24 فبراير 2016

محمد سيف الدولة يكتب: فى ذكراها .. لمن الوحدة العربية اليوم؟

seif_eldawla@hotmail.com
ان الايمان بحقيقة الامة العربية الواحدة وبضرورة توحدها، يعنى فى اهم منطلقاته الايمان بانتماء الشعب العربى كله الى امة عربية واحدة، لا فرق فى ذلك بين مصرى وسورى وفلسطينى وتونسى ..الخ، ولا بين مسلم ومسيحى أو سنى وشيعى..الخ، ويعنى أيضا انه لا فرق بين قومى واسلامى واشتراكى وليبرالى.
***
فى ربع القرن التالى للحرب العالمية الثانية، كانت التحدى الرئيسي أمام مشروعات الوحدة العربية، هو كيف يمكن تحقيقها فى ظل عداء الدول (القطرية) للفكرة وللمشروع ورفضها لإنهاء وجودها الذاتى والذوبان فى كيان وحدوى اكبر. بل رفضها لاتخاذ اى خطوات ولو صغيرة وجزئية لتخفيف القيود على حقوق الحركة والاقامة والانتقال والتواصل بين الدول العربية وبعضها البعض. وما ترتب على ذلك من قيامها بفرض حصار وحظر حديدى على أى حركات أو شخصيات وحدوية وتجريمها واعتبارها من أكثر مهددات الأمن القومى للقطر.
وما زاد الأمر تعقيدا، هو فشل مشروع الوحدة المصرية السورية 1958-1961، وتعثر كل ما تلاه من مباحثات ومبادرات لوحدات ثنائية او ثلاثية. ثم كانت الضربة القاسمة هو الانقلاب على مشروع التحرر العربى بقيادة مصر،واستبداله بالمشروع الامريكى الصهيونى الذى يحكم المنطقة منذ كامب ديفيد حتى اليوم.
وما ترتب عليه من تراجع المشروعات والدعوات والحركات الوحدوية وتسرب جرثومة الاستسلام الى غالبية الراى العام العربى وسيادة الاعتقاد باستحالتها وعدم واقعيتها فى ظل الواقع الدولى والاقليمى الراهن ولسنوات طويلة قادمة لا يعلم مداها سوى الله. لتختفى القضية من اجندات وبرامج غالبية القوى السياسية العربية، وليقتصر ذكرها على الاحتفالات الموسمية بذكرى الوحدة المصرية السورية، مثلما يحدث هذه الايام.
***
كانت تلك هى التحديات الرئيسية وقتها، فى ظل ايمان الشعوب العربية من المحيط الى الخليج بالعروبة وبالقومية العربية، وحلمها ومطالبتها بالوحدة، وتأييدها ودعمها لكل معارك التحرر العربى وتحرير فلسطين.
وكان ذلك هو الشعور العربى العام باستثناء بعض الخلافات والصراعات الفكرية بين النخب من التيارات الفكرية المختلفة حول فكرة القومية بشكل عام والقومية العربية على وجه الخصوص، وما اذا كانت القومية العربية ام الاسلام ام الاممية العمالية ام الوطنية المحلية هى الانتماء الحقيقى والموضوعى للشعوب.
اما اليوم فان التحدى الرئيسى والجديد الذى يواجه اى حديث او مشروع لإعادة احياء الشعور القومى والدعوة الى الوحدة العربية، هو انقسام الشعوب ذاتها بين انتماءات وولاءات متعددة، ساعدت عليها سلسلة الهزائم والتراجعات والاستسلامات التى لحقت بالامة فى العقود الاخيرة.
ولقد وصلت هذه الانقسامات الى حد الاقتتال الاهلى فى عديد من الاقطار، وبلغت ان قطاعات واسعة من انصار التيارات أو المذاهب والطوائف المتصارعة نزعوا صفة الحق فى المواطنة عن خصومهم من التيارات الأخرى، واصبحوا يصنفونهم كأعداء للوطن وللأمة، ويضعون حتمية بترهم واجتثاثهم على رأس أجنداتهم السياسية .
وبعيدا عن العنصرية والكراهية الكامنة وراء مثل هذه الدعوات والتوجهات، فان الاجتثاث لأى تيار أو طائفة أو مذهب من تلك التى شكلت مكونات الأمة الرئيسية على امتداد قرون طويل، هو أمر مستحيل. المطالبة به او التورط فى معاركه، سيدفع بنا الى عقود طويلة من الحروب، الجميع فيها هالك و مهزوم.
وبالتالى فاننى أتصور أن أهم وأولى التحديات التى تواجه دعاة وحدة الأمة اليوم، هو العمل على اخراجها من حالة الاستقطاب القاتلة والجهنمية التى ضربتها، والانطلاق من حقيقة اننا جميعا مواطنون عرب، لا فرق بيننا على اساس الجنسية او الدين او المذهب أو الطائفة ولا على أساس المرجعية الفكرية والانتماء السياسى.
وأختم هذه السطور بالتأكيد على بديهية أن هذا ليس هو التحدى الوحيد امام مشروع الوحدة اليوم، فهناك قائمة طويلة ومركبة من التحديات والعقبات والقضايا والمتغيرات والتفاصيل التى تحتاج لإعادة الحوار والاجتهاد، لم أتناولها هنا، من باب الرغبة فى التركيز على خطورة حالة الانقسام الذى أصاب الامة.
*****
القاهرة فى 23 فبراير 2016

ليست هناك تعليقات: