر المصرية.
البعض يعيب على الصعيد بأنه لم يشارك فى الثورة وأؤكد أن هذا الاتهام باطل فالمظاهرات تكاد تكون شبه يومية فى كل من أسيوط وسوهاج والأقصر وقنا ونجع حمادى إلا أنها لم تحظ بتغطية إعلامية كما هو فى شمال البلاد.
فضلا عن أن الصعيد قد ضحى بآلاف الشهداء وآلاف المعتقلين الذين لا زالوا رهن غياهب السجون منذ عقود وذلك أثناء مقاومتهم لـ"حملة الصعيد" التى شنها النظام فى تسعينيات القرن الماضى وحرق قرى بكامل "شيبها وشبابها ونسائها وأطفالها" والحكايات لا تنقطع فى صعيد مصر لمن يريد تقصى الحقائق.
لقد كان ضابط  الشرطة الذى تلطخت يداه بدماء الشهداء فى صعيد مصر يعود للقاهرة فيقيم له النظام الاحتفالات ويطوقه بأكاليل الغار رغم أن يده لا زالت تقطر دماً وجوراً .
لكل ذلك لا يجب أن يرحل مبارك دون أن يدفع الفاتورة.
****
محيط – 16 فبراير 2011
مؤامرات حول ثورة الشباب المجيدة
لكل نجاح أعداء , ولكل ثورة ضحايا , ولكل إرادة أمة انتصار, مهما تعددت حيل ومخادعات الظالمين , أقول ذلك لأنني أحببت بحق ثورة الشباب ـ وأنا أجئ في ذيل قائمتهم ولكنني واحد منهم ـ وأخشى أن يسرق السارقون النجاح أو يجهضونه ووقتئذ لا يمكن لأحد أن يتخيل حجم الخراب الذي سيكون قد لحق بمصر خاصة حينما ينطفئ الشعاع الذي أضاء الظلام مرة ثانية.
أدرك أكثر أو ربما مثل غيري أن ثورة 25 يناير المباركة قد أعادت ضخ الدماء للجسد المنهك , الذي أوشك أن يتحول جثة هامدة , لا روح فيها ولا عزيمة لديها ولا نور يلوح في الأفق للخلاص.
 إنني بحق أخشى أن أستيقظ ذات يوم فأكتشف أنا ما تعيشه مصر هذه الأيام مجرد أحلام كرى في ليلة شتوية دافئة ومقمرة , ولذلك أخاف من أن تستيقظ مصر على خفافيش الظلام وقد لملموا فلولهم وراحوا يجرون الماضي البغيض ليدفعوا به أمامنا ليكون هو ذاته المستقبل.
دعوني أكون صريحا , فأنا خائف بحق على الثورة المباركة التي نعول عليها أن تكرس لبناء مصر الحديثة الحرة والقوية والديمقراطية , فحكومة النظام القديم هي ذاتها التي تدير الدولة الآن حتى لو كانت تحت مسمي "حكومة تصريف أعمال" وهناك أيضا عمال شركات يخرجون على مستوى الجمهورية طولا وعرضا يتظاهرون لمطالب فئوية - هي بالطبع عادلة ولكن توقيتها غير ملائم- والريب كل الريب في التوقيت المتزامن .. لها الأمر الذي  يذكرنا بتصرفات الشرطة عقب جمعة الغضب لاسيما أن جهاز أمن الدولة - كما هو معروف- يحكم قبضته بشده على كل المجالس النقابية في تلك الشركات ويعين أشخاصها تقريبا , ولعل الهدف من وراء ذلك هو إجهاض الثورة الحقيقية ذات المطالب العامة بتظاهرات فئوية متعددة تحمل مطالب خاصة , فضلا عما تحدثه من فوضى في البلاد قد تتيح للصوص الذين يتحكمون في مقادير تلك الشركات ترتيب أوراقهم لإخفاء السرقات أو يكون الهدف وراء ذلك خلق انطباع لدى عموم الشعب لأن النظام البائد كان الأفضل وذلك تطبيقا لسياسة مبارك "إما أنا أو الفوضى".
ومما زاد من مخاوفى تجاه عبث أيادي الأمن أو فلول الحزب الوطني أن عدداً من أئمة المساجد الحكوميين يقومون بالدعاء ضد الثورة والحديث عنها بوصفها (فتنة).
وكذلك لما لاحظته من قيام عدد من الأشخاص التي تبدو على وجوههم "سمات البلطجة " وهم في الغالب يسخرهم رجال الأمن وشراذم الحزب الوطني لشطب الشعارات التي تمجد الثورة من الشوارع ومحطات المترو ليس بهدف التجميل ولكن بهدف المحو.
ومن مخاوفي أيضا هذا العود المتدرج لرجال النظام البائد على شاشات الفضائيات وأولهم أحمد عز ثم أنس الفقي وما يتردد من حديث ستجريه قناة abc الأمريكية مع الرئيس المخلوع مبارك.
بل إن البعض ذهب إلى أفاق أكثر خطورة مؤكداً أن مبارك ليس مريضا بالدرجة التي تروجها وسائل الإعلام , ولكنه قادر على متابعة الشئون السياسية لمصر مع نائبه عمر سليمان لحظة بلحظة استعدادا للإنقضاض , وأن تسريبات مرضه كانت حيلة للعب على الحالة العاطفية للشعب المصري لاسيما بين الطبقة المهمشة من العمال والفلاحين.
هذه هي مخاوفي , ولكن مصادر اطمئناني أيضا لها قيمتها ووزنها فأنا أثق بالجيش وولائه لشعبه وليس لهذا الشخص أو ذاك وأعتبر أن إقدامه على حل مجلسي الشعب والشورى ومحاولة تعديل الدستور وتحديد مدة زمنية لنقل السلطة هي كلها أمور جيدة , ومعي ذلك نحن نطالبه بإقالة الحكومة الحالية واستبدالها بحكومة كفاءات انتقالية وتحويل النظام السياسي إلى نظام برلماني وحل الأحزاب وأمن الدولة والإفراج عن المعتقلين السياسيين كافة وتعويضهم ومحاربة الفساد.
نعم من حقنا أن نخاف على تلك الثورة فقد تنفس الشعب أخيراً هواء الحرية وزال الكابوس الذي جثم على صدر أمتنا ثلاثين عاماً كاملة خرب فيها البلاد وسرق ثرواتها وأهان كرامتها وسطحها وجهلها وغيبها وسلب إرادتها وباع أرضها للأجانب وسرق العوائد لنفسه وأتلف عوالم الأشخاص والأفكار والأشياء وأسس لثقافة الخيانة والفساد والمحسوبية واستمر يستنزف مقدرات البلاد والعباد جيلاً بعد جيل فتخلفت مصر العظيمة عن ركب الحضارة وانتشر الجهل والمرض والفقر وحولها بدلاً من زعيمة للتحرر الخارجي إلى زعيمة للاستعباد والاستعمار وجعلها كمقاول أنفار مأجور لتسليم البلدان العربية إلى إسرائيل.
لقد لوي نظام الطاغية مبارك ذراع المفكرين والمبدعين بالتجويع تارة والإرهاب تارة والسجن تارة وسار الجميع ملوثين بالفساد ترغيباً أو ترهيباً.
****
جبهة إنقاذ مصر- 14 مارس 2011
مبارك خائن و لص ومزور وقاتل .. وهذه هى الأدلة؟
لن أكون متجنياً أو ظالماً أو سفيهاً أو مغالياً لو قلت أن المستبد  المخلوع حسنى مبارك مؤسس  ما يمكن ان نسميها  نظرية " الاستبداد الناعم" هو خائن ومزور ولص وكاذب  وقاتل وزعيم عصابة وهذه هى الأدلة , فالديكتاتور المخلوع هو خائن لأنه خان مبادئ الجمهورية ومدد الحكم لنفسه بدلا من دورتين إلى نحو ست دورات متتالية ولم يكتف بذلك بل قام بالتخطيط لتوريث ابنه جمال مبارك منقلبا على أبجديات الجمهورية وبديهياتها.
وهو رجل مزور لأنه زور إرادة الشعب طيلة ثلاثين عاما كاملة المتمثلة فى صناديق الاقتراع فى كل الانتخابات البرلمانية والنيابية وأصبح المواطن البسيط يعرف ويتوقع من يفوز ومن يخسر فى أية انتخابات حتى لو كانت لجمعية تعاونية طبقا لقربه أو بعده من مبارك وليس من منطلق حب الجماهير أو كرهها له.
والرئيس مبارك لص أيضا لأنه سرق أموالاً وأودعها فى البنوك الأوربية والأمريكية ليس هو فحسب بل أسرته وحاشيته ناهيك عن سبائك الذهب والألماس – نشرت الأهرام فى نبأ  مقتضب تهريب 39 صندوقا للإمارات  منها قبل اندلاع الثورة بدون أسماء -  والعقارات التى قد نعلمها أو لا نعلمها وما كان باسمه أو بأسماء مقربين آخرين مع قيام بنوك أوربية بتجميد أرصدته مما يفيد وجود أموال مهربة وإن كنا لا نعرف حجمها كاملا علماً بأن راتب الرئيس القانونى طوال الثلاثين عاما لا يمكنه من جمع المائة مليون جنيه وليس 420 ملياراً "70مليار دولار".
ومبارك رجل كاذب لأنه كان يقول أشياء ويفعل غيرها وفترة حكمه أكدت لنا ذلك , وهو قاتل حيث أصدر أمراً بقتل آلاف الأبرياء فى الصعيد فى فترة التسعينيات تحت مسمى مكافحة الإرهاب وأصدر أيضا أمرا بقتل الأبرياء فى ثورة  الشعب المجيدة ناهيك آلاف المعتقلين الذين قضوا تحت وطأة التعذيب فى السجون بدون محاكمة.
والرئيس المخلوع يصلح كزعيم عصابة  لا رئيسا لدولة مثل مصر  حيث كون وحمى مجموعة من السارقين وأسبغ عليهم صفات الفضيلة وأسند إليهم الحكم وراح يخدع الجميع ويدعى أنه انشأ دولة ديمقراطية فقام بصنع معارضة وأحزاب وهمية وإعلام وهمى ومنظمات حقوقية وهمية  وجمعيات وهمية ومجالس نيابية وهمية وهكذا.
واعذرونى لو طالبت السيد عمرو موسى بالاعتذار على ما أصابنى من ذعر جراء تصريحات منسوبه إليه فى صحيفة اسبانية ينفى وجود جريمة ارتكبها ( مبارك ) حتى نحاكمه عليها ومصدر ذعرى هو أنك يا سيد موسى أسبغت البراءة على رجل مازالت دماء المئات من قتلاه لم تجف بعد وكأنك قصدت بمثل هذه التصريحات المستفزة ليس إهانة الشهداء أو أسرهم فحسب بل إهانة المنطق الذى يدرج قياسا إليه مفهوم المجرم وغير المجرم والجريمة والفضيلة .
دعنى يا سيد موسى وأنت رجل كان يحبه الكثيرون أن أقول إن كنت لا تعتبر هذه جريمة يُسأل عنها أعلى مسئول فى البلاد فدعنى أذكرك بجرائم أخرى لا يمكن ان نسامح عليها مبارك ونظامه وهى جرائم على كل طيف ولون وفى كل المجالات فهل تنكر ان نظام مبارك وعبر ثلاثين حولا كاملا قام إعلامه بتجهيل وتسطيح الناس وتغييب وعيهم والتفنن والإبداع فى خداعهم وتضليلهم والسخرية من عقولهم فضلا عن تسخير الاعلام تحت خدعة مصلحة مصر فى النيل من الخصوم والأعداء ومن أجل تحقيق مصالح للرئيس تارة وابن الرئيس تارة وحرم الرئيس تارة وكأن هذا البلد  مجرد عزبة لعائلة مبارك كما حدث فى موضوع  مباراة "مصر والجزائر" والتى ثبت تورط علاء مبارك خلفها دفاعا عن مصالحه الاقتصادية بحسب الفيجارو الفرنسية .
أليس مجرماً يا موسى من يروع الملايين كما حدث عقب جمعة الغضب ويقتل الآلاف بينهم نساء وأطفال وشيوخ كذلك ما حدث فى حملة الصعيد التى قادها مبارك على صعيد مصر تحت شعار مكافحة الإرهاب فراح جنوده يبورون آلاف الأفدنة من زراعات القصب ويحرقون محاصيل القمح والذرة وراحت امن الدولة تقتحم البيوت وتقتل من فيها نساء وأطفال وشيوخ ثم تأتى صحف الحكومة لتقول إنهم إرهابيون هاجموا الشرطة كما حدث فى قرية بنى هلال بالقوصية عام 1993 حيث أبادت الشرطة القرية بكاملها تقريبا وما تكرر من إخراج محجوزين مقيدة أيديهم بالسلاسل من أقسام الشرطة ثم إطلاق النار عليهم وبعد ذلك تنشر الصحف أن تسعة إرهابيين حاولوا اقتحام قسم شرطة " أبو تيج بأسيوط" وما حدث من قيام الشرطة بالقبض على عشرات المعتقلين وتقييدهم وإطلاق النار عليهم فى الحميدات وقفط وفرشوط ونجع حمادى وأبو تشت والبلينا وكل مدن الصعيد مليئة بهذه الشواهد والمدهش ان جميع الضحايا تقريبا أبرياء وان عمليات القتل جميعا الناس شهود لها فضلا عن العديد من عمليات الاغتصاب والترويع وحرق المنازل وتسخير البلطجية ضد المثقفين وحملة العلم .
 ومن أهم الشواهد بالغة الدلالة على الاستبداد فى عصر مبارك الذى دام ثلاثين حولا أن ضباط الشرطة كانوا يطلبون دوريا من خواص العائلات فى القرى والنجوع دفع فدية مالية شهرية او سنوية لشراء أسلحة يتم تحريزها كمضبوطات فى حملاتهم بل ان الضباط أنفسهم كانوا يبيعون المخدرات للبعض أحياناً ويدسونها للبعض أحايين أخرى .
التفاصيل يا سيد موسى كثيرة قد نغرق فيها تماما  ولكن لا يمكن لرجل جهَّل شعبه أن يكون بريئا ولا يمكن أن يكون لرجل أفقر وأمرض ولعب فى ثقافة وطبائع شعبه أن يكون بريئا خاصة حينما جعل سمعة المصرى فى العالم كله سيئة للغاية .
لا يمكن ان يكون الشعب فاسد ما لم يكن رأسه افسد فقد يحتال الرجل وأسرته وقد يحاول تجميل صورته أو يجملها له البعض وقد يتلاعب البعض هنا أو هناك من أجله إلا انه لاشك سرق ثروات البلد قد يقول البعض إنها اقل من 70 مليار دولار "420 مليار جنيه مصرى" وأنا أرى أنها اكبر من ذلك ولكن بالقطع هو لص وإلا فما هى تلك الأموال التى أعلنت سويسرا عن تجميدها وهل ينكر احد أن البلاد استنزفت أرضاً وفضاء وبحرا فى ظله .
هل ينكر موسى ان مبارك خان مبادئ الجمهورية وراح يستعمل سلطاته بعد تزييف المجالس لسنوات طويلة فى تعديل الدستور وتفصيله على هواه فى التمديد ثم بعد ذلك سعيه للتوريث ؟
هل تنكر انه قتل حرية الرأى والإبداع وخلق جمهورية أخرى داخل الجمهورية صنعها على هواه فصنع حكومته ومعارضته بكافة تدرجاتها وصنع أحزابه وكتابه وفنانيه وصدَّر هذا الوضع للعالم باعتبار ان هذه هى مصر الكبيرة فلم يسمع قط لصوت مصر الأصلية إلا مصر التى صنعها والتى تقاسمت ثروات البلاد طولا وعرضا وصار اللص فى عهد سيادته لا يخرج من الشباك كما جاء ولكنه يدخل ويخرج من الباب وفى وضح النهار ويضرب له الجميع تعظيم سلام ويبادر البعض بإضفاء التقديس وإسباغ الاحترام له .
هل ينكر موسى أن مبارك كان عميلا لإسرائيل وليس أمريكا كما هو سابقه وانه احد أهم أسباب غزو العراق واستشهاد الملايين من أبنائه وأنه سخر دور مصر العظيمة المقاومة كمجرد حارس لأمن إسرائيل ومصالحها تارة ضد العراق وثانية ضد حماس أو إيران وأخرى فى السودان ورابعة ضد إفريقيا وهكذا .
 هل تنكر أن من اكبر جرائمه وهى الأهم الوقوف ضد أية تنمية مصرية تقود إلى إنشاء دولة عصرية ديمقراطية حرة يمكن أن تنافس على الاستقلال فى العصر الحديث .
هل تنكر يا موسى ان مبارك يعادى الفكر والمنطق وتكرس نخب عصره للجهل و الدجل والانتهازية وصار شعاره ليس البقاء للأصلح ولكن للأغبى وللأفسد والأكثر سرقه ونهبا.
 أنا فى الحقيقة لا أجد أن مبارك صنع أو ترك دولة فموقعة الجمل فى ميدان التحرير كانت تعبيراً بليغاً عن فكر مبارك الرخيص والاستبدادى.
***
محيط – 29 ابريل 2011
مظاهرات قنا .. ثورة فى غير محلها
شعب قنا شعب طيب , صادق وأصيل وقوى العزيمة , لكنه يتصرف بعفوية شديدة ويمكن أن ينقاد بسهولة وراء أى محتال أو مغرض , طالما أنه ظهر لهم بثياب الحمل لا الذئب , أو لمجرد أنه قال لهم إنه شخص طيب , وهو شعب يخدع بظاهر الأمور فى الغالب ولا يكلف نفسه عناء البحث فى مدلولاتها.
وأنا كواحد من أبناء محافظة قنا اعترف بأن ما يحدث هناك من مظاهرات احتجاجاً على تعيين محافظ جديد وما تلاها من قطع للسكك الحديدية والطرق الدولية , هو أمر فى غير محله , بل هو أمر معيب ولا يمكن القبول به لاسيما أن من جاءوا بهذا المحافظ  هم رجال الثورة وليس رجال مبارك , وخاصة أن ذلك يأتى فى ظل ثورة تحدث عنها العالم , وتقول أدبياتها أنه قامت احتجاجا على الطائفية التى غذاها النظام البائد وجهازه الأمنى اللعين , وأن تلك الثورة تقف مع العدل والمساواة , وأنها تعبير عن إرادة الشعب , مسلمين ومسيحيين , بحاروة وصعايدة , عمال وفلاحين , شيوعيين وقوميين وليبراليين وإسلاميين , وتلك الأدبيات والشموليات هى التى جعلت العالم كله يتعاطف معها .
إلا أن من حرم من الحرية نحو 30 عاما لدرجة أفقدته معناها وقيمها  وقيمتها , قام بخلع جميع ملابسه وأراد السير بين الناس عاريا  حينما سمحوا له بالتعبير عن رأيه ظناً منه أن هذه هى الحرية التى افتقدها طوال هذا الردح الكبير من الزمن , وقديما قالوا إن ابنا سأل أباه "علمنى التفاهة , فقال الأب : تعالى فى الفارغة وتصدر".
والفارغة هنا أن يكسر أبناء بلدى القنائية المزاج العام للشعب والبلاد التى تعيش أجواء كرنفالية ثورية عظيمة فيها ما فيها من تسامح وإخاء , وراحوا يطالبون بإقالة محافظ جديد لم يجلس على كرسيه بعد , وحجتهم فى ذلك أنه مسيحى , إنه عذر أقبح من ذنب , وهو عذر غير عادل بالمرة وأساء بشدة إلى الثورة والثوار فى نظر العالم , الذى يراقب المشهد المصرى عن كثب , كما أحرجت حكومة ابن الثورة البار الدكتور عصام شرف وكذلك رجال المجلس العسكرى وهما الذين ينفذون إرادة الشعب , خاصة أن تلك الثورة سُوقت عالميا  على انها ثورة عدالة اجتماعية وليست ثورة طائفية تقصى الأغلبية فيها الأقلية .
كنت أتمنى أن يقود أبناء بلدى تلك المظاهرات ضد نفس المحافظ الجديد بحجة انه رجل من رجالات النظام البائد , وقتها كان الجميع سيقف معهم وعلى رأسهم الدكتور شرف نفسه , ولكن لأنهم رفعوا شعار كونه " مسيحياً " لتبرير إقصائه فقد اخرجوا الموضوع عن سياقه , وأساءوا بشدة للمسيحيين شركاء الوطن بالداخل أولاً وللثورة ثانيا , وبالتالى لا يمكن أن يستجيب لا المجلس العسكرى ولا مجلس الوزراء لمطلب الإقصاء , ولن يتعاطف مع مطالبهم كل ابناء الثورة , فضلا عن فقدان الاحترام خارجيا , ولو استجاب المسئولون لهذا المطلب الآن فسيكونون قد دشنوا – فى نظر الداخل والخارج – لحقبة طائفية وبالتالى تلطيخ ثوب الثورة الأبيض فى عيون المراقبين .
أنا بصراحة مشفق جداً على المسئولين – الحكومة والمجلس – جراء تلك الأزمة التى تسببت فيها قلة الوعى  التى سقاها مبارك للناس سقاية , ولذا يجب أن اسرد شكوكى حول المتسببين فى اشتعال تلك الأزمة وخداع الشباب المتحمس وهم ثلاث فئات :
الأولى هم أصحاب المصالح وهم الذين يطمحون فى ان يتقلد شخص يخّدم على مصالحهم زمام المحافظة ويطرحون أسماء بعينها مثل اللواء عادل لبيب المحافظ الأسبق رغم انه ركن من أركان النظام البائد وسبق أن طرده الاسكندرانية شر طردة.
والثانية هم بعض العائلات التى تنتمى للوطنى المنحل , وهم عائلات صغيرة العدد فاحشة الثراء ,  أضرت الثورة بمصالحها , فراحوا يرسلون برسالة يقولون فيها أنهم أقوياء وقادرون على تحريك الشارع , ولذا يجب التفاوض معهم للخروج من الأزمة , الامر الذى يعيدهم إلى تصدر المشهد السياسى مجددا.
والثالثة وهم شخصيات ذات تأثير واسع على البسطاء والمهمشين , تقودهم عواطف عنصرية , وان كان ينقصهم الوعى السياسى , وأمثال هؤلاء بعض السلفيين .
ودعونى أقدم اقتراحات للخروج الأمثل من تلك الأزمة بما يحفظ للثورة ثوبها النقى الأبيض الطاهر , وهى ان يقوم الدكتور عصام شرف بتعيين محافظ آخر للمحافظة يشترط ان يكون مسيحيا وينتمى لصفوف المعارضة للنظام السابق وأنا أرشح هنا الدكتور جمال اسعد المعارض الناصرى البارز.
وبهذا الاقتراح سنكون قد جنبنا الثورة تلطيخ ثوبها بالعنصرية , وتجنبنا الإساءة لشركاء الوطن من جهة أخرى , كما احذر المجلس العسكرى أو مجلس الوزراء من ان يرشح أياً من أبناء قنا لتولى زمام أمور هذه المحافظة لاسيما فى هذه الأوقات الاستثنائية.
واقترح على الزملاء الثوار – لاسيما شباب الإخوان المسلمين -  فى قنا تنظيم مظاهرات حاشدة تدعو وتؤكد للوحدة الوطنية .
وأرجو من شباب الثورة فى قنا تجنب الاندفاع فى مطالب غير موضوعية , وان يركز على طرد فلول النظام البائد وان يصنع مستقبلاً أفضل , وان يرتب أولويات مطالبه , ومدى إمكانية تحققها , وما أهمية تلك المطالب , ومن يضار منها ومن يستفد , مع العلم بأن هناك اتجاهاً لدى قطاعات واسعة من شباب الثورة تنظيم مظاهرات مليونية تطالب بالوحدة الوطنية وعدم العنصرية , الأمر الذى قد يسىء إلى شباب بلدى ويظهرهم على غير ما يقصدون بأنهم من أنصار الثورة المضادة.
****
محيط – 10 مايو 2011
خطة الوطنى للاستيلاء على الحكم
استمرت الاضطرابات التى ينظمها رجال الاقطاع فى فرنسا عقب الثورة الفرنسية سنوات عديدة ربما دامت 12 عاما كاملة , ثم برزت بعد ذلك الإمبراطورية الفرنسية وعبرت حدودها الضيقة إلى ما وراء البحار والمحيطات محققة واحدة من كبريات الإمبراطوريات فى التاريخ , إذن فلم تحقق الثورة المضادة -أو محاولات المقاومة بتعبير أدق - شيئاً سوى أنها عطلت انطلاق القطار لبعض من الوقت ولكنها لم تستطع منعه, وفى اندونيسيا لم يستطع أنصار نظام الديكتاتور "سوهارتو"- وهو نظام شديد الشبه بنظام مبارك اللصوصى - احتواء الثورة الشعبية التى أطاحت به وبنظامه فى العقد التاسع من القرن المنصرم وباءت كل محاولات رجاله لإشعال الفوضى أو"الثورة المضادة" بالفشل على مدى ثلاث سنوات ثم انطلقت قاطرة اندونيسيا التنموية وتحولت شيئاً فشيئاً إلى دولة مصدرة للتقنيات والتصنيع.أقول ذلك لمن اعتقدوا أن بإمكانهم ان يجروا القاطرة إلى الوراء أو أن يطفئوا نور الله الذى انعم به على مصر بعد طول ظلام وإظلام, وهى محاولات يائسة وفاشلة , ستقاومها يد الله خالق تلك الثورة قبل أن يقاومها الثوار أنفسهم.وما محاولات أزلام مبارك وبقاياه لإثارة الفوضى إلا واحدة من مخطط كبير لكى يعود اللصوص لحكم مصر مجددا,ويستمروا فى امتصاص دم الشعب , واستغلال حالة الانخفاض الثقافى التى هم من جذر لها وعمقها فيه , لتكون المعادلة أما نحن أو الفوضى , مع الأخذ فى الاعتبار فى هذه النقطة ان النجاح الكامل للثورة يعنى ليس تجريد هؤلاء من الأموال التى نهبوها فحسب, ولكن إيداعهم فى السجون وربما الإعدام , فضلا عن الفضح الاجتماعى , وبالتالى فان عرقلة تقدم الثورة بالنسبة لهم هى قضية حياة أو موت.خمسة محاور رئيسة للانقلاب على الثورة هى "الأحزاب الجديدة" و"تغذية النعرات الطائفية " و"الانفلات الأمنى" و"المطالب الديمقراطية" و"التشكيك فى النزاهة" ولكل فئة شرحها.فلقد استغل أزلام مبارك المناخ الديمقراطى الذى أتاحته قوانين تشكيل الأحزاب السياسية بعد الثورة وراحوا بما لهم من أموال وأحياناً امتدادات طائفية إلى التسلل عبر تلك الأحزاب وأيضاً تأسيسها , وارتدى معظمهم ملابس الثوار, وراحوا يغرقون المجتمع بسيل من الأحزاب التى لا تحمل فكرا أو برنامجا أو توجها ذا قيمة , وحتى لا يكتشف أمرهم قاموا بتصدير وجوه جديدة لقيادة تلك الأحزاب , واعرف - من مصادرى الخاصة - أن توجيها صدر - لا اعرف مصدره - لكل المشيخات الخاصة بالحزب الوطنى بإنشاء أحزاب جديدة الأمر الذى قد ينتج عنه ظهور آلاف الأحزاب للضوء وجميعها تنتمى للحزب الوطنى , على أمل أن تأتلف ذات يوم فيعود الحزب الوطنى وبرموز فساده ولكن باسم جديد وبشكل أقوى.ومن تلك الاحزاب حزب يسمى "المواجهة " أسسه شخص كان يدعو للتوريث وتربطه بجمال مبارك علاقة وطيدة ويبدو انه تلقى تمويلا ضخما فراح يركز على الفيسبوك وينشر إعلانات مدفوعة الأجر عليه , واستقطب عددا لا بأس به من الشباب الذين يجهلون حقيقته , وكذلك هناك حزب "الحرية" الذى أسسه معتز محمد على محمود صاحب مصانع اسمنت قنا ويضم فى عضويته قطاعاً كبيراً من أغنياء الحزب الوطنى , وكذلك حزب "التضامن" الذى أسسه رجل الأعمال "أبو المواهب المحرزى" شقيق القيادى فى الحزب البائد "أبو النجا المحرزى" وقد أعلن عن تأسيس هذا الحزب - وعبر حيلة - من خلال قاعة مؤجرة بنقابة الصحفيين , وعمد إلى حذف كلمة "المحرزى" حتى لا يفتضح أمره, علما بأن أبو المواهب المحرزى تربطه علاقة وطيدة مع أبو الوفا رشوان حارس مبارك الشخصى , ويقوم حسام مروان صاحب منتجعات ارابيلا التى كان يقطن بها علاء مبارك بتأسيس حزب سياسى بالتعاون مع قيادات مشيخة الحزب الوطنى بالقاهرة الجديدة.وهناك حزبا " نهضة مصر"و"نهضة الثورة المصرية" ومقر الأخير فى ميدان رمسيس , وكلاهما ينتميان للحزب الوطنى, كما توجد أيضاً أحزاب تحمل أسماء الثورة  مثل " حزب 25 يناير" وعلى الأرجح انه تم تغيير اسمه بناء على قانون الأحزاب الذى يحظر احتكار اسم الثورة لحزب ما.ويجرى عبد الرحيم الغول مساعيه لتأسيس حزب فى نجع حمادى بقنا بينما يقوم رجل النظام والمعارض - معا- رجب هلال حميدة بالمشاركة فى "اتحاد القوى الوطنية" مع آخرين من الحزب الوطنى.ولا يفوتنى أن انوه إلى أن قانون الأحزاب الجديد لا غبار عليه وان رقم الخمسة آلاف توقيع لا يمثل معضلة بل نطالب بأن يكون عشرة آلاف توكيل لضمان الجدية , ولكن بشرط ان يتم إشهار الحزب فى الصحف الرسمية على نفقة الدولة وان تخفض مصروفات إجراء التوكيلات , مع ضرورة ان يجرى تنفيذ القانون بأثر رجعى على الاحزاب القديمة , لان احصاءا لعدد المنتمين لنحو عشرين حزبا قائما فى مصر الآن - من اصل 24 على ما اعتقد - قد لا يتجاوز الألف عضو مجتمعين , وهى أحزاب وهمية يقودها رجال امن الدولة المنحل وقد أسست لإكمال الديكور الديمقراطى للحزب الوطنى.وما مظاهرات قنا وما سبقها او تلاها من أحداث الا واحدة من الاساليب الواضحة ل"تغذية النعرات الطائفية" والقبلية التى عمد اليها أزلام مبارك , وكذلك تغذية الصراعات الثأرية فى المنيا , وأنا أتصور أن قضية السيدة كاميليا شحاتة زوجة كاهن مغاغا قد تصلح - بحسب رؤية رجال الوطنى - ان تكون المفجر لفتنة طائفية عنيفة قد تعصف بالثورة والثوار, وقد ينتج عنها احد خيارين أما تحويل كثير من المسيحيين والسلفيين الى مناهضين للثورة فى حال ارتخاء يد الجيش , أو أن تمتد يد الجيش لتقمع الجميع ويتم التضحية بالدولة المدنية.وكذلك إيهام رجال الحزب الوطنى والأمن السابقين ل "البلطجية "و"المسجلين خطر" بان الوقت سانح لهم بان يبطشوا بالمجتمع والانقضاض على الثورة قبل ان تنتصر فيتحولوا هم الى وقود لها , او على الأقل إنهم لن يحصلوا على ما كانوا يحصلون عليه من مزايا فى النظام القديم.وقد لعب المخططون لهذه الأحداث على فضول الشعب المصرى بحيث تعطل أية معركة بين عدة أفراد المرور فى الشوارع , ليس بسبب المعركة , ولكن بسبب الآلاف الذين وقفوا يشاهدون تفاصيلها , وهو ما حدث فى المعركة التى دارت بشارع عبد العزيز والتى نشبت بين نحو 20 شخصا ولكن الآلاف وقفوا ليشاهدوها مما عطل المرور لعدة ساعات وسط القاهرة , وبالطبع نمت الشائعات المرعبة حول حقيقة ما يحدث , مما خلق انطباعا بأن هيبة الدولة سقطت بسقوط الطاغية مبارك.أما رابع تلك النوعيات فهى "المطالب الديمقراطية" وهى مطالب عادلة ومشروعة ولكن الإصرار عليها فى هذا التوقيت الحرج حيث توقفت حركة الإنتاج وتراجع احتياطى النقد للبنك المركزى قد يقود إلى كارثة.والوسيلة الأخيرة من وسائل الانقضاض على الثورة فهى "التشكيك فى نزاهة " بعض الشخصيات التى ساهمت فى اندلاع الثورة  , وقد بدأ الأمر من مجرد تشكيك فى بعض الثوار من الشباب , الى التشكيك فى كل الشخصيات التى تمثل ثقلا عند أنصارها , ولم ينجو احد من تلك الحملات التى طالت الجميع , مرورا بموسى والبرادعى وحمدين والبسطويسى وحتاتة وبلال , بل انه بعد زيادة شعبية الدكتور عصام شرف وإنجازه فى ثلاثة اشهر ما لا يمكن إنجازه فى عدة سنوات راحت صحف تشن عليه حملة مغرضة وتختلق القضايا التى تطعنه بها , وتتهمه بالضعف تارة والعمالة تارة وادعاء البطولة تارة بل إن إحدى الصحف لم تجد ما تتهمه به , فتساءلت عن السبب الذى جعله يترك مصر وذهب للعمل فى الخارج ثم يعود قبيل الثورة , وراحت اخرى تترك النشر فى المليارات التى نهبها مبارك وعصابته وفردت مانشتا عريضا تتهم شرف بأنه حصل لوالدته على علاج بقيمة 100ألف جنيه , وهى اتهامات فى الغالب لا تسىء لشرف بقدر ما تسىء لمن اتهموه.
*****
محيط – 29 مايو 2011
عن مخطط تخريب الثورة وتسفيه الثوار
منذ أيام قلائل نشرت صحيفة "روزاليوسف" تحقيقا مثيرا حول أحداث إمبابة , الصحيفة أوردت اعترافات نادرة لعدد من البلطجية الذين شاركوا فى إشعال فتيل تلك الأزمة - التى أساءت للثورة بشكل خطير - وراحوا يسردون الأرقام التى تم دفعها  لهم - 5 آلاف جنيه للواحد منهم - واسم ضباط الشرطة الذين قاموا بالدفع لهم ممن يعملون فى قسم شرطة امبابة , والعمل الذى يجب ان يقوموا به وهو إحداث تجمهر وإثارة الفوضى واختلاق الشائعات وتغذية الشعور الطائفى واطلاق النيران بشكل عشوائى لإثارة الهلع , ورغم أننى تصورت ان هذه الاعترافات ستقلب الدنيا رأسا على عقب لاسيما أن من نشرتها صحيفة قومية , إلا أن شيئا لم يحدث وكأنها لم تنشر أساساً , وما يزيد الطين بلة أن شهوداً أكدوا انه لا قوات الشرطة ولا الجيش تدخلت للسيطرة على الموقف - رغم تواجدهما - حتى سقط  ضحايا من المسلمين والمسيحيين.
وفى برنامجه الشهير "آخر كلام" على "أون .تى. فى " راح الإعلامى الرائع يسرى فودة يستضيف ثلاثة من رؤساء القطاعات فى الجهاز المركزى للمحاسبات - أكبر وأهم جهاز رقابى فى مصر- حيث قاموا بتفجير الموقف تفجيرا , حيث كشفوا بالمستندات ما لا يخطر على بال , عن أن تقارير القمح المسرطن ظلت حبيسة الأدراج  ليس فى عصر مبارك فحسب ولكن استمرت فى محبسها حتى الشهر الماضى , ولم تخرج سوى بضغوط شديدة على رئيس الجهاز , ليس ذلك فحسب بل راحوا يقولون ما يفهم منه إنهم يمتلكون الأدلة على استمرار تواصل رئيس الجهاز الحالى مع مبارك حتى الآن , ولمن لا يعرف فان ما جاء فى التقرير أن آلاف الأطنان من الأقماح المسرطنة تم استيرادها بربع الثمن وبيعت بخمسة أضعاف الثمن للحكومة رغم عدم سلامتها , ومن أجل التغطية على فسادها خلطت فى ملايين الأطنان من الأقماح البلدية السليمة , الأمر الذى تسبب فى انتشار الأمراض السرطانية والكلوية والكبدية , وقالوا إنهم يمتلكون تسجيلات يحذرهم فيها الملط من فتح هذا الملف لأن " فخامة الرئيس" يرغب فى  إغلاقه , حتى الآن والمفاجأة لم تذكر بعد والتى تمثلت فى وجود نحو 77 مليار جنيه فى البنك المركزى أكدوا أنها مخصصة للصرف على الثورة المضادة .!!
فى الواقع توقعت أن لا يصبح صباح جديد على مصر بعد تلك الحلقة إلا وسنجد شيئاً من اثنين , أما أن يطل علينا مبارك وعصابته من شاشة التلفاز ويخرجون لنا ألسنتهم ويقولون "انتم صدقتم الثورة , إحنا ضحكنا عليكم "واما نكتشف ان المتظاهرين فى أجواء جمعة الغضب عادت مجددا تنادى "الشعب يريد إسقاط الرئيس" لكن أيا منهما لم يحدث صباحا فحمدت الله , وصليت له ركعتين تمنيت فيهما على الله ان يتم نوره على مصر.
وفى مقال له كتب "الدكتور محمد عباس" صاحب مقالة "من يبايعنى على الموت" الشهيرة أن أصدقاء له يعملون فى جهات كانت تتعامل مع جهاز أمن الدولة - سابقا - أن ضباط الجهاز المنحل أطلقوا جميعا  لحاهم ورجح "عباس" أن يكونوا هم من يمثلون أدوار السلفيين فى حيلة لافتعال وقيعة بين طبقات المجتمع وطوائفه, فى حين أكدت لى زميلة زوجها يعمل عميد شرطة أن جهاز أمن الدولة يعمل بكامل طاقته الآن وبشكله القديم ولم يتغير سوى الاسم فقط لا غير.
ومنذ أسابيع تواتر النشر من قبل صحف أوروبية وأمريكية عن أن " الترليونير" الهارب حسين سالم اتفق مع شركة تعمل فى مجال " تحسين سمعة الأشخاص السيئين" لتحسين سمعة مبارك وزوجته وأولاده مقابل مليار دولار, بحيث تقوم بشراء الذمم والشهود والمستندات التى تؤدى الى تبرئتهم من كل ما هو منسوب إليهم من فساد , وفى نفس الصدد نشرت صحف أوروبية وعربية أن عددا من رجال الأعمال العرب والأوربيين رصدوا 100 مليون دولار لتبييض وجه مبارك عالميا.  
وإزاء هذا الكم من المعلومات - ومنها ما لا نستطيع أن نذكره لقسوته وصادميته - كان يجب أن نرى تغييرا , ولكن الأفعال عكس الأقوال , فما أن يتم التحقيق مع سوزان ثابت حتى نفاجأ بأنها مريضة تحتاج لجراحة عاجلة , ثم تفيد تقارير إنها سليمة , ثم تقارير تؤكد سوء حالتها النفسية , وبدلا من أن يطبق القانون عليها فوجئنا بأنه تم التصالح معها بشكل انفرادى بحجة إنها تنازلت عن أملاكها للدولة " قصر أثرى تابع للدولة أساساً كانت قد استولت عليه و24 مليون جنيه وهو مبلغ لا يكمل ثمن فيلا من مئات الفلل التى يبيعها شقيقها الهارب منير ثابت فى جولف القطامية", وهو الأمر الذى تلاه وسبقه الإفراج عن أمين أباظة ومفيد شهاب وفتحى سرور ثم زكريا عزمى وآخرين , وكأن ما حدث مجرد تمثيلية وحينما انفضت خرج الممثلون .
ولقد لفت انتباهى أمر قد يبدو بسيطا لكنه ترك فى قلبى قبل ذهنى انطباعا حزينا , وبعضا من الريبة , فما إن أدلى الأستاذ محمد حسنين هيكل بشهادته أمام جهات التحقيق حول تصريحاته بشأن ثروة مبارك , حتى تبارت وسائل الإعلام الرسمية فى التأكيد على أن المعلومات التى تم الإدلاء بها كانت مبنية على ما نشر فى وسائل إعلام خارجية كما لو كانت تريد أن تؤكد أن مبارك برىء وهيكل بالغ فى تصريحاته ومعلوماته فشنك , لاسيما أنه فور إدلائه بتلك التصريحات , شن الطابور الخامس من الكتاب والصحفيين " كُتاب أمن الدولة " هجوما حادا عليه من خلال البحث فى تاريخه وكأنه هو من ارتكب جرما فى حق الشعب وليس مبارك.
الآن دعونى أرصد تقديراتى عما حدث فى مصر الثورة  وأنا لا ألقى اتهاما على أحد :
* فإطلاق حرية الأحزاب قبل إتمام الثورة لأهدافها كاملة بقدر ما هى تقدم نحو الديمقراطية , إلا انه من الممكن أن تعتبر محاولة لتفتيت وحدة الثوار وتحزبهم , وبالتالى إظهار الخلافات الفكرية الطبيعية بينهم مبكرا, فضلا عن اختراق هذا المناخ بتأسيس عدد كبير من الأحزاب المنبثقة عن الحزب الوطنى وهو ما إذا أضفنا له وجود نحو 20 حزبا من الأحزاب القديمة التى أنشأها جهاز " أمن الدولة" ستكون الغلبة لأحزاب الوطنى , وهو ما أشرت له تفصيلا فى مقال سابق بعنوان "خطة الحزب الوطنى للاستيلاء على الحكم".
* أما التلويح بالأزمة الاقتصادية وتضخيمها فهى محاولة لإعادة تشكيل وعى الأغلبية الصامتة من "المهمشين "و" ناقصى الوعى" بأن الثورة ومليونيات التطهير هى السبب وراء سوء أحوالهم الاقتصادية وليس نظام مبارك ,رغم أن تلك الأزمة ليست جديدة على المصريين , وهم يعيشونها منذ سنوات بل إنها هى مفجرة الثورة أساساً , ولا احد ينكر تفاقم أزمة البطالة فى عصر مبارك , ولا ينكر أيضاً أن الأزمات التى يعيشها المصريون الآن هى أزمات موسمية تحدث كل سنة , مثل أزمة الغاز والسولار والخبز والخضروات حتى انه فى أغسطس الماضى وصل سعر كيلو الطماطم 15 جنيها والجميع يعلم ذلك , فما الجديد إذن؟ فضلا عن أن آثار الأزمة المالية العالمية تأخر وصولها إلى مصر وبالتالى تأخر انتهاؤها منها.
*الملاحظ أن عددا من الفضائيات لاسيما المصرية تعمد الى استضافة عدد ممن تقول عنهم إنهم ثوار وتسبغ عليهم الألقاب وحينما يتحدثون نكتشف انهم غير مثقفين أو قليلو الوعى , وأحيانا ذوى توجهات فكرية لا تتسم بالوطنية أو المنطقية أو المسئولية , وهو ما يمكن اعتباره محاولة لتسفيه الثوار , الغريب أن تلك الممارسات هى ذاتها التى كان يتبعها "جهاز أمن الدولة" مستبعدا فى ذلك أصحاب المنطق والوعى , الأمر الذى يكون له مردود عميق السوء لدى المتلقى.
*أخشى أن يكون التأجيل المتكرر فى الأحكام على رموز فساد مبارك هو محاولة لكسب الوقت حتى تؤتى مخططات التفتيت واكتمال مقومات نجاح الثورة المضادة ثمارها.
* من الملاحظ أن عددا كبيرا من الصحفيين الذين يهاجمون الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء هم أنفسهم من كانوا فى السابق أبواقا لمبارك, ولا يفوتنى هنا أن أشير إلى أنه حينما طرحت فكرة المصالحة مع مبارك استضافت الفضائيات بعضا منهم , فراحوا يرحبون بالفكرة ويمجدونها الا أنه بعد الهجوم عليهم من المتصلين سواء أو من الضيوف الآخرين فى تلك الحلقات, حاولوا الظهور بمظهر المحايدين وانتقلوا "جميعا" للهجوم على رئيس الحكومة متهمينه بالضعف هو أو منصور العيسوى وزير داخليته ,الأمر الذى يؤكد نزاهة هذا الرجل أو ذاك وحرصهما على خدمة الثورة.
رسالة الى المجلس العسكرى :
 إننى أناشد المشير طنطاوى وهو رجل شهم ومعه جميع رجالات المجلس العسكرى وأقول لهم : إن باب التاريخ مفتوح لكم على مصراعيه , ادخلوا من أين شئتم , وتمنوا على مصر الأمانى فهى كريمة عليكم وحنونة وسعيدة بكم, ومتسامحة وسمحة معكم , ولكنها هى الآن تستحلفكم بنخوتكم أن تخلصوها من نظام مبارك بشكل حقيقى وسريع حتى يعود الاستقرار إليها وحتى لا يشمت فيها أعاديها , تدعوكم أن تنقلوها الى الديمقراطية والحرية , أن تقيموا فيها العدل والمساواة , أن تحموا حدودها , وتحموا شعبها من أخطار الداخل والخارج , حتى  تتبوأ مكانتها عالية بعدما مرغتها تلك العصابة فى السخام , وتوصيكم بألا تأخذكم بهم شفقة ولا رحمة ولا عشرة , فقد خانوا مصر وعملوا على تخلفها وإفقار وتجهيل شعبها وتركيعها طوال سنوات طويلة مشئومة مضت, رغم أن شعبها أول من عرف الكتابة وشيد  أكبر منارة للمعرفة فى التاريخ" مكتبة الإسكندرية ", واستذلوا شعبها وهو شعب فى غالبيته شعب طيب مسلم ومسالم.
مصر يا سادة, وانتم أرباب الوطنية والفداء ولا تثريب عليكم , لا يمكن أن تتوقف على مبارك وعصابته , فهم لم يصنعوا دولة قط , بل أداروا مصر العظيمة كما يدير الإقطاعى الوسية , نكسوا هامتها , وشردوا شعبها فى كل بقاع العالم , ولم يراعوا فيها ذمة ولا دينا , ولا يصح أبداً أن نرحمهم ونفسح لهم المجال للإفلات بجرائمهم , فمصر كنانة الله ودرة الشرق وحصن العروبة , بها أوصاكم الرسول الكريم خيرا - وهم من أثاروا الفتن ومازالوا , وقال أيضاً "من أذى ذميا فأنا خصيمه يوم القيامة " لكنهم هم - ولا يمكن ان تكونوا أنتم - خالفوا وصايا الرسول , وقال عنها نابليون "من سيطر على مصر سيطر على الشرق" وجعلها هتلر ركناً من ثلاثة أركان للسيطرة على العالم , وقال أفلاطون عنها حينما اطلع على حضارتها أيها الرومان أنكم أطفال , فمصر هى  من هزمت  طوفان المغول وهى بلا قيادة أو جيش , هى التى تعقبت الصليبيين وقضت عليهم للأبد وسجون المنصورة تشهد ,هى التى صمدت فى وجه فرنسا وبريطانيا وإسرائيل , هى التى أسست جامعة العرب , مصر هى احمد عرابى ورفاعة الطهطاوى وعبد الناصر ,مصر هى منارة التحرر العربى والإفريقى والعالمى ولا يستقيم الكون بدونها, ولذلك فلا يجب أن تتوقف حركة الكون او تتعطل دورة التاريخ على مبارك وعصابته , هيا افعلوا , مصر فى انتظاركم ولن نصدق أى كلام مغرض بحقكم , هيا فباب التاريخ مفتوح لكم - وأنت أهل لدخوله - وضعوا تلك الشرذمة فى غياهب السجون التى سجنوا فيها الأبرياء طوال حقبتهم السوداء , وصدقونى أن الشعب لا يمكن أن يسامح فى إطلاق سراحهم مهما كلفه الثمن .
فالناس يا سيادة المشير تضيق ذرعاً بمجرد سماع أسمائهم , وهناك 85 مليوناً شاهد على فسادهم وخيانتهم لبلدهم وشعبهم وعروبتهم , وأنتم من تقدرون على طمأنة الناس وانتشال مصر , والتاريخ سيخلدكم , هيا افعلوا.
****
محيط – 31 – مايو 2011
ثورة صنعها الله .. لابد أن تنجح
ان ثورة صنعها الله وأنبتها ورواها حتى أتت أكلها ,لا يمكن أن تهزمها مكائد مبارك وعصابته , بل أن تحدى الثورة المصرية قد يعد فى حد ذاته تحديا لإرادة الله التى قهرت وعرت كل حيل الخداع والكذب والتسطيح والتجهيل التى دأب مبارك وعصابته سقاية الشعب بها طيلة ثلاثين عاما عجفاء مضت.
إن إرادة الله هى التى أنارت بصيرة شعب ظل يخدع حتى اللحظة الأخيرة , وظل المٌخادع يضرب بشدة على أطناب ما خلفه فيهم من أمية , وأمية متعلمين , وانتهازية مثقفين وهم الفئة التى حاول مرارا وتكرارا شراء ضمائرهم بمصالحهم وسقايتهم فنون الأنوية والانتهازية , علما بأن نحو 35 % من الشعب المصري مازال اميا لا يجيد الكتابة القراءة , فى حين أن نصف النسبة الباقية تعانى من أمية المتعلمين, فى حين أن نسبة كبيرة من المثقفين رضخت لإغراءات وذهب المعز.
أليس الخروج من هذه المعادلة القاسية بانتصار إرادة الحق والخير والثورة هو فى حد ذاته إنجاز يصل إلى حد الإعجاز ؟
ألم يكن انحياز الجيش الى صالح الشعب أمرا غير متوقع هذه المرة قياسا بتدخله لصالح النظام فى انتفاضة الخبز 1977 وأحداث الأمن المركزى 1986 , وقد تجلى انحيازه ذلك فى صور شتى  ومنها الجبهوى كقيامه بتأمين نحو 12 مدخلا من اصل 13 مدخلاً لشوارع تؤدى الى ميدان التحرير كان من الممكن أن يقوم بلطجية مبارك بالهجوم على الثوار من خلالهما , فيخلفوا اكبر وأبشع مجزرة حدثت فى تاريخ مصر , ثم راح يترك المدخل المطل على ميدان عبد المنعم رياض ليكون شاهدا على حجم وقاحة وبلطجة أنصار مبارك.
بكل صراحة .. أعجب من الذين دأبوا على مهاجمة المجلس العسكرى الحاكم فى مصر بسبب وبدون سبب , نعم هناك تباطؤ فى القبض على المجرمين فى النظام البائد ولكن يجب ألا نغفل ان تركة الفساد التى خلفها الرئيس المخلوع كانت ثقيلة للغاية , ولا يمكن ان نصلح فى90 يوما جل ما أفسده مبارك فى 30 عاما , ومع ذلك فان ما تحقق حتى الآن من انجازات ما كان ليتخيله حتى ابدع المبدعين خيالاً .
كما اننى , والشهادة لله ,  احترم بشدة أدوار جميع رجال المجلس العسكرى طيلة هذه الفترة , لأنه لم يستطع مصرى واحد ان يسجل للمشير طنطاوى والفريق عنان انفرادا بالقرارات , بل ولم يسجل لأى منهما ظهور اعلامى .
لقد بدا المجلس العسكرى – رغم كل محاولات التشكيك والوقيعة بينه وبين شعبه – ديمقراطيا لأبعد مدى , حريص بصدق على نقل مصر من التخلف والفساد والاستبداد الى طور الدول القوية المتقدمة , ولم يقدم أبطال جيشنا العظيم مصالحهم الشخصية على مصلحة وطنهم .
كنا ننتقد التباطؤ فى تقديم مبارك للمحاكمة , وكنا نقول ان كل ما يقوله – العسكريون – بخصوص ذلك مجرد وعود وتطمينات هدفها كسب الوقت وتمييع القضية , لكنهم اثبتوا أنهم الأكثر وطنية منا , وخيب الله سوء ظننا فيهم .
أنا لا أريد الخوض فى تفاصيل بطولات الجيش المصرى وتلاحمه مع شعبه ضد الطغاة , فالشواهد حقا متعددة منها ما يمكننا أن نتحدث فيها ومنها ما لا يجب أن نتحدث فيها “الآن” ولكن جميعنا يدركها , بعدما تسربت معلوماتها إلى الشارع وأكدتها الأحداث,وكلها شواهد تجعلنا نعتز بأننا شعب خرج منه هذا الجيش .
لقد تدخلت إرادة الله لإنقاذ الثورة حينما رفض الجيش مساندة الشرطة فى قتل الشعب فى جمعة الغضب كما طلب منه مبارك – بحسب التسريبات.
وتدخلت العناية الإلهية ثانية فرفض الجيش البطل قتل المتظاهرين فى جمعة الزحف أمام قصر العروبة , بل وتعهد بحماية الشعب من أية يد تمتد إليه , كما وقف الجيش ضد أية محاولة ترويع بالطائرات أو من خلال منافذ مترو الأنفاق لثوار ميدان التحرير, ثم راح يتمدد فى طول البلاد وعرضها يحرس ويحمى أعراض الشعب وممتلكاته محطما مخطط الفوضى الذى تنفذه الثورة المضادة فى مقتل .
حقا لقد كان الجيش فى كل هذه الأوقات بمثابة يد الله الباطشة بالظالمين.
لقد خيبت إرادة الله مساعى نظام مبارك فى إثارة الفوضى مرات عدة , فالمظاهرات الفئوية التى أراد بها تنفيذ مخطط الفوضى وتخريب البلاد ها هى تتحول إلى معاول لاقتلاع بقايا النظام الفاسد , وخطاب مبارك الذى بثته العربية وأراد منه الوقيعة بين الجيش والشعب وإرسال رسالة إلى خلايا الحزب الوطنى لاستكمال مسلسل الفوضى , نتج عنها انه أودع ليس هو فقط فحسب بل كل  آل مبارك فى السجون وعجل بمحاكمتهم جميعا , ولم يستمل تعاطف البسطاء هذه المرة بل قابلوه بسخرية وتندر.
إنها حقا إرادة الله هى التى هيأت رجال المجلس العسكرى والدكتور عصام شرف ووزراء حكومته ليقودوا البلاد  فى وقت هى بحاجة حقيقية إليهم فيه.
***
البصرة  1 يونيو 2011
واحد من ضحايا مبارك
اختلط الحابل بالنابل , وحاول المهرجون اعتلاء قمة المشهد الجدى , رغم أن تاريخهم يذخر بالعبث وأحيانا العمالة أو حتى الخيانة , كان الواحد منهم مجرد حذاء لمن يدفع وبقدرة قادر تحول إلى رجل مبادئ,
عمل بعض المهرجين كمبرراتية لجرائم مبارك وجهازه القمعى "أمن الدولة" الذى خرب الدولة وأهان كرامتها وما إن انهار هذا النظام الفاسد حتى وجدنا هؤلاء العملاء يعتلون قمة المشهد الثورى , وليت ذلك فحسب بل راحوا بكل جد ونشاط وكذب يتهمون ضحاياهم السابقين من الشرفاء بأنهم هم عملاء مبارك ونظامه.
ولأن قدرة الله التى أطاحت بمبارك وجزء من عصابته وخلعتهم من كراسيهم خلعا قادرة على أن تقتلع باقى أزلامه فقد جعل هلاكهم فى كذبهم ومن بين حصاد ألسنتهم وقلة وعيهم , وذلك لأن أولى التدبير هلكى والله قادر على أن يعريهم كما عرى زعيمهم.
تخيلوا أن نفرا من هؤلاء الحمقى الهالكين راح يلسن علىّ فى غيابى بأننى عميل لأمن الدولة رغم أن الجميع يعلم أنه هو لا أنا من أحذية مبارك , ونسى هذا المأجور أننى حرمت من العمل فى كل الصحف المصرية تقريبا بسبب تقارير أمن الدولة ضدى , بل إننى عوقبت مرارا وتكرارا فى قوتى وقوت أسرتى بسبب مواقفى من هذا النظام الفاسد  ومن سياساته تجاه غزة والعراق , وتم طردى من كل الصحف لمدة تزيد عن العشر سنوات تضورت فيها وأسرتى جوعا لكننى لم أهادن قط بل رحت عبر كتاباتى على صفحات "النت" أهاجم  هذا النظام ولم يتملكنى اليأس ولا القنوط  كما تملك العديدين من الرفاق الوطنيين والقوميين المصريين.
ونسى هذا المخادع اننى كنت أول من هاجم الديكتاتور المخلوع شخصيا فى عام 2004 من خلال ديوانى الشعرى الذى حمل اسم "أشعار مارقة" حيث حفل بقصائد عناوينها " شاوشيسكو" و"الطاغوت" و"الإخطبوط" و"هُبل"و"المستبد"وبعضها يذكر "مبارك "صراحة" .
كما إننى كنت قد كتبت رواية " زمن السقوط" عن مطبعة "الوطنية" فى عام 1999 تدور أحداثها بالكامل حول التعذيب فى سجون " أمن الدولة".. ومن بعد ذلك تم إيقاف نشر كل اعمالى فى هيئة قصور الثقافة والهيئة العامة للكتاب رغم حصولى على إجازات لجان النشر , كما تم منعى من الكتابة فى جريدة "الوفد" عقب تولى محمود أباظة شقيق الوزير المخلوع أمين أباظة دون سابق انذار , وساومنى أحد كبار الصحفيين "الأمنيين" فى جريدة المسائية على استمرارى فى العمل مقابل العمل لحساب جهاز الأمن فرفضت فتم منعى وبشكل فج من دخول المؤسسة بعد عمل دام سنة , كما رفضت صحيفة وموقع "اليوم السابع" عملى فيها رغم أن الأخ دندراوى الهوارى اخبرني اننى سأعمل سكرتيرا للتحرير فى هذا الإصدار الناشئ حينئذ ثم قاموا بعد ذلك بتعيين طوب الأرض إلا أنا  , وجميع الصحفيين يعرفون مدى ارتباط "اليوم السابع" بأمن الدولة , وما تكرر فى هذا الإصدار تكرر فى الأهرام والمساء والمصرى اليوم , وحتى صحيفتى الأصلية "الأسبوع " حدث فيها خلاف غير مفهوم نتج عنه تقديمى أجازة بدون مرتب , وفى النهاية أدركت أننى شخص غير مرغوب فيه فى صحف دولة " مبارك" وعلىَّ أن أبحث عن عمل آخر وهو والله ما حدث كى أطعم منه أسرتى رغم اننى اعمل بهذه المهنة منذ عام 1990 , ولا يفوتنى أن أؤكد أن الانترنت كان متنفسى الوحيد للتعبير عن النفس ولا أدري ماذا كان سيصير الحال لو لم تخترع هذه التقنية العظيمة.
لقد كان مبارك وأزلامه من القسوة بما لا يمكن غفرانه , وبما يتنافى مع أدنى قيم الإنسانية والرحمة , وأذكر أننى فى ذات يوم كتبت مقالا فى صحيفة الوفد أكدت فيه أن النظام يقتل معارضيه دون طلقة رصاص واحدة حيث يخيرهم بين الجنون أو الموت كمدا وحزنا فى بيوتهم.
وفى ذات يوم كتبت مقالا حمل عنوان " مأساة الصحافة المصرية" ورحت أنشره على مواقع الانترنت فالتقانى الزميل يحيي قلاش وأخبرنى أن الأستاذ الكبير فهمى هويدى يريد أن يناقشني فيه وهو ما حدث فعلا ثم استئذننى فى الإشارة إليه فى مقاله بجريدة الشروق , وكان المقال قد تضمن معلومات تفيد أن هناك مخططا لتعويم وتمييع نقابة الصحفيين عبر ضم 2000 صحفى إليها خلال السنوات الأربع الأخيرة - فترة مكرم محمد أحمد – ويتسم معظمهم بعدم الكفاءة الصحفية والثقافية ويعمل جلهم لدى أمن الدولة  , وهو المخطط الذى تكشف الآن فى نقابة الصحفيين وصارت هناك مطالبات جادة بوقف لجنة القيد وإعادة هيكلة شروط العضوية.
عموما أنا على قناعة بأن الشجرة المثمرة تقذف عادة بالطوب لاسيما لو كان القاذف معلوماً للقاصى والدانى أنه رجل "بوليسى" , وإذا كان المتحدث مجنوناً فيجب ان يكون المستمع عاقلاً .
***
الأسبوع – 20 يوليو 2011
يوم أن عاد الرئيس
هذا الصباح، رأيت فيما يري النائم، وأحسست فيما يحس المتيقظ، أن مبارك قد عاد إلينا مرة أخرى، وكان صوت المذيع في القناة الأولى بالتليفزيون المصري .. يسرد تفاصيل الاستعدادات لإلقاء خطابه الأول علي الشعب .. ويردف أن الرئيس سيكشف تفاصيل المؤامرة الكبري التي تعرضت لها البلاد الأشهر الماضية.
مرت اللحظات ثقيلة، حبلى بالتساؤلات، مفعمة بالتشاؤم والمخاوف .. وكدت أسمع نبض قلبي يدق بسرعة وكأنه طاحونة أهمل صاحبها صيانتها .. وتركها تسري إلي مصيرها المحتوم، فركت عيني، بل ضربت بيدي علي أذني .. علّي لم أفصل بعد بين الحقيقة والسراب، وودت لو كنت مازلت نائمًا، وأن ما أسمعه ليس إلا كابوسًا يأخذ وقته وأستيقظ منه.
 أدرت محرك القنوات علي التلفاز الذي تركته مفتوحًا ليلة البارحة ورحت أغط في نوم متقطع وأنا أتابع أحداث ميادين التحرير، وكيف واجهت قوات الأمن المتظاهرين بقوة مفرطة.
تباعدت القنوات وكأنى لم أعرف مكانها إلا أنني عثرت بالتأكيد علي بعضها، محللون وسياسيون يرجئون تعليقاتهم إلي ما بعد خطاب الرئيس، صوت مذيع الـ»بي.بي.سي« الأجش ينقلنا إلي بث مباشر للخطاب.
كان الرئيس مبارك كعادته يمشي معتزًا بنفسه بين صفوف المهللين له من أعضاء مجلسي الشعب والشوري، ركزت الكاميرا علي وجهه وهو يحاول تصنع الابتسامة ويلوح بيده للحضور، حاولت في تلك اللحظات تفرس ملامح وجهه لعلي أفرق بين ما هو إنساني فيها وما هو وحشي، علِّي أغلب إنسانيته وأبدد الخوف المتصاعد بداخلي، لكن ذلك للأسف لم يشفع، حيث وجدت شبهًا قريبًا بينه وبين النمر الذي يبتسم بعدما تمكن من فريسته، وراح الخوف يتزايد أكثر وأكثر بداخلي.
كان الرئيس قد اعتلي المنصة وكانت هتافات »الهتيفة« من جوقة »الحزب الوطني« لا تتوقف »بالروح بالدم نفديك يا مبارك« .. و»اخترناك اخترناك أبدًا أبدًا لن ننساك« .. وأخذ هتاف قوي يتصاعد »الموت للعملاء .. الموت للعملاء« وبالطبع كانوا يقصدون الثوار الذين أنا واحد منهم كما هو الشعب كله.
وهنا اعترتني رجفة شديدة وتذكرت خطابه في قناة »العربية« وتساءلت تري ماذا سيفعل بنا مبارك .. قد يكون نصيبي أن يسلخ وجهي أو يعلقني كذبيحة علي مدخل إحدى سلخانات شرطته.
خفتت الهتافات وبدأ الرئيس خطابه "أيها الاخوة المواطنون" هنا قلت في نفسي ربما يقصد" أيها الضحايا القادمون"وأخذت أحاول ترقب كل كلمة سيقولها وانتزعها ليس من شفتيه ولكن من عينيه وحركات يديه، واستطرد " لقد اجتازت البلاد فترة عصيبة .. محاولاً تقمص شخصية الزعيم عبدالناصر ـ حاول فيها مأجورون من القلة المندسة بين الشعب اعتلاء المشهد السياسي في مصر والزج بها في أتون فوضي عارمة لصالح جهات أجنبية لا تريد لمصر وشعبها الخير".
وأردف "لقد كنا لهم بالمرصاد حتي أوقعناهم في الحفرة التي حفروها للبلاد .. وقضينا علي معظمهم واكتظت السجون بفلولهم".
واستطرد الرئيس "لقد عرفتموني منذ سنوات عديدة، وفياً لمصر، أمينًا علي مصالحها القومية، حريصًا علي استقلالها .. مدافعًا عن كرامتها وها أنا الآن أثبت لكم كما أثبتُّ في حرب أكتوبر المجيدة أنني قادر علي الانتصار في معركة الداخل كما انتصرت في معركة الخارج".
 وتابع " إن فلول جماعة الإخوان المسلمين المحظورة بموجب القانون الذي أنتم شرعتموه وحركات كفاية و٦ أبريل وجمعية التغيير وغيرها من حركات طفيلية مأجورة سقطت في شر أعمالها".
"وهاهو البرادعي وعبدالحليم قنديل وجورج إسحاق ومحمود الخضيري وزكريا عبدالعزيز والبسطويسي وأحمد بلال وعلاء الأسواني وبلال فضل ويسري فودة وممدوح حمزة ومحمد الأشقر وعمرو مصطفي ومحمد البلتاجي وخالد يوسف وغيرهم من شراذم الناس يصلون سعيرًا في الدنيا كما سيصلونها في الآخرة".
وكشف مبارك في خطابه المقتضب والتاريخي ـ علي حد وصف الإعلاميين فيما بعد ـ تشابك مصالح عناصر من دول خارجية ضد مصر وقال  " ولا أخفيكم سرًا أن تحقيقات موسعة جرت كشفت عن تشابك عناصر متعددة في تنفيذ تلك المؤامرة علي البلاد منها إسرائيل وأمريكا وساحل العاج« ثم لاحظ الرئيس حالة من الوجوم بدت علي وجوه الحاضرين من ذكر اسم ساحل العاج فاستدرك يقول "نعم ساحل العاج التي أرادت نشر الفوضي في مصر حتي لا يتمكن منتخبنا القومي من المشاركة في كأس الأمم الأفريقية".
وتابع "وكذلك تلاقت مصالح داخلية للفئات المندسة مع مصالح خارجية تمثلت في محاولة نقل البلاد إلي النموذج "الديمقراطي" للبلاد الغربية الكافرة مع أن الله يقول في محكم كتابه " وجعلنا بعضكم فوق بعض درجات" وأن مبدأ " المساواة" الذي ينادون به هو في حد ذاته "الشيوعية"التي لا يقرها عقل ولا دين ولفظتها بلدانهم أنفسها قبل أن تنتقل إلينا علي يد تلك القلة".
ثم واصل الرئيس قوله " لهذا وذاك كانت مساعينا السابقة والمستمرة لتسليم البلاد إلي أيد أمينة حريصة علي مصالح الشعب، تقطع كل يد عابثة بأمنها القومي وكان جمال مبارك واحدًا من أهم الشخصيات التي رشحتموها وائتمنتموها علي حمل الأمانة كما حملها والده من قبل، وأنا هنا أؤكد انه لا حكم إلا بانتخابات حرة ونزيهة تسودها روح الشفافية وبإرادة شعبية خالصة".
وتابع "وفي نهاية حديثي لا يمكنني إلا أن أحيي الشرفاء الذين وقفوا ضد المؤامرة الدنيئة للنيل من البلاد وفي مقدمة هؤلاء اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية".
هنا علت هتافات التحية لحبيب العادلي فنهض لرد تحيتهم وقد بدا أسفل بزته العسكرية حذاء" كزلك" كهذا الذي يرتديه الجزارون وانفرطت سكين كبيرة كانت معلقة بسلسلة في خاصرته وأخذت تقطر دمًا.
فيما راح أحمد عز وأحمد المغربي وفتحي سرور وصفوت الشريف يتراقصون من حوله وقد لمحت ضحكة تشفٍ تظهر من فم أحمد نظيف الذي ظهر جليا بين الراقصين.
وأنهي الرئيس خطابه بسرد أهم وقائع الفخار الوطني التي مرت بها مصر وقال:"لقد اجتازت البلاد اختبار التنمية بنجاح وشيدت أكبر شبكة للصرف الصحي في التاريخ، وطاردت منتخب الجزائر في السودان بعدما طردته من مصر شر طرده، وانتجت مدينة الإنتاج الإعلامي سلسلة مطولة من الأعمال الدرامية التي بهرت العالم وجعلت من مدينة أكتوبر هوليوود مصر".
وأضاف "وشعب صنع تلك المعجزات قادر علي أن يستكمل المشوار في مسيرة نجاحه الطويلة والسلام عليكم ورحمة الله".
وهنا زغردت النساء وتعالت الهتافات "بالروح بالدم نفديك يا جمال".
****
الاسبوع – 7 اغسطس 2011
محاكمات صدام .. مبارك .. مشاهد متنافرة
يغص عالمنا العربى بصنوف شتى من الفساد المقترن بالحكم , مبرهنا على أن السمكة لا تفسد إلا من رأسها / رئيسها الذى إذا كان بالدف ضاربا فشيمة أهل "البيت" بلا شك الرقص والطرب.
وثمة مشهدان اثنان قد يبدوان للوهلة الأولى متقاربين تماما وسرعان ما يكتشف الرائى أنهما متنافران , بل ويقف كل مشهد منهما فى أقصى جهة من المشهد الآخر.
وللحقيقة فإن التقارب المخادع الذى يبدو للوهلة الأولى ليس إلا فى مشهد واحد وهو أن الذى يحاكم هو أعلى رتبة فى البلاد إلا أن المشهد برمته يبدو بعد ذلك مختلفا , من حيث السبب والنتيجة , ومن حيث الضحايا هل هم أعداء البلاد أم هم الوطنيون فيها ومن حيث الظرف الذى قاد إلى تشكيل هذا المشهد أو ذاك , هل كان ثورة شعبية وطنية أم احتلالاً أجنبياً ؟ فضلا عن انه لا يستوى خلقا خائن ومقاوم , صادق وكاذب , وأدلة ملفقة وأخرى قاطعة يجرى تمزيقها.
المشهد الأول حدث عام 2007 ويخص الرئيس العراقى صدام حسين والمشهد الثانى فى 2011 ويخص الرئيس المصرى محمد حسنى مبارك.
ففى المشهد الأول نرى رئيسا سقط أسيرا أثناء مقاومته عدوان 33 دولة غربية كبرى على بلاده , فى مؤامرة وقف فيها بطل المشهد الثانى موقف المتآمر والشامت بل والمشارك .
 بينما فى المشهد الثانى نرى ثورة شعبية غير مسبوقة تاريخيا فى دولة مثل مصر يميل شعبها إلى السكينة والسلام والتسامح ضد رئيس البلاد وأركان نظام حكمه الذين ساموا شعبهم سوء العذاب طيلة 30 عاما حكمها مبارك , دمر خلالها الحرث والنسل , وبيعت أراضى الوطن للأجانب ولعلية القوم واعتلى اللصوص قمة المشهد السياسى , وسيطر نظام الإقطاع . واستمرأ الناس الفساد والعمالة والخيانة وكل قيم الانحطاط , بل والأدهى أن ذلك صار صكا للراغب فى العيش عيشة رغدة.
حوكم بطل المشهد الأول بأدلة ملفقة وتهم تم دحضها من الغريب قبل القريب , وكانت جريمته فى كل المشهد انه دافع عن استقلال بلاده طيلة فترة حكمه ولم يدخل الى الحظيرة الأمريكية / الإسرائيلية التى هرول إليها معظم الحكام العرب وعلى رأسهم عراب إسرائيل بطل المشهد الثانى.
وفى المشهد الثانى حوكم الرجل بتهم تخجل منها الوطنية وتعافها الفطرة الإنسانية وتنفيها قيم الشهامة والرجولة , فهو لم يترك موبقة قانونية وأحياناً أخلاقية الا وارتكبها , عمالة ليس لأعداء بلاده فحسب بل لأعداء دينه وأعداء بنى جنسه التاريخيين منذ أن خلق الله الخلق , وكذا السرقة و النهب والاحتيال والتعذيب والكذب والتحريض على قتل وإصابة آلاف المتظاهرين السلميين من خيرة شباب بلده المثقف وممن هم فى سن أبنائه وأحفاده , والعمل على نشر الفساد والخوف فى الأرض التى أوصى الله لها بالأمن والأمان والرخاء والنصر , كل ذلك نظير أن يبقى فى الكرسى حتى يورث نجله الحكم.
فى المشهد الأول نرى قاضيا أصدر حكمه قبل أن يعتلى المنصة ومتهما وقف شامخا أبياً بل وأنيقاً رغم أن حراس المحكمة برمتها هم أعداء البلاد كلها والخصوم الشخصيون له.
وفى الثانى نرى قاضيا مشهودا له بالنزاهة ولكنه لا يحكم إلا بناء على مستندات وبراهين حال المتهم وعصابته دون توافرها لأسباب متعددة منها أن المتهم مشهود له بارتكاب جرائمه بدقة كبيرة كما أن كل الأدلة لا تخرج إلا من بين يديه.
ونرى مبارك راقدا على سرير فى محاولة رخيصة لاستدرار عطف شعب تم ثقب ذاكرته وتغييبه سياسيا وفكريا ,رغم أن العديد ممن حضروا المحاكمة شاهدوا مبارك يهبط ماشيا من الطائرة ومنهم شيخ المقاومين حافظ سلامة , ولا يفوتنى هنا أن اذكر ما تردد عن أن تقريرا لمنظمة اليونسكو حول وعى الشعوب العربية السياسى أكد أن 94.6% من المصريين يعانون أمية سياسية.!!
فى المشهد العراقى تمت محاكمة الرجل محاكمة صورية وسط مظاهرات غضب واستنكار تجوب العالم , ووقفت الامبريالية العالمية حامية لها ومصرة عليها , وفى المشهد المصرى كانت المحاكمة فى حد ذاتها مطلبا شعبيا وعالميا , وجاءت فى إطار تخفيف ضغط الرأى  العام , فيما استنكرتها كل قوى الرجعية والإمبريالية العالمية وأزلام مبارك وفلوله.
الاختلاف أيضا وصل إلى أشخاص الدفاع ففى المشهد العراقى كان القتل يطارد دفاع صدام حسين بل ويمتد ليطال أهلهم وذويهم أيضا , فيما ازدحمت القاعة بشهود الزور , بينما فى المشهد الثانى تم الدفع بسخاء لدفاع مبارك – مع كثرتهم وطول خبرتهم ولا علاقة لنا هنا بضمائرهم فمنهم من يدافع عن جواسيس إسرائيليين متمرسا خلف مفاهيم المهنية – ولكن اكتظت القاعة بأسر الضحايا المكلومين ومحاميهم المتطوعين الذين لا يملك كثير منهم دخلا منتظما.
ونرى أيضاً جمال وعلاء مبارك يحاولان الظهور بمظهر أصحاب الحق والثقة بالبراءة بل والضحايا رغم أن الجميع يعلم أنهما ليسا إلا مهندسين فى مؤسسة الفساد التى ضربت بأطنابها كل مصر , أما عدى وقصى صدام حسين فعلى النقيض فقد استشهدا أثناء مقاومتهما - مع الطفل مصطفى- للاحتلال الأمريكى لبلادهما.
وحتى من ناحية المحاكمة الشعبية لكلا الطرفين , نجد أن الشعب العربى فى أغلبه يشهد لصدام حسين بالوطنية والشهامة والشجاعة وعدم إيثار النفس على الغير , فهو لم يتردد أبداً فى أن يودع كل لص أو منتهك للقانون السجن حتى لو كان ابنه قصى أو حتى زوج ابنته , بل انه صنع من العراق البلد النامى بلدا يقف فى مصاف الدول المتطورة , فهو الأكثر تقدما تقنيا وعلميا وتعليميا وطبيا ليس فى العالم العربى فحسب بل وفى العالم الثالث كله , أما بطل المشهد الثانى فقد هوى بالبلاد إلى الحضيض وباع مصانعها وغرَّب تعليمها , وخرَّب زراعتها وصحة شعبها , ورهن نفطها , وباع أرضها , واستأثر لنفسه ولابنيه ولحزمة من ضعاف النفوس بكل مقدرات البلاد ولم يترك للشعب حتى الفتات , فأتخمت كروش وبنيت قصور , وفسدت ذمم وضمائر , وتبلدت مشاعر , بينما سكن الشعب القبور وأكلوا الجيف ولحوم الحمير ,وتفشت السرقة والرذيلة , وساد منطق عصابات القرون الوسطى , وتفشت الشللية فى كل شىء , وقتل الشرفاء والمفكرون جوعا فى منازلهم , وقهرا بين عزوتهم , وذلاً رغم عزتهم.
نعم كلا المشهدين متشابه فى الظاهر لكن اختلاف الجوهر بينهما شاسع , كالاختلاف بين إعدام المجاهد عمر المختار ومقتل الخائن أمين عثمان , وأثق أن إعدام صدام الذى لم يدنه قط بل زاد من عبقرية هذا الرجل وأعلى من قيمته العالية أصلا فى التاريخ , أثق انه لو طبق على مبارك فلن يدعم أبداً موقفه , ولن يرفع من شأنه المتخم بالفساد .. واثق أن الناس سيقولون انتصرت العدالة ويتأكدون من أن الله – حقا -  يمهل ولا يهمل.