30 أغسطس 2015

محمد رفعت الدومي يكتب: مع ابن الرومي.. ذلك أفضل جدًا

لا أحب الكتابة عن شاعر قديم لسببين: أولهما أنني حين أفعل أكون ملزمًا لتكتمل الصورة الذهنية عند المتلقي بأن ألمس شيئاً من شعره، وهو بالضرورة شعر غاصٌّ بالألفاظ التي الآن حوشيّة ومهجورة ومثيرة للسخرية، لغة أخري قد انحسرت
السبب الثاني، وهذا هو الأهم، هو أن الشعر لم يعد ذلك الكلام الموزون المقفي فقط إنما هو تفتيت الواقع إلي رموز وإشارات والعكس، وهذا جدير بأن يطرد غابة من الناظمين الأوائل خارج دائرة الشعراء بكل بساطة، فما من شك أن معظم أشعار القدماء لم نعد نلمس فيها من الشعر إلا حساسية الشاعر وحدها! 
تتفاقم المشكلة عند الكتابة عن شاعر قديم مثل "ابن الرومي" وتتخذ أبعادًا أكثر تعقيدًا، ذلك أن كاتب وحيه كان لا يخجل من الخوض في كل شئ وأي شئ، وهذان البيتان یهجو بهما "خالدًا القحطبي" عينة مهذبة جدًا من هجائه:
أيا ابن التي كانت تحيضُ مِنَ اسْتها / يد الخرِّ لم يطهر لها قطُّ مِئزرُ
إذا ما وني عنها الزناةُ دعتهُمو / شقائقُ من أرحامِها الخضر تَهدِر..
كما أنه كان يوظف اللغة الفارسية في شعره بإسراف، وثمة قول مأثور يدَّعي: "لولا الفرزدق لضاع ثلث اللغة العربية"، وإذا كان الأمر هكذا، أجدني لا أجد غضاضة في أن أقول: "لولا ابن الرومي لضاع ثلث اللغة الفارسية"!
وشاعرنا "ابن الرومي" ربيبٌ لخرافةٍ كان يستطيع من خلالها أن يكشف عورات خصومه ارتجالاً، وأن يترك في القلوب وهو غير عاقدٍ العزم ندوبًا ومسرات، كما كان، وما زال، أقوي الشعراء روحًا علي الإطلاق، لذلك، من الضار جدًا قراءة شعره فقط لوقت طويل في عزلة، ذلك أنه، لقوة روحه، يستطيع بكل بساطة أن يسيطر علي روح المتلقي وينكأ فيها ثقوبًا كبيرة يتسلل منها إلي الداخل تشاؤمه ويأسه وتبرمه بالناس وبالحياة، وما من شك أن كل الشعراء الذين عاصروه والذين جاءوا بعده قد انتبهوا إلي تفرده وأدركوا قدره وحدقوا النظر طويلاً في شعره، ولا أستثني "المتنبي"، فبيت الأخير:
يا أعدل الناس إلا في محاكمتي / فيك الخصام وأنت الخصمُ والحكمُ
ما هو إلا صناعة أكثر جودة من صناعة بيت "ابن الرومي":
غـدا الدهرُ لي خصماً وفيَّ مُحَكَّمًا / فـكيف بخصم ضالع وهُوَ الحَكَمْ
شاعر جلل، لست هنا لأضئ مكانته الشعرية فهو أضخم من ذلك بكثير، وقد سبقني في الكتابة عنه أفذاذٌ أضاءوا الرجل من كل جوانبه، وبروايته هو، وكبحوا ذلك التيار العنيف من التجاهل من كتاب عصره لأسباب شخصية، وهذا خطأ الكتاب المزمن، لا ينحون مشاعرهم جانبًا أثناء الكتابة! 
وفيما يبدو أن حقد كتاب عصره عليه كان عارمًا بالقدر الذي معه لم يكن تجاهله فقط كافيًا لتهدئة قلوبهم روجوا شائعة تدعي أنه "نحس"، ولا أفهم سر جاذبية هذه التهمة في كل زمان ومكان، ولقد نجحوا إلي حد بعيد، لقد راجت الشائعة فعلاً ونجحت في كسر حاجز الزمن حتي طرقت بوابات "عباس العقاد" فصدقها واشترك في الترويج لها، وادعي أنه عندما عقد العزم علي الكتابة عن "ابن الرومي" (كسر ساقه ما لا يكسر)، وأن مطبعة قد احترقت عندما أراد صاحبها نشر كتاب عنه!
وكتاب عصره، بالإضافة إلي الترويج لنحسه، تعمدوا أيضًا حجب اسمه عن الموسوعات الأدبية القديمة والتراجم وكتب تاريخ الأدب كـ "أغاني أبي الفرج الأصفهاني" و "العقد الفريد" لـ "ابن عبد ربه" وطبقات "ابن المعتز" و "الكامل في اللغة والأدب لـ " المبرد"، لأسباب شخصية! 
لقد تجاهله "ابن المعتز" في طبقاته لأنه هجا أباه بقوله:
دع الخلافة يا معتز من كثـبٍ / فلـيس يكسوك منها الله ما سلـبا
وهو لم يهج "المعتز بالله" وحده، لقد عاصر "ابن الرومي" ثمانية من خلفاء بني العباس، وكانت علاقته بهم جميعًا سيئة، وكانوا يرفضون مديحه ويحجبونه عن الدخول إلي قصور الخلافة ويعيدون إليه قصائده، ولديهم في ذلك عذر وجيه يوضحه قول "المرزباني":
"لا أعلم أنه مدح أحدًا من رئيس أو مرؤوس إلا وعاد إليه فهجاه، ولذلك قلت فائدته من قول الشعر وتحاماه الرؤساء"
وتجاهله "المبرد" لأنه رجمه بالشذوذ والخنوثة:
ودَّ المـبرِّد أن الله بَـدَّله / من كل جارحةٍ في جسمه دُبُرا
فاعطه يا إله الناس منيته / ولا تُبَقِّ له سمعًا ولا بصرا
أما سبب تجاهل "الأصفهاني" له فهو في عهدة "عباس العقاد" حيث يقول:
"سكت (أبو الفرج) عن هذا الشاعر اتقاء لمن هجاهم وأقذع في هجائهم من سروات زمانه وأولهم أستاذ (أبي الفرج)، ولعله سكت لأسباب أخري، وبعض هذه الأسباب أن صاحب الأغاني لم يكن مستطيعًا أن يقدر (ابن الرومي) حق قدره وأنه كان أمويَّاً، وكان (ابن الرومي) شديد الكراهية للأمويين"
وكل من قرأ "ابن الرومي" يعرف جيدًا ألا أحدًا من أهل زمانه سلم من سلاطة لسانه، وكان في هجائه ديمقراطيّاً سابقاً لأوانه، لا فرق عنده بين خليفة ولا جار ولا حمال ولا شرطي ولا شاعر ولا فقيه ولا نحوي ولا قاض ولا عالم ولا وزير ولا كاتب، حتي أن هجاءه طال مغنية اسمها "شنطف":
شنطفُ يا عوذة السموات والأرض .. وشمس النهار والقمر
إن كان إبليس خالقاً بشرًا .. فأنت عندي من ذلك البشر
المضحك أن أباه حتي كان من بين ضحاياه، ليخلد "ابن الرومي" عقوقه في بيت مثير:
لو كان مثلك في زمانِ محمَّدٍ / ماجاء في القرآن برّ الوالدِ
"جرير" فعل ذلك أيضًا، كما هجا "الحطيئة" أمه!
وما من شك أن "ابن الرومي" قد تأثر كثيرًا بـ "دعبل الخزاعي"، ولعل شهرة الأخير في الهجاء قد امتصت ذهنه مبكرًا جدًا، ويقال أن أول شعر له كان هجاءًا في زميل له بالكُتَّاب، ولقد فطن "أبو العلاء المعري" إلي تلك العلاقة بوضوح فقيدهما جنبًا إلي جنب في بيتٍ واحد:
لو نطق الدهرُ هجا أهله / كأنه "الروميُّ" أو "دعبلُ"!
لكن الفرق العارم بينه وبين أستاذه "دعبل" هو قدرة "ابن الرومي" المذهلة علي تصيد اللحظة الشعرية في ذروة حرارتها واختراقها من الداخل وتوظيفها حتي جذورها في شعره، وبالقدر نفسه، خيالاته المجنحة!
علي سبيل المثال، لا يستطيع "دعبل" ولا غيره أن يسقط علي هذا المعني عندما يهجو رجلاً اسمه "عيسي" بالبخل:
یُقتِّرُ عیسي علی نفسِهِ / ولیس بباقٍ ولا خالدِ
فلَو یستطیع لتقتیره / تنفّسَ من مِنخرٍ واحد
يقصد أن "عيسي"، ذلك المسكين الذي وضعه سوء طالعه في طريق "ابن الرومي"، لشدة بخله، لو استطاع أن يتنفس من ثقب واحد من ثقبي أنفه لفعل!
كما لا يستطيع "دعبل" ولا غيره أن يوظِّف بيتاً فارغاً في الهجاء كما فعل "ابن الرومي" عندما قال:
مستفعلن فاعلن فعولُ / مستفعلن فاعلن فعولُ
بیتٌ كمعناك لیس فیه / معنی سوی أنّه فضول
يقصد أنه مجرد فضول علي الحياة وأهلها، فارغٌ من المعني!
كما لا يستطيع "دعبل" ولا غيره أن يتخيل أنفاً يمتد من "فلسطين" إلي "مكة":
لك أنف يا ابن حربٍ / أنِفت منه الأنوفُ
أنت في القدس تصلي / وهو في البيت يطوف
لعبقريته هذه وجاذبية شعره، علي الرغم من إصرار معاصريه علي احتجاز الضوء عن الوصول لاسمه، ظل اسمه يتنامي بمرور الأيام، ويستثير حماس المؤجلين للكتابة عنه والانتصار له حتي قال "المرزباني" في " معجم الشعراء ":
"أشعرأهل زمانه بعد (البحتري)، وأكثرهم شعرًا، وأحسنهم أوصافاً، وأبلغهم هجاءًا، وأوسعهم افتناناً في سائر أجناس الشعر وضروبه وقوافيه يُرَكّب مِن ذلك ما هو صعب متناوله على غيره، ويلزم نفسه ما لا يلزمه، ويخلط كلامه بألفاظٍ منطقية يُجَمِّل لها المعاني، ثم يفصلها بأحسن وصف وأعذب لفظ، وهو في الهجاء مقدم لا يلحقه فيه أحد من أهل عصره غزارة قول وخبث منطق"
وكلام "المرزباني" كلام يفضح وعيه العميق بصناعة الشعر كما وعيه العميق بأبعاد "ابن الرومي"، غير أنه أخفق في حكمه بأن "البحتري" أشعر من "ابن الرومي"، ربما لم تصل "المرزباني" رواية تؤكد أن "البحتري"، لوعيه العميق بفداحة أدوات شاعرنا، كان يعطيه (أتاوة) خشية من أن يناصبه الهجاء، حدث ذلك بعد هجوم "ابن الرومي" المباغت عليه عندما قال:
قبحاً لأشياء يأتي البحتريُّ بها / من شعره الغثِّ بعد الكدِّ والتعبِ
شعرٌ يغير عليه باسلاً بطلاً / وينشدُ الناسَ إياه على رتب
لا مناطق رمادية عند "ابن الرومي"، لا نفاق ولا مهادنة في عصر يستمرئ أهله النفاق والاتهام بالكرم وبالبطولات الوهمية، لذلك، كان "البحتري" ومن هو أقل منه بكثير، بكثير جدًا، يحرزون الأموال والضياع والشهرة وهو يراوح مكانه، كان ذلك هو السبب المفصلي لكل خيباته وفشله لا قوله في هجاء "البحتري":
الحظُّ أعمي، ولولا ذاك لم نَرَهُ / للبحتريِّ بلا عقلٍ ولا حسبِ
ليس الحظ بالتأكيد هو سبب صعود "البحتري" إنما تفهمه الغائر لزمانه وامتلاكه التام لأدوات التعامل مع أهل زمانه لا كـ "ابن الرومي" الذي تفرد دون غيره من الشعراء بوعيه العميق بأزمة الناس الأخلاقية، وبدناءة زمانه الذي لا يصعد فيه إلا الرعاع وسفهاء القوم، ولكنه أبي أن ينسجم مع ذلك الوضع أو يتأقلم معه حتي!
وهذة رواية مؤكدة تختزل كل عصر "ابن الرومي" بوضوح صارم:
عندما مدح الوزير " أبو الصقر إسماعيل بن بلبل" بقصيدة منها:
قالوا أبو الصَّقر من شيبان قلت لهم / كلاّ لعمري، ولكن منه شيبان
قال "أبو الصقر" لما سمعها: 
- هجاني والله!
قيل له: 
- هذا من أحسن المديح، واسمع ما بعده:
وكم أبٍ قد علا بابن ذرى شرفٍ / كما علا برسول الله عدنان
فقال: 
- أنا بشيبان، ليس شيبان بي
قيل له: 
- فقد قال:
ولم أقصَّرْ بشيبانَ التي بلغتْ / لها المبالغَ أعراقٌُ وأغصانُ
لله شيبانُ قومٌ لا يشيبهم / روعٌ إذا الروع شابت منه ولدانُ
قال: 
- لا والله، لا أعطيه أبدًا
هذا هو النصف الفارغ من الكوب، لكن النصف الممتلئ منه هو أن "أبا الصقر" ذاك مجرد جرذ تاريخي سوف يبقي أشهر ما التقط التاريخ من مروره بالحياة هو موقفه الغبيِّ هذا من "ابن الرومي"!
ويبقي "ابن رشيق" أكثر الكتاب وعيًا بقدر "ابن الرومي"، فقد قال عنه في كتابه " العمدة ":
"وأما (ابن الرومي) فأولي الناس باسم شاعر، لكثرة اختراعه، وحسن افتنانه، وقد غلب عليه الهجاء حتى شهر به فصار يقال: أهجي من (ابن الرومي)، ومن أكثر من شيء عرف به، وليس هجاء (ابن الرومي) أجود من مدحه ولا أكثر، ولكن قليل الشر كثير!"
"ابن الرومي" أولي الناس باسم شاعر، حقيقة لا تحتاج إلي الوقائعية للحكم علي امتلائها، كل زاوية من شعره تمثل عالمًا قائمًا بذاته! 
حقيقة ممتلئة أخري لمسها "ابن رشيق" عندما ساوي بين الهجاء والشر بما يترتب عليه من استدعاء العداء وتربية الأعداء، وهكذا كان يفكر أهل زمان "ابن الرومي"، وأهل كل زمان، دربٌ من دروب الشعر نعم لكن سالكه يحتاج إلي اتزان شديد وسيطرة تامة علي عواطفه، كـ "البحتري" وغيره الذين كانوا يجيدون اختيار فرائسهم كما يجيدون الهجوم عليها في الوقت المناسب، والمهادنة أيضًا في الوقت المناسب، المختل فقط هو من يرجم الجميع بلا هوادة وعلي طول الطريق، وهكذا كان "ابن الرومي"، لقد كان من بين طقوسه أنه كان يكتب قصيدتين في وقت واحد، مدح وهجاء في نفس الشخص، وعندما ينتهي من كتابتهما يرسل إلي هدفه قصيدة المديح أولاً، فإذا تأخر الهدف في العطاء أيامًا، ربما لأسباب خارجة عن إرادته، لم يكن قلب "ابن الرومي" يهدأ حتي يتأكد من أن قصيدته في هجاء ذلك الشخص قد قطعت المسافات ومضغتها كل الألسنة، لذلك، كان كما قال عنه "طه حسين":
"نحن نعلم أنه كان سيء الحظ في حياته، ولم يكن محببًا إلى الناس، وإنما كان مبغضًا إليهم، وكان مُحسدًا أيضًا، ولم يكن أمره مقصورًا على سوء حظه، بل ربما كان سوء طبيعته، فقد كان حاد المزاج، مضطربه، معتل الطبع، ضعيف الأعصاب، حاد الحس جدًا، يكاد يبلغ من ذلك الإسراف"!
كان "ابن الرومي" مولي لـ "عبد الله بن عيسي"، ولعله كان يري شعوبيته نقصًا فيه، مع ذلك، له في ولائه للعباسيين شعر:
قوْمي بنو العباسِ حلمُهمُ / حِلْمي هَواك وجهلُهُم جهلي
نَبْلي نِبالُهُمُ إذا نزلتْ / بي شدةٌ ونِبالُهم نَبلي
لا أبتغي أبداً بهم بدلاً / لفَّ الإلهُ بشملهم شملي
ومع ذلك، نجده يمدح "علي بن أبي طالب"، جد الطالبيين أشهر خصوم بني العباس السياسيين في ذلك الوقت:
يا هند لم أعشق ومثلي لا يرى / عشقَ النساء ديانة وتحرجا
لكن حبي للوصي مخيمٌ / في الصدر يسرح في الفؤاد تولجا
فهو السراج المستنير ومن به / سبب النجاة من العذاب لمن نجا
ذلك التناقض وغموض الهوية الروحية يفضح ضعفًا شديدًا وسيولة عارمة في شخصية "ابن الرومي"!
قال الشعر مبكرًا جدًا، وقد جلدته الحياة بالكثير من الهزائم التي خلدها شعرًا، كان قد ورث عن والده ثروة فادحة أضاع جزءًا كبيرًا منها بتبذيره هو، وعصفت الكوارث بما تبقي منها، لقد احترقت ضيعته، واغتصبت داره، وأتى الجراد على زرعه، وشتت الموت شمل عائلته واحدًا تلو الآخر، افتتح الموت بوابات حزنه الطويل بموت والده، ثم التحقت والدته وأخوه الأكبر وخالته به، وعندما استحدث عائلته الخاصة وبيتاً جديدًا ماتت زوجته وأولاده الثلاثة أمام عينيه، فترك لنا واحدة من أجمل قصائد الرثاء في الشعر العربي عند موت ابنه الأوسط "محمد":
بُنَيَّ الذي أهْـدَتْهُ كَفَّـأيَ للثرَى / فَيَا عِزَّةَ المُهْدَى ويا حَسْرة المُهدِي
ألا قاتَل اللَّه المنايا ورَمْيَـها / من القَوْمِ حَبَّات القُلوب على عَمْدِ
تَوَخَّى حِمَامُ المـوتِ أوْسَـطَ صبْيَتي / فللّه كيفَ أخْتار وَاسطَةَ العِقْدِ
تلك الأحداث العصبية المؤسفة، بالإضافة إلي حساسيته المفرطة، جعلت مزاجه مريرًا وبدلت أخلاقه، وأصابته بالنزوع إلي العزلة والتشاؤم، هذا أضفي عليه مظهر الساخط علي مجتمعه، غريب الأطوار الذي يتوقع السوء دائمًا، وعلي الرغم من ذلك لم يتركه الناس وشأنه إنما اضطهدوه ووجدوا في السخرية منه رياضة مسلية، فاضطر من جانبه إلي الدفاع عن نفسه من الهامش الوحيد الذي يستطيع من خلاله الدفاع عن نفسه، إنه الهجاء لا أكثر، وبلا رحمة!
ليس غريبًا إذاً أن يتجاهله كتاب عصره، لكن، لحسن الحظ، كان "ابن الرومي" المسكين قد وجه لكل هؤلاء ضربة في الصميم، كأنه كان يتوقع تصرفهم، وقرر أن يفسد عليهم فرصة الانتقام منه والتشفي فيه، لقد أذاب حياته الشخصية وسيرته في شعره، وهذا ما انتبه إليه "العقاد" فكان كتابه الجميل:
(ابن الرومي: حياته من شعرهْ(.. 
ربما، ما فطن إليه"العقاد" واحتفظ به لنفسه أنه أذاب أيضًا واقع عصره بكل تفاصيله وأرخ للمرحلة شعرًا، لقد كتب تاريخاً موزوناَ مقفي إذا جاز ليَ التعبير وإذا لم يجز..
ومن شعره نعرف أن دماءًا مختلطة كانت تسيل في عروقه، نصفها يوناني الجذور ونصفها فارسي:
إنْ لم أَزُرْ مَلِكَاً أُشْجي الخُطوبَ بهِ / فلم يَلِدْنيْ أبو الأملاكِ يونانُ
بل إنْ تَعَدَّتْ فلم أُحْسِنُ سِياسَتَها / فلم يَلِدْنيْ أبو السُّوَّاسِ ساسان
ويضغط مرة أخري علي يونانيته:
ونحن بنو اليونانِ قومٌ لنا حِجًا / ومَجْدٌ وعِيْدانٌ صِلابُ المَعاجِمِ
ونستطيع أن نعرف أنه كان قبيحًا - ولا أحب أن أسمي ضآلة الحظ من الجمال قبحًا - من قوله:
ﺷﻐﻔﺖُ ﺑﺎﻟﺨرَّد اﻟﺤﺴﺎن وﻣﺎ / ﻳﺼﻠﺢ وﺟﻬﻲ إﻻ ﻟﺬي ورع 
كي ﻳﻌﺒﺪ اﷲ ﻓﻲ اﻟﻔــﻼةِ وﻻ / ﻳﺸﻬﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣشاهد الجُمَعِ
يقصد أنه مولعٌ بالنساء الجميلات ولكن وجهه لا يليق إلا براهب يسكن الصحراء ولا يصلي الجمعة مع الناس في المساجد ولا يرونه!
نستطيع أيضًا أن نعرف أنه كان أصلع الرأس، وأنه كان يبالغ في ارتداء عمامة ضخمة، وكان يجيب كل من سأله مستنكرًا عن سبب ارتدائه عمامة في صيف "العراق" الخانق بقوله:
أسترُ شيئاً لو كان يمكنني / تعريفه السائلين ما سترا
كأن الصلع خطيئة، إننا بالتأكيد في رحاب رجل غريب الأطوار بلغ من هشاشة الروح حدًا يصعب تصديقه، كما كان مصابًا باختلال الأعصاب، عندما يمشي إلي الأمام يظن الرائي أنه يستدير:
إنَّ لي مشية ً أغربلُ فيها / آمنا أن أُساقط الأسقاطا!
وهو طفل كبير، يهجو أحدهم مرة بقوله:
يا ابن الزنا يا ابن الزنا يا ابن الزنا / والحمد لله العليّ الأكبرِ
جبان، ليس الجبن كما ينبغي، إنما توقع السئ علي الدوام والميل إلي السير تحت ظلال الجدران كالغالبية العظمي من الناس في كل زمان ومكان، وهو ينصح نفسه بعدم الجبن قائلاً:
لا تَجْبُنَنَّ لأنَّ النَّفْسَ واحدةٌ / فإنما الموتُ أيضًا واحدٌ فَقَدِ
ما يَجْبُنُ المرءُ إلا وهْو مُعْتَقِدٌ / أو مُشْفِقُ أنه إن مات لم يَعُد
مع ذلك، نضبطه كثيرًا يمدح نفسه بأبيات تجتذب ضحكات من يعرفه جيدًا وتملأ قلبه شعورًا بالشفقة علي ذلك المسكين في آن معًا، كزعمه:
وإنِّي لَلَيْثٌ في الحروبِ مُظَفَّرٌ / مُعَارٌ أَداةَ الهَصْرِ بالظَّفْرِ والعَضِّ
إذا ما هَزَزْتُ الرُّمْحَ يومَ كَريهةٍ / لجَمْعٍ فذاكَ الجَمْعُ أولُ مُنْفَضّ
تَضاءَلُ في عيني الجُموعُ لدى الوَغَي / وإنْ هي جاءتْ بالقَضِيْضِ وبالقَضّ
أبيات تليق بـ "عنترة بن شداد" مثلاً أو "دريد بن الصمة"، لكن لا تليق بمسكين سيطر علي روحه هوس التشاؤم حتي كان يمتنع أيامًا عن الخروج من منزله إذا نظر من ثقب الباب ورأي شخصًا أحدب يمر في الطريق بالصدفة، أو أن أحد الأمراء اشتاق إليه فعلم بحالته من الطيرة، فبعث إليه رسولاً اسمه "إقبال"، فلما أتي "ابن الرومي" قال له:
- عد إلي صاحبك فإن مقلوب اسمك " لا بقاء"
هكذا قالوا، وربما هي رواية مصنوعة، وهي بالصناعة أشبه، ولولا فراغ الناس وشهيتهم المفتوحة للكلام علي الدوام لوصلنا التاريخ أصغر حجمًا بكثير!
لكن، تتخذ الأبيات السابقة ملامح النكتة عندما نعرف أن ذلك الليث الذي تتضائل في عينيه الجموع في الحرب قد اغتصبت داره امرأة ولم يفعل شيئاً سوي أن جأر بالشكوي للوزير دون أن ينسي أن يذكِّر الوزير بأنه "أيد الأركان"، طبعًا:
أجِرْنْي وزيرَ الدِّينِ والملْكِ إنني / إليكَ بحقّي هاربٌ كلَّ مَهْرَبِ
تَوَثَّبَ خَصْمٌ واهِنُ الرُّكْنِ والقُوَى / علي أَيِّدِ الأركانِ لم يَتَوَثَّب
لقد ذكَّرتني لامْرئ القيسِ قوله / وإنّك لم يغلبْكَ مثل مُغَلَّبِ
أريدُ ارتجاع َالدارِ لي كيف خَيَّلَتْ / بِحُكْمِ مُمَرٍّ أو بِلُطْفٍ مُسَبَّب
وعلي طريقة "كوهين ينعي ولده ويصلح راديوهات" هو لا يكتفي بالشكوي إنما يختتم شكواه بهذا البيت:
وتا للهِ لا أرضَي برَدِّ ظُلامَتي / إلى أن أَري لي ألفَ عَبْدٍ ومَرْكَب
هو يقصد أن استعادة داره لن ترضيه إلا إذا أعطاه الوزير فوق ذلك ألف عبد وألف فرس!
إننا أمام رجل مختل، لا يستطيع أن يسيطر علي إيقاعات نفسه، أو علي الأرجح، أمام طفل كبير أترك "ابن خلكان" يضع حدًا لحياته فلقد طالت أكثر مما يجب:
"وتوفي (ابن الرومي) يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين، وقيل أربع وثمانين، وقيل ست وسبعين ومائتين بـ "بغداد" ودفن في مقبرة باب البستان!
وكان سبب موته، رحمه الله تعالى، أن الوزير "أبا الحسين القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب" وزير الإمام المعتضد كان يخاف من هجوه وفلتات لسانه بالفحش، فدس عليه "ابن فراس"، فأطعمه خشكنانجة مسمومة
وهو في مجلسه، فلما أكلها أحس بالسم فقام، فقال له الوزير: إلى أين تذهب
فقال: إلى الموضع الذي بعثتني إليه
فقال له: سلم علي والدي
فقال: ما طريقي علي النار
وخرج من مجلسه وأتى منزله وأقام أيامًا ومات!
وداعًا "ابن الرومي"، مع روحك القوية، ذلك أفضل جدًا، تعرَّفوا عليه، إنه يستحق..

29 أغسطس 2015

سيد أمين يكتب: ملامح مهملة من الثورة المضادة

آخر تحديث : السبت 29 أغسطس 2015 10:51 مكة المكرمة
منذ ثورة يناير الموءودة تحدث الكثيرون وساقوا الدلائل البينة والقوية عن تجهيز الدولة العميقة في مصر للانقلاب على أى رئيس منتخب ستسفر عنه أى انتخابات نزيهة تفرزها تلك الثورة, وكتبوا في ذلك ما يطول الحديث فيه بدءا من التظاهرات الفئوية حتى سرقة السيارات وانتشار عصابات قطع الطرق , إلا أننى أجد نفسي أقف أمام تفاصيل صغيرة، ولكنها تبرز ملامح دقيقة تكشف من بين ما تكشف أن من سمات هذا الانقلاب الذى كان متوقعا، بل ومنتظرا أنه انقلاب شامل يرعى كافة مناحى الحياة حتى البيئية منها.
ففي صباح يوم من تلك الأيام التى كانت القاهرة فيها تبدو بدون سلطة حاكمة - واتضح كذب ذلك فيما بعد - استيقظ أهالي القاهرة ليكتشفوا أن جميع أرصفة الشوارع مقلوبة رأسا على عقب, محطمة ورثة ومتربة بشكل غير موضوعى, حتى في تلك الميادين التى لم نكن نتخيل أبدا أن نراها بها الشكل مثل شوارع ما يعرف بالقاهرة الخديوية, ولم يكن أي شئ يعمل إلا البلدية التى لا نعرف من كان يصدر لها أوامره، وهى كانت تبدو أنها تعمل في الإعمار والواقع انها كانت تساهم في التخريب.
ولم يتم حل هذا اللغز إلا بعد الانقلاب حينما جري تزيين تلك الشوارع، وإعادة رصفها بما يعطى إيحاءً بأن سنوات الخراب الثوري ولت وهى السنوات التى كان يظنها مدبروا الدولة العميقة بضعة أشهر إلا أنها طالت بعض الشئ بسبب الزخم الثوري.

شخبطات غير ناضجة

ومن تلك الملامح أيضا تلك الرسومات غير الناضجة وغير المعبرة والكتابات التى ترقي في أحيان كثيرة من شدة غموضها إلى درجة الألغاز, وأحيانا تهبط إلى مستوى الشخبطات, وهى التى انتشرت بكثافة علي الحوائط والأرصفة، والطرق المرصوفة؛ فشوهت المنظر الجمالي للحوائط، وأعطت إيحاءً مماثلا لسابقه بالفوضى.
ومن تلك الرسوم تلك التى كانت تخص روابط مشجعى الأندية، والتى انتشرت بصورة غريبة وصرف عليها أموالاً طائلة، ولا يعرف بعد ما العائد منها، وما الرسالة التى كانت تحملها؛, حيث تجد أحيانا رسومات لما يشبه الكأس، ورسومات لشباب وأعلام مفرودة على مساحات كبيرة من الحوائط ومرسومة بإتقان شديد، وعبارات مبتورة، وغامضة مثل "فاكر لما كنا سهرانين"، و"بلد الرجالة"، و"بلد البالة"، و"عبور"، و"صاحب صاحبي"، و"مش هنسيبها"، وما إلى ذلك من كلمات غير مفهومة، قد تكون تحوى رموزاً لرجال الدولة العميقة وقد تكون مجرد شخبطات حدث الانقلاب وكشف المخفيون عن أنفسهم فما صارت لها حاجة فمحوها بأستيكة.

كذبة تغليظ القصاص

ومن ضمن الأشياء الملفتة أنك حينما كنت تطالع صحف الحكومة ومن لف لفها آنذاك، تجدها تبالغ في إثبات هيئة القصاص من رموز نظام مبارك -الذى ثبت أنه متجذر، ولم يسقط ساعة واحدة- فهذا صودرت أمواله وأصابته الأمراض, وذلك تقهقرت به الأيام وباع كل ما تبقي له ليصرف على زوج ابنته, وذلك تم فصل أبنائه من مناصبهم الحساسة في الدولة وساءت حالتهم النفسية, وما إلى ذلك من أخبار تنقلك من حالة الشماتة فيهم إلى حالة التعاطف معهم. 
لكن ويا للعجب, إذا ما تمحصت بنفسك مدى صحة تلك الأخبار والمعلومات, فستجد أنها مجرد أكاذيب لا أساس لها من الصحة.

ملمح صحفى

وتبدو ملامح "الثورة المضادة" في عالم الصحافة أكثر وضوحاً منذ الشهر الأول للثورة, تمثلت هذه الملامح فى أنه حينما فتح باب التعيينات في العديد من الصحف القومية كإجراء تسوية في مظالم ضحايا المهنة, وهم كثر يتوزعون ما بين مفصول أو مشرد بسبب توقف صحيفته لأسباب مادي،ة أو سياسية او إدارية, نجد أن جل هؤلاء الذين حلت مشكلاتهم، وتم إلحاقهم بصحف قومية, كانوا ينتمون لمن سموا آنذاك بـ"الفلول"، أو على الأقل من المحسوبين على الأجهزة الأمنية, يتخلل هؤلاء أشخاصا آخرين لم يكونوا ينتهجون هذا النهج إلا أنه تم قبولهم لأنهم قلة قليلة للغاية وجاءوا في قوائم تكتظ بهؤلاء المستهدف تعيينهم, والمدهش أن هؤلاء سلكوا بعد الانقلاب مسلكا استسلاميا، وخيل لمن لا يعرفهم أنهم دعاة انقلاب، وليس دعاة ثورة من فرط صمتهم عن قول كلمة الحق وجلوسهم مجالس الانقلابيين.
أما رافضو حكم العسكر والذين صار جلهم فيما بعد من رافضى الانقلاب, فقد استبعدوا تماما رغم أحقيتهم , بينما عين كل "فل"- بكسر الفاء- راح يزور صديقه "الفل" وجاء الأصدقاء بأصدقائهم, والأخ بأخوته, والزوج بزوجته, والأب بابنه, بل والأم بابنها, والنماذج لا تخطأها عين، ولا يستطيع أن يكذبها أحد لدرجة أننى شخصيا كنت شاهداً على أشخاص كانوا يبحثون عمن يعلمهم المهنة؛ بل وكيفية كتابة الجملة, وتمنوا أن يكتب اسمهم على خبر مساحته خمسة سنتيمترات في صحيفة من صحف "بئر" السلم, وما هى الا أشهر حتى وجدنا هؤلاء قد عينوا في الصحف القومية التى طالما اشتاق لها معلموهم الذين أكلت الصحافة على ظهرهم وشربت. 
ولنا في صحف "المسائية" بدار أخبار اليوم و"الأهرام المسائى" والشركة القومية للتوزيع" و"التعاون" و"أكتوبر" و"الأهرام" عبرة في الصاعدين والهابطين.

....... اقرأ المقال على الجزيرة مباشر انقر هنا

اقرأ ايضا من سلسلة مقالات "الجزيرة":



27 أغسطس 2015

رضا حمودة يكتب : هل يحكم الإسلام الأمريكاني المنطقة نيابة عن الربيع العربي؟

العربي الجديد
بعدما فطنت الولايات المتحدة الأمريكية أنه يستحيل استئصال الإسلام من على وجه الأرض كدين لا يُراد له أن يسود ويحكم كمنهج حياة وواقع عملي؛ بدأت في اتباع سياسة جديدة لا سيما مع هبوب ثورات الربيع العربي، تقوم على استئناس الإسلام والمسلمين على السواء بدلا من الصدام المسلح المباشر، الذي أسهم بدوره في تشويه سمعتها بين المسلمين، فضلا عن تصدير صورة نمطية بالغة السوء بأن أمريكا تحارب الإسلام، وتمارس تمييزا عنصريا ضد المسلمين، وهذا أقرب للحقيقة بلا شك.
عندما نقرأ تصريحات رئيس وكالة الإستخبارات الأمريكية (CIA) الأسبق جيمس وولسي في عام 2006، نكتشف أن الإدارة الأمريكية تطبق خطة استئناس الإسلام بحنكة، وبخبث منقطع النظير، فقد قال الرجل عن المسلمين "سنصنع لهم إسلاما يناسبنا، ثم نجعلهم يقومون بالثورات، ثم يتم انقسامهم على بعض لنعرات تعصبية، ومن بعدها قادمون للزحف، وسوف ننتصر" ، وأضاف وولسي "إننا سننجح في النهاية كما نجحنا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، والحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي، وسوف أختم بهذا(هكذا يقول وولسي) – سوف نجعلهم متوترين".
المثير في كلام مدير أكبر جهاز استخبارات في العالم أنه قرأ الواقع الجديد بدهاء، واستوعبوا درس التدخلات العسكرية المباشرة في المنطقة جيدا، التي خلفت آثارا سلبية على سمعة الولايات المتحدة، فبدأوا في تنفيذ الاستراتيجية الشيطانية الجديدة عبر إدارة الحروب بالوكالة، حيث تشتري ولاءات ووكلاء لها في المنطقة العربية والإسلامية وهم كُثُر، لتضمن بذلك ألا تتصدر مشهد العداء للإسلام والمسلمين، ليحل محلها بعض أذنابها وأتباعها المخلصين، ووكلاء الثورات المضادة على أنقاض الربيع العربي المغدور.
حتى وصلنا بعد سنوات قليلة إلى تطبيق عملي مأساوي على أرض الواقع لخطة المخابرات المركزية الأمريكية، فاندلع الربيع العربي بداية عام 2011 في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، وكأنه ترجمة حرفية لتصريحات مدير الCIA، الأمر الذي جعل البعض يتشكك في ماهية الربيع العربي ومن يقف وراءه، لكنني لا أتعاطى شخصيا مع هذا التشكيك، ذلك أن المنطقة العربية كانت تعيش وما تزال على فوهة بركان من الغضب الشعبي، ومهيأة تماما للانفجار والثورة كنتيجة طبيعية للاستبداد والفساد على مدى عقود طويلة، على يد حكام حولوا بلدانهم إلى متاع خاص لهم ولأبنائهم والدائرة المقربة منهم.
ما يهمنا في هذا الصدد أن أمريكا خلصت إلى حقيقة مفادها أنه لا مانع من وجود المسلم الصوام القوام، المسلم الذي يحج البيت الحرام كل عام، إسلام الطقوس والمظاهر، الإسلام الذي يستفتى في نواقض الوضوء، ولا يستفتى في نواقض الإسلام ذاته، لكنه غير مسموح أن يتحول إلى سلوك خارج حيز المسجد، إلى منهج للحياة لتأصيل قيم الحرية والعدالة والتنمية والاستقلال على خلفية إسلامية، حتى لا يخرج جيل متشبع بهويته وحضارته الإسلامية الشاملة العريقة، قادر على منافسة الحضارة الغربية، أو يستطيع مقارعتها وهزيمتها، لينشأ جيل مقطوع الصلة بربه ودينه، لا يعرف من الإسلام سوى اسمه.
ذلك أن الغرب أراد تحويل الإسلام عن طبيعته ليجعله كما قال المفكر الأمريكي الشهير فرانسيس فوكوياما: "دينا حداثيا ليبراليا علمانيا، يقبل المبدأ المسيحي "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، حيث تعمدت أمريكا والغرب على اعتبار الإسلام تيارا فكريا قابلا للنقد والتفكيك أيضا، وليس دينا أو عقيدة ثابتة، حيث خصوصياته في تأصيل القيم والمعاني التي لا تستغني الحياة عنها.
هذا الجيل المسخ كما تريده أمريكا والغرب، عبر عنه المفكر الكبير د. مصطفى محمود قائلا "وما أكثر المسلمين ممن هم في البطاقة مسلمون، ولكنهم في الحقيقة ماديون، اغتالتهم الحضارة المادية بأفكارها، وسكنتهم حتى الأحشاء والنخاع، فهم يقتل بعضهم بعضا، ويعيشون لليوم واللحظة، ويجمعون ويكنزون ويتفاخرون، ولا يرون من الغد أبعد من لذة ساعة".
لقد جنت أمريكا والغرب أهم ثمرتين من تعثر الربيع العربي بفعل الثورات المضادة التي اجتاحت المنطقة، الأولى: تشويه ثورات الربيع العربي بنظر شعوب المنطقة لا سيما البسطاء لما لها من انعكاسات سلبية على مصالحها في المنطقة، إذ إن الثورات في جوهرها تمرد على الواقع المرير لتطالب بالاستقلال عن القرار الأجنبي، والانعتاق من التبعية لأمريكا والغرب. أما الثمرة الثانية الأكثر نفعا، هو استئناس الإسلام وقطاع ليس بالقليل من المسلمين لحظيرتها، عبر تشويه مفاهيم المقاومة والجهاد ضد الاستبداد والاحتلال، فصار التطرف مرادفا طبيعيا للإسلام في ظل الحرب التي تقودها أمريكا وحلفاؤها في المنطقة على الإرهاب الإسلامي. 
وغرقت المنطقة في حروب ونزاعات مسلحة استهدفت الربيع العربي في الصميم بالوكالة لأطراف استثمرت استقواء الثورات المضادة المدعومة أمريكيا، في صنع عدو بديل للاستبداد، فكان الإسلام هو العدو الأكبر في صورة الإسلاميين الراديكاليين، مما يستدعي من الذاكرة مقولة داهية وزير الخارجية الأمريكي (جون فوستر دالاس) في خمسينيات القرن الماضي إبان الحرب الباردة "إن الإسلاميين الأصوليين هم أكبر حليف لنا ضد الشيوعيين"، وقد رأينا كيف استخدمتهم (حركة طالبان) في الثمانينيات ضد الاحتلال السوفييتي في أفغانستان، ثم حاربتهم لتستولي على المنطقة، وتعمل على تفتيتها بعد الحادي عشر من سبتمبر. 
ولنا أيضا في تنظيم داعش (المريب) النموذج الفج ، الذي أكد تبعيته للغرب ضابط كبير في جهاز الاستخبارات البريطانية يدعي" تشارلز شويبردج"، في حوار لقناة روسيا اليوم بتاريخ (9 أكتوبر/ تشرين أول 2014) عرضه موقع القناة على الإنترنت تحت عنوان " هكذا صنعنا داعش وهكذا نقرع طبول الحرب ضدها"، حيث قال إن جهازي الاستخبارات الأمريكية والبريطانية يقفان وراء كل الأحداث الدراماتيكية التي تعصف بدول في الشرق الأوسط مثل سوريا والعراق وليبيا، وكشف عن تفاصيل أخرى مثيرة عن دور واشنطن ولندن في صناعة الإرهاب.
حيث استطاعت احتواء الربيع العربي، ومن ثم إجهاضه بضرب أهم مكوناته وهي التيارات الإسلامية المعتدلة التي حازت على ثقة الجماهير في كل الاستحقاقات الديمقراطية، وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين، وتعمد خلط الأوراق عند عوام الناس والبسطاء والتلبيس عليهم، وعبر الأنظمة التابعة لها في المنطقة، أنه لا فرق بين معتدل ومتطرف، فكل التيارات الإسلامية من المنظور الأمريكي متطرفة، ونبعت من رحم الارهاب (أو بالأحرى الإسلام) حتى وإن لم تعلن ذلك رسميا.

السفير د. عبدالله الأشعل يكتب: من دمر الأوطان العربية.. الربيع العربى أم القوى المتآمرة عليها ؟

أطلق الغربيون مصطلح الربيع العربى على الثورات العربية فى مطلع 2011 اسوة بربيع براج فى تشيكوسلوفاكيا عام 1968 بصرف النظر عن أن الربيع يتسم بالثمار والورود. والثابت أن ثورتى تونس ومصر ضد الاستبداد والفساد وتعنت النظم فيهما واغلاق جميع ابواب التغيير السلمى طوعا قد انتشر فى جميع المجتمعات العربية بلا استثناء بل وغير العربية اعلانا عن ضرورة اصلاح العلاقة بين الحاكم والمحكوم. وقد نجحت بعض النظم المستنيرة فى التراجع بتقديم بعض التنازلات لاستيعاب الموقف بينما انسحبت نظم اخرى من المشهد ثم انقضت على الشعوب وآمالها مرة أخرى لتعاقبها على أنها تجرأت على الإعلان عن مطالبها، وهذه النظم بهذه العقلية هى التى تسببت فى الخراب العربى. فالربيع سيظل ربيعا وسوف يدق ابواب هذه النظم فى معركة طويلة تنتهى بانتصار الشعوب أو يقظة الحكام. ولذلك خصصنا هذه المقالة للرد على كتبة هذه النظم البالية الذين كان يجب أن ينصرفوا إلى الأبد وأن يعتذروا لشعوبهم وأن يعودوا تائبين مصلحين بدلا من الاصرار على الفساد.
فنحن فعلا نعيش عصر العبث فى المنطقة العربية. فبدلا من الإلحاح على ضرورة تحقيق آمال الشعوب فى ثورات الربيع العربى، ومقاومة القوى المناهضة لها ألقت بعض الأقلام اللوم على هذه الثورات حتى تستمر العبودية والاستبداد، وكأنها تظلم الشعب مرتين، الأولى عندما خانت آماله وضللته ورضيت أن تكون سيفا للحاكم الظالم، والثانية عندما لم تتورع أن تعود إلى لومه على الثورة وإعلان مطالبه.
فقد لاحظت منذ 30 يونيو 2013 موجات من الهجوم والنقد المرير لثورات الربيع العربى، ورصدت بأقلام معينة تنتمى كلها إلى النظم التى ضاقت بها الشعوب العربية وثارت على فسادها وهى نفس الأقلام التى كانت تصطنع فضائل وهمية لهذه النظم .
وتبدأ القصة بأن ثورات الربيع العربى رفعت مطالب عادلة ضد نظم فاسدة اضطرت إلى الثورة عليها بشكل سلمى عندما رفضت هذه النظم بغباء غذاه هؤلاء الكتاب أن تقوم النظم نفسها بتحقيق مطالب الناس، فلم تكن الثورات ترفا ولا كانت دماء الشباب التى راحت ودماء رجال الشرطة الذين أصروا على الدفاع عن نظام فاسد إلا مهرا للحرية التى افتقدتها الشعوب . فالثورات العربية جميعا لم تكن مؤامرات من الخارج، كما لم تقم ضد نظم صالحة، ولم تكن ترفا، كما أنها كانت سلمية، ثم أنها رفعت مطالب محددة ومشروعة. ولكن عيبها أنها رفعت المطالب لذات الأجهزة التى تنتمى إلى النظام الذى ثارت عليه تحت أوهام كثيرة وأحيانا بدرجة من الانتهازية صغرت أو كبرت.
فى هذه النقطة سوف يتوقف التاريخ المصرى طويلا أمام دور المجلس العسكرى فى التعامل مع قوى الثورة، وقوى النظام الذى ثار عليه الناس، فسعى إلى إنعاش النظام الذى فاجأته الثورة، وخدر الشعب حتى يعود النظام السابق تحت لافتات جديدة.
ولنعد الي البداية . دفعت إسرائيل مصر إلى وضع مكنها من القضاء على عبدالناصر وأحلامه فى الوحدة العربية، فسمح ذلك بظهور البديل وهو حلم الوحدة الإسلامية، خاصة وأنه شاع فى تلك الفترة بعد هزيمة يونيو1967 بأن التناقض كامل بين الأمة العربية بأقلياتها غير الإسلامية، وبين الأمة الإسلامية بأكثريتها غير العربية، وهما مشروعان وهميان، لكن روج عبد الناصر للمشروع العربى، فاتهم من جانب أصحاب المشروع الإسلامى بالإلحاد والعلمانية مثلما يتهم الإسلاميون اليوم ببيع أوطانهم العربية من أجل مشروع وهمى يقوم على الرابطة الإسلامية، وليلتهم جميعا اهتدوا إلى الرابطة الديمقراطية التى تنقذ الوطن والدين من الاتجار بهما بعد أن صارت الوطنية صكا يعطيه القوى المنتصر لخصمه الضعيف أو ينكره عليه.
كانت الشعوب تأمل فى أن يتجاوب الحكام الذين استكتبوا هؤلاء لتضليل الناس مع آمالهم وأناتهم التى ضنواعليهم بها. وقد أقنعتهم واشنطن بأن حكمهم دائم وظلمهم الذى استمتعوا به أبدى، فالظلم من سمات هذه الدنيا، وأن لهذه الشعوب المسحوقة بالفقر والمرض والجهل والقهر الدار الآخرة، وهم يعلمون أن مثل هذه الدنيا لا آخرة لها.
فالثورة للأسف ضرورة على كائنات تبلدت وتسلحت بجيوش من أمثال هؤلاء الكتاب. أما من المسؤول عن ضياع الأوطان العربية فهى ليست الثورات، وإنما إصرار حلفاء الحكام المستبدين على إنقاذهم، وخوفهم من حكم الشعب وحكم القانون. والمحزن أن يصاب بعض الشعب المصرى وبعض كتابه بالعمى المطاع فيتصورون أن أمريكا تحب الثورة المصرية فى يناير، وتكره ثورة يونيو ضد الاخوان لأن أوباما مسلم كتم ايمانه وأن اخواني مستتر. وأنا لا أقارن مطلقا بين يناير ويونيو، فالأولى ثورة شعبية شاملة لأول مرة فى التاريخ على نظام كامل فاسد بكل أجهزته. وإعلامه المضلل ومنهم هؤلاء الكتاب، أما الثانية فهى فى معنى احتجاج على حكم الإخوان وتم تطوير هذا المعنى لكى تكون اجتثاثا للإخوان ثم للمعارضة ثم لثوار يناير. صحيح أن انهاء حكم الإخوان ورفضهم نادت به الملايين فى يونيو حين طالبت بانتخابات رئاسية مبكرة وأن رفضهم ربما أسهم في المضاعفات، ولكن أين كان نظام مبارك فى يناير ويونيو وكيف عاد نظام مبارك بعد يونيو وخرج من كل ما نسب إليه فى القضاء وبرئ براءة الذئب من دم ابن يعقوب. هذا هو السؤال الذى يبرر القول بأن أحد أخطر معانى يونيو أنها كانت تجمعاً لكل من عادى الإخوان دون بديل لتحقيق اهداف يناير.
السبب فى مأساة الشعوب العربية الثانية هى انتظام قوى الظلام والاستبداد مع قوى إقليمية معروفة فى منظومة أمريكية إسرائيلية هى التى أجهضت أحلام الشعوب فى مصر وليبيا وتونس وسوريا واليمن، ولكل قصة ولذلك يجب التمييز بين دواعى الثورة وقواها وسلميتها وبين حقد القوى الرجعية الصهيونية التى أرادت أن تعاقب الشعوب العربية التى ثارت على الظلم، التى ألحقت بهذه الشعوب الفصل الثانى من المظالم التى دمرت الأوطان لأن الحكام المستبدين لا يهمهم الأوطان مادامت قد صارت بسكانها نيرانا تلتهم عيوبهم وتسقط كبرياءهم الذليل.
بقيت نقطتان: ما مآل الكفاءات من نظام مبارك وكيف تتجه كفاءاتهم إلى الخير بعد أن وظفت فى الشر وهل لديها المرونة فى ذلك خصوصا أنها تحصل على الفتات فى خدمة نظام أضر وطنهم؟ والثانية: لماذا يظل هؤلاء بعد أن فقدوا أخلاقيا قيمة علمهم الذى سخروه لسحق هذا الوطن ولولا الثورة ما انزاحوا عن أماكنهم. المشكلة أن كتابهم عادوا ينفثون السم فى بيئة عقدت العزم على استرجاعهم لتنكيس نظام سقط أخلاقيا وضيع فرضة ثلاثين عاما. فهل مصر بحاجة إلى ثورة تصحيح الخلل وتعيد إلى يناير نقاءها أم أنها بحاجة إلى نظام شفاف يعلن صراحة أن شرعيته هى فى تحقيق أهداف ثورة ينايروالاعتصام بها وليس التركيز على يونيو وربط النظام بها مادامت يونيو باعتراف النظام ليست ثورة قائمة بذاتها وإنما تصحيح ليناير بل هى تصحيح لأخطاء المجلس العسكرى وليس لثورة يناير.
المعيار هو من على الساحة الأن إعلاميا وسياسيا وأقتصاديا وغيره؟ هل هم ثوار يناير أم نظام مخلق قوامه الأساسى نظام مبارك باعدت الآمال بينه وبين الواقع المرير، حتى احتلت هذه الأقلام مكان الصدارة فى الإعلام ومنع أصحاب الاقلام التى انحازت لمصلحة الوطن وتوعية الشعب بالمسرحية الهزلية التى عاد أبطالها إلى مواقعهم مرة أخرى وكأن ثورة يناير كانت أحد مشاهد الكاميرا الخفية أو نكتة ثقيلة.
يناير رمز لرفض الظلم وارادة شعب متحضر ضد بربرية المؤامرة عليه وليست مجرد حدث.
مستعدون لمناظرة تاريخية بين كل مؤيدى يناير وكل المشككين فيها وكتلتهم الحرجة من نظام مبارك. إن روح الانتقام والتشفى من يناير هى جزء من المؤامرة عليها، والشعب تغير، وفحيح الافاعى قد ينفس عن الكاتب لكنه يغرق وحده فى عالمه ويرثى له القراء من حوله إن بقى له قراء. الكلمة الطيبة كشجرة طيبة، والكلمة الخبيثة كشجرة خبيثة، الأولى جذعها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها، والثانية تجتز من فوق الأرض مالها من قرار

سعيد نصر يكتب: ها أنا انهيت كلامى .. فهل تسمعنى؟!

 
لم يعد لأحد أى مساحة من الحرية لإنتقاد سياسات النظام ، فردود الفعل بالتهم الجزافية جاهزة ، والآلة الإعلامية المروجة لها موجودة ويديرها إعلاميون احتكروا لأنفسهم وللنظام الحاكم الوطنية والحقيقة الكاملة ، ومستعدون لقول أى شىء ولفعل أى شىء لإرضاء الحاكم.
هذا المناخ الطارد للعقل والعقلانية وللحياد والحيادية وللتجرد والموضوعية ينذر بكارثة مستقبلية على الدولة المصرية ، لأنه جعل الشرفاء يعزفون عن الإفصاح عن أرائهم فيما يحدث على الساحة ، باستثناء قلة قليلة تحاول على إستحياء من الحين للأخر، التمترس حول التمسك بقيم الديمقراطية والعدالة الإجتماعية ، وتفعل ذلك وهى تتوخى الحذر بمحاولة تنميق كلامها ، خشية أبواق إعلامية بعينها معروف عنها الهرتلة ، ومهمتها تشويه الشرفاء ،وفق خطة تبدو ممنهجة.
وحتى لا يقول أحد كيف تقول ذلك وهناك من يعترضون على قوانين أصدرها الرئيس ، ومنها قانون الخدمة المدنية ، فإننى ألفت انتباهكم إلى أننى أقصد النخبة السياسية ، التى صارت "لا تهش ولا تنش" ، وأصبحت أشبه بـ "الطرابيش" بمدلولها الفولكولورى، وليس بمدلولها التاريخى ، ولا يفوتنا هنا التذكير بأن كل الاعتراضات على سياسات النظام لا يمكن التعويل عليها على وجود حرية ، لأنها كلها اعتراضات دافعها اجتماعى وليس لها دافع سياسى ، وليس أدل على ذلك أكثر من رفع فعالياتها الإحتجاجية لصور الرئيس السيسى والاستغاثة به للتدخل وتغيير قوانين هو الذى اتخذها فى شكل قرارات بقانون !
وأخطر ما فى هذا المناخ أنه يهيىء الساحة ليبرطع فيها الأغبياء والمنافقون والانتهازيون ، ويجبر أصحاب العقول المستنيرة والرؤى الصائبة على العزوف عن التواجد فى الساحة وعن الإدلاء برأيهم فى أى قضية مطروحة ، خشية التنكيل بهم أو تشويه صورتهم ، وبالتالى يصاب إعلام الدولة بالتلوث السياسى و يصبح أشبه بضجيج وصخب الطبل والزمر فى زفة بلدى فى منطقة عشوائية لا يعرف أهلها أى شىء عن أضرار التلوث السمعى.
 تلك الأبواق الإعلامية الآن ، سواء قنوات أو إذاعات أو بوابات ومواقع إلكيكترونية أو صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى ، تطبق فلسفة إعلامية فى منتهى الخطورة ، وهى أنها تنتقى أسوأ و أقبح ما فى الدول الأخرى لإقناع البسطاء فكريا وماديا وهم اغلبية شعب مصر ، بأنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان أيام حكم مبارك ، وأبدع مما هو كائن الآن ، فى ظل النظام الحالى ، وقد وصل الخطر فى هذا الصدد إلى حد أن هذه الأبواق الإعلامية صارت تعمل على تكفير الناس بقيم الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية ، فأمريكا فى رأيهم لهم ليس فيها ديمقراطية ولا حرية ولا حقوق إنسان بسبب صورة لضابط هناك يقبض على متظاهر فى وضع "الطرح أرضا"، ومعظم النشطاء وكل قيادات المنظمات الحقوقية والأهلية ، خونة ومرتشون وينفذون أجندة أجنبية !! يا سادة .. مثل هذا المناخ قاتل للإبداع ، بل قاتل للحياة ذاتها ، وتكمن خطورته فى أنه يأتى فى مرحلة فارقة فى التاريخ الإنسانى ، من يتخلف فيها عن ركب العلم والحضارة ، و يعمل خلالها بالفهلوة المصحوبة بالطبل والزمر البلدى ، فانه سيكون فى المستقبل أشبه بالقرود فى "الغابة الكونية" .. ها أنا أنهيت كلامى .. فهل تسمعنى ؟!

26 أغسطس 2015

محمد عبد الشكور يكتب: نظام "كيد النسا "وسلاح "الزغاريد" ؟!!

منذ 30 يونيو وحدوث الانقلاب " المبارك " فى مصر وعزل الدكتور محمد مرسي من رئاسة الجمهورية وسجنه واعتقال قيادات الإخوان والمعارضة ، والزج بآلاف الشباب فى المعتقلات والسجون ، وهذا النظام يدير المشهد السياسي الراهن بطريقة " كيد النسا " ؟!! .
إنهم يفعلون كل شئ ويتخذون جميع القرارات سواء كانت خطأ أو صوابا كيدا فى الإخوان والمعارضة !! ، حتى أن جوقة الإعلاميين والمطبلين منذ الانقلاب وحتى الآن وهم يتغنون بما كانوا يرفضونه أيام حكم الرئيس مرسي ويصورونه على أنه انتصارا للعهد الميمون .
بداية من سد النهضة الذى أصبح فى عهد السيسي مفيدا لمصر ولا يؤثر على أمنها القومى والمائى بل ربما يكون هدية من السماء لمصر وشعبها الطيب الأصيل ، فى الوقت الذى صدعنا فيه نفس الأشخاص أثناء حكم مرسي بأن سد النهضة كارثة ومصيبة كبرى سوف تأكل الأخضر واليابس وتذهب بنا إلى أتون السعير ؟! ومرسي رجل ضعيف بينما مصر تحتاج إلى" دكر " ، ولما جاء " الدكر " كما يرونه قام بالتوقيع على اتفاقية السد مع أثيوبيا دون أن نعرف التفاصيل سوى أنه أعطى الضوء الأخضر لهذا البلد للاستمرار فى بناء السد بموافقته على التوقيع على الاتفاقية دون وجود برلمان ليصدق عليها طمعا فى استجداء شرعية لن يحصل عليها حتى يلج الجمل من سم الخياط ، المهم نكيد الإخوان ؟!! .
حتى مشروع تنمية محور قناة السويس الذى رفضته المؤسسة العسكرية وهاجمه الإعلام أثناء تولى مرسي الرئاسة ، أصبح فى عهد السيسي مشروعا عالميا سوف ينقل مصر لمصاف الدول العظمى وتم إطلاق مسمى " قناة السويس الجديدة " عليه رغم أنها تفريعة لا يزيد طولها عن 35 كيلو مترا وبعمق 8 أمتار كما جاءت فى تصريحاتهم ، فى الوقت الذى تم حفر أكثر من تفريعة بأطوال مختلفة فى عهد مبارك ولم نرى هذه الطنطنة الكاذبة ، ولكن جاءت تصريحاتهم كيدا فى الإخوان لتؤكد أن القناة الجديدة ستجلب 100 مليار دولار سنويا رغم أن القناة الحالية لا يتجاوز دخلها 5 مليار دولار ، وفى ظل هذا الكيد لم يخبرنا مسئول عن كيفية عمل مشروع بلغت تكاليفه حتى الآن حوالى 100 مليار جنيه دون دراسة جدوى ودون معرفة تفاصيل المشروع .
المهم لدى النظام الحالى هو الاحتفال وإطلاق الصواريخ وتسليم العروس " القناة " للعريس " السيسي " كما قال الفريق مهاب مميش أو " مفيش" فى احتفالية ضخمة يتم التبرع لها من رجال الأعمال والمواطنين ، فى بلد يعانى من حالة اقتصادية سيئة وغير مسبوقة " خلى مصر تفرح " .
نفس الهيصة والفرح المبالغ فيه عندما قالوا أن المؤتمر الاقتصادى جلب لمصر 160 مليار دولار وهناك مئات المليارات قادمة وتمخض المؤتمر فلم يلد حتى صرصارا .
ليس مهما أن تفرح مصر بالديون والفشل المهم تفرح ويستمر الكيد الذى تدار به الدولة حاليا فلا معلومات عن مشروع التفريعة وفائدتها إلا كلام مرسل الغرض منه الضحك على الشعب ، المهم " كيد العدا " .
لم ينسوا حتى مشروع جهاز الكفتة لمخترعه اللواء عبد العاطى ، هذا الجهاز الذى اعلنت عنه الادارة الهندسية للقوات المسلحة المصرية ويعالج الإيدز وفيروس سي وجميع الأمراض المستعصية ، والذى تورطت فيه المؤسسة العسكرية وتبنته وثبت أنه اختراع " فنكوش " ووهمى ولم تعتذر المؤسسة العسكرية ولم تحاكم من ورطها فى هذا الوهم ولم يعتذر المطبلون بل على العكس نفس المطبلين لجهاز عبد العاطى رغم عدم مصداقيته علميا وعمليا وعقليا اتهموا من عارضهم بأنهم يكرهون البلد وأنهم خونة ولا يجب أن يعيشوا فى هذا الوطن وهددوا من رفض فكرة الاختراع الوهمى بعدم علاجه أو علاج أى أحد من أقاربه عند بدء استخدام الجهاز لأنهم يشككون فى المؤسسة العسكرية وجيش مصر واتهموهم فى وطنيتهم ، نفس الأشخاص الذين دبجوا المقالات فى مشروع جهاز اللواء عبد العاطى هم من يكتبون الآن ويطبلون لمشروع التفريعة - أقصد قناة السويس الجديدة - كما يقولون - دون خجل أو حتى تريث أو وجود معلومات لديهم عن الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع الذى ضخت فيه مليارات الجنيهات فى ظل الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد ، دون معرفة المكاسب ودون وجود معلومات صحيحة وشفافية وسط تضارب فى تصريحات المسئولين عن تلك المليارات التى ستهبط على مصر بعد افتتاح التفريعة ، المهم الكيد فى الإخوان بنفس طريقة نساء الحوارى فى الأحياء الشعبية كما كانت تفعل " خالتى فرنسا " فى الفيلم المعروف والذى قامت ببطولته الفنانة عبلة كامل ليستمر نظام كيد النساء في هدم الوطن وحرق البلاد طالما هناك من باع عقله للوهم وطالما بقي إعلام توفيق عكاشة وأحمد موسي والإبراشى .
ولأن الزعيم أمل لكثير من النساء اللاتى يعتبرنه بطلا وقائدا عظيما تفتق ذهن بعضهن من اللواتى حملن بنجمه بعمل مليونية للزغاريد فى ميدان التحرير كما قلن حتى يوجعوا الإخوان أعداء الوطن من خلال ألف سيدة يطلقن ألف زغروته مما يعدون .
حيث قالت هدى البدرى، أحد مؤسسى مبادرة "اللى يوجع الإخوان زغرودة حلوة فى الميدان"، أنها تدعو السيدات لنزول ميدان التحرير، والتعبير عن فرحتهن بإطلاق زغرودة موحدة بميدان التحرير، تزامنًا مع افتتاح قناة السويس الجديدة.
وكأن الحرب بين الدولة والإخوان لم يكن ينقصها سوى سلاح الزغاريد الفتاك الذى سيقضى على الإخوان والمعارضين ويقتلهم شر قتلة كمدا وحسرة .
ولم يكن غريبا أن تصرح كاتبة تدعى هويدا طه قائلة : " سنقول مصر تغيرت عندما نستطيع - دون خوف من غوغاء الإسلامجية - أن نواجه الشعب بأن إصراره على الحج للسعودية جريمة بحق مصر اقتصاديا وتاريخيا "ولم يراجعها شيخ أزهرى أو حتى تلميذ فى حضانة ليقول لها أن الحج فى السعودية وفى مكة تحديدا ، ولكن لا شيئ يهم طالما أننا نكيد الإخوان .
لتظل الدولة العميقة وإعلامها المضلل والمطبلون يتعاملون مع الخصوم السياسيين وفق نظريتهم النسائية العظيمة وبأفضل أسلحة نساء الحوارى وهو سلاح " كيد النسا " كسلاح لهذه المرحلة .
واستمرار للهطل وكيد النسا أعلن مهاب مميش متعهد حفر قنوات السويس فى مصر والعالم عن خطة لحفر قناة ثالثة لتصبح مصر متخصصة فى حفر القنوات وربما صارت فى ظل دولة كيد العوازل متعهدة حفر القنوات على مستوى العالم .
ولم يسأل هؤلاء الفريق مميش عن حقيقة هذه التصريحات وأن العملية برمتها بدأت تدخل فى طور الهزل ، والهزل السخيف أيضا فهم لم يكتفوا بالضحك على المواطنين وتسويق الوهم لهم ولكن يبدو أن الأمر قد أعجبهم وأصبح جمع المليارات لعبتهم ، فلما لا وهناك من يصدق وهناك من يدفع ويبيع الوهم للمواطنين ، فلماذا لا تكون هناك قناة ثالثة ورابعة وخامسة حتى تصبح مجموعة قنوات مثل قنوات الجزيرة والشو تايم ، فلا أحد سوف يحاسب ولا أحد يجرؤ على المعارضة أو حتى السؤال ، طالما الأمر كيدا فى الإخوان والمعارضة فلا يضر ، وهناك آلة إعلامية جبارة يجلس أمام شاشات فضائياتها من يتصور أن بعد حفلة ليلة دخلة الزعيم على القناة سوف تصبح مصر من أولى الدول اقتصاديا على مستوى العالم فى ظل قناة تجلب 100 مليار دولار سنويا كما صرح مهاب مميش - وإن لم يكن ذلك حقيقيا - فيكفى استخدام سلاح المرحلة والكيد كوسيلة للقضاء على الخصوم الذين يسببون صداعا للزعيم ، فكيد النساء يؤتى أكله كل حين ولو كره المعارضون ؟!! .

كت أو كونل: 4 ملايين مسلم قتلوا جراء الحروب الغربية.. فهل تعد هذه إبادة جماعية؟

قد يكون من غير الممكن أبدًا أن نعرف العدد الحقيقي للقتلى جراء الحروب الغربية الحديثة على الشرق الأوسط، ولكن هذا العدد هو 4 ملايين ضحية أو أكثر. وحيث إن الغالبية العظمى من هؤلاء القتلى كانوا من أصل عربي، ومعظمهم كانوا من المسلمين، فهل سيكون من العدل اتهام الولايات المتحدة وحلفائها بارتكاب إبادة جماعية؟
في تقرير صادر في شهر مارس بواسطة منظمة أطباء من أجل المسؤولية الاجتماعية، يذكر أن عدد القتلى في حرب العراق يصل إلى حوالي 1.3 مليون نسمة وربما يصل إلى 2 مليون. ومع ذلك، يمكن أن يكون عدد أولئك الذين تم قتلهم في حروب الشرق الأوسط أعلى من ذلك بكثير. وفي شهر أبريل، قال المحقق الصحفي نفيز أحمد إن عدد القتلى الفعلي قد يصل إلى أكثر من 4 ملايين شخص إذا لم يشتمل العدد على أولئك الذين قتلوا في حروب العراق وأفغانستان فقط، ولكن أيضًا إذا تضمن ضحايا العقوبات المفروضة على العراق والتي خلفت وراءها حوالي 1.7 مليون قتيل نصفهم من الأطفال، وفقًا للإحصائيات الصادرة عن الأمم المتحدة.
رافائيل ليمكين وتعريف الإبادة الجماعية
لم يكن مصطلح “الإبادة الجماعية” موجودًا قبل العام 1943، عندما تم صياغته بواسطة محام بولندي يهودي يدعى رافائيل ليمكين. وقد صاغ ليمكين مصطلح الإبادة الجماعية genocide عن طريق الجمع بين الكلمة اليونانية “geno”، والتي تعني سلالة أو قبيلة، مع كلمة “-cide”، وهي كلمة مشتقة من اللاتينية وتعني القتل.
وقد بدأت محاكمات نورمبرج، التي حوكم فيها كبار المسؤولين النازيين بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، في العام 1945، واستندت إلى فكرة ليمكين الخاصة بالإبادة الجماعية. وبحلول العام التالي، تم إدراج المصطلح في القانون الدولي، بحسب منظمة ‘متحدون من أجل إنهاء الإبادة الجماعية‘ كما يلي:
“في عام 1946، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا أكد على أن الإبادة الجماعية تعد جريمة بمقتضى القانون الدولي، ولكنه لم يضع تعريفًا قانونيًا للجريمة“.
وبدعم من ممثلي الولايات المتحدة، تمكّن ليمكين من تقديم المسودة الأولى لقرار منع ومعاقبة مرتكبي الإبادة الجماعية إلى الأمم المتحدة. وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار في العام 1948، على الرغم من كون الأمر كان سيستغرق ثلاث سنوات أخرى من أجل وجود عدد كاف من الدول لتوقيع القرار، والسماح بإقراره.
ووفقًا لهذا القرار، تعرف الإبادة الجماعية كما يلي:
“تعني ارتكاب أي عمل من الأعمال التالية بقصد الإبادة الكلية أو الجزئية لجماعة ما على أسس قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية، مثل:
قتل أعضاء الجماعة.
إلحاق الضرر الجسدي أو النفسي الخطير بأعضاء الجماعة.
إخضاع الجماعة بشكل متعمد لظروف معيشية بهدف إهلاك الجماعة جزئيًا أو كليًا.
فرض تدابير تهدف إلى منع المواليد داخل الجماعة.
نقل الأطفال عنوة من جماعة إلى جماعة أخرى.
ووفقًا لهذا القرار، لا يتم تناول تعريف الإبادة الجماعية بشكل مبسط على أنها القيام بالقتل العمد، ولكنها يمكن أن تتضمن مجموعة أوسع من الأنشطة الضارة الأخرى:
“فرض ظروف معيشية معينة بشكل متعمد تهدف إلى إهلاك جماعة ما يتضمن الحرمان المقصود من الموارد اللازمة من أجل البقاء المادي للجماعة، مثل المياه الصالحة للشرب، والغذاء، والملبس، والمأوى، والخدمات الطبية. ويمكن فرض أساليب الحرمان من البقاء على قيد الحياة من خلال مصادرة المحاصيل، ومنع المواد الغذائية، والاحتجاز في المخيمات، وإعادة التوطين بشكل قسري، أو الترحيل إلى الصحراء“.
كما يمكن أن تشتمل أيضًا على إحداث حالات العقم الجبري، والإجهاض القسري، ومنع التزاوج، أو نقل الأطفال من أسرهم. وفي العام 2008، قامت الأمم المتحدة بتوسيع المصطلح للاعتراف بأن “الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي يمكن أن تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية أو عمل يتعلق بالإبادة الجماعية“.
الإبادة الجماعية بالشرق الأوسط
هناك عبارة رئيسة في قرار الأمم المتحدة تنص على خصوصية “الأعمال التي يتم ارتكابها بقصد الإبادة“. وفي حين أن الحقائق تدعم وجود عدد كبير من القتلى العرب والمسلمين؛ إلا أنه قد يكون من الصعب إثبات أن الأعمال التي تم ارتكابها كانت تهدف بشكل متعمد إلى إهلاك “جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية“.
ومع ذلك، كان واضع القرار مدركًا أن عددًا قليلًا من أولئك الذين يرتكبون جرائم الإبادة الجماعية جريئون لدرجة كتابة سياساتهم على هذا النحو كما فعل النازيون على نحو غريب. ومع ذلك، فقد ذكرت منظمة مراقبة الإبادة الجماعية في العام 2002 أن “النية يمكن إثباتها مباشرة من البيانات أو الأوامر. ولكن في كثير من الأحيان، لابد من الاستدلال عليها بواسطة نمط ممنهج من الأفعال المنسقة”.
وفي أعقاب هجمات 11/ 9، استخدم الرئيس جورج بوش كلمات غريبة ومثيرة للجدل في واحدة من خطاباته الأولى، حيث حذر من العودة إلى الصراعات التاريخية والدينية كما كتب بيتر والدمان وهيو بوب في صحيفة وول ستريت جورنال “تعهد الرئيس أوباما بتخليص العالم من الأشرار، ثم حذر من كون هذه الحملة الصليبية أو الحرب على الإرهاب سوف تستمر لبعض الوقت“.
الحملة الصليبية؟ يشير الاستخدام الدقيق لهذه الكلمة إلى الحملات العسكرية المسيحية التي وقعت قبل ألف عام للاستيلاء على الأرض المقدسة من المسلمين. ولكن في كثير من العالم الإسلامي، حيث يغمر التاريخ والدين الحياة اليومية بطرق متعذرة الفهم على معظم الأمريكيين، تعد هذه الكلمة اختزالًا لشيء آخر وهو: الغزو الغربي الثقافي والاقتصادي والذي يخشى المسلمون من إمكانية الخضوع له وتدنيس الإسلام.
وفي الحروب التي أعقبت حرب العراق وأفغانستان، لم تقتل الولايات المتحدة الملايين فقط، ولكنها دمرت البنية التحتية اللازمة لحياة صحية مزدهرة بطريقة منهجية في تلك البلاد، ثم استخدمت جهود إعادة البناء كفرص للربح وليس لصالح الشعوب المحتلة. ولإضافة المزيد لنمط الإبادة الجماعية، فهناك أدلة كثيرة على التعذيب والشائعات المتكررة حول الاعتداءات الجنسية في أعقاب سقوط العراق. ويبدو على نحو واضح أن الولايات المتحدة قد ساهمت في مزيد من زعزعة الاستقرار والموت في المنطقة من خلال دعم صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا عن طريق تسليح الجماعات المتمردة في الأطراف المختلفة للصراع.
وبعد أحداث 11/ 9، أعلنت الولايات المتحدة حربًا عالمية على الإرهاب، ما أدى إلى ضمان وجود دائرة لا نهاية لها من زعزعة الاستقرار والحروب في الشرق الأوسط في خلال تلك الحرب. والغالبية العظمى من ضحايا هذه الحروب، وضحايا الدولة الإسلامية، هم من المسلمين. ويتبنى بعض الأمريكيين، كإرهابيين متطرفين تم صنعهم بواسطة الاضطرابات المتزايدة والهجمات على الغرب، لغة بوش المثيرة للجدل عن الحرب الدينية، داعين إلى وضع المسلمين في مخيمات، أو داعين بشكل مباشر إلى الإبادة الجماعية.

25 أغسطس 2015

عمرو حمزاوي يكتب: محاكم تفتيش بائسة

1. هى حالة سلطوية جديدة تلك التى يتصاعد ضجيجها يوميا فى مصر وتكتسب قوتها الظاهرية من هيستيريا تأييد القمع وتزييف وعى الناس لقبول المظالم وانتهاكات الحقوق والحريات، ومن تمرير قوانين وتعديلات قانونية استثنائية تختزل الدولة فى حاكم فرد وسلطة تنفيذية وتختزل المجتمع فى كتل سكانية يتعين إخضاعها لثقافة الخوف ومراقبتها لضمان عدم خروجها على الصوت الواحد والرأى الواحد المفروضين رسميا وفى مصالح اقتصادية واجتماعية ومالية إما متحالفة مع الحكم وإما معرضة للإقصاء وتختزل وجود المواطن إما فى دور داعم للهيستيريا يرحب به وإما فى وضعية قلق وخوف وتهديد دائم بالقمع، وتكتسبها أيضا من ترويج مقولات «البطل المنقذ» و«القائد المخلص» والقضاء على «أعداء الوطن من الخونة والمتآمرين» لتمرير حكم الفرد وتغول الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وفساد النخب الاقتصادية والمالية المتحالفة معها.
2. تغتال أوهام تغيرات إقليمية ودولية كبرى تعيد دفع بلادنا إلى مسار تحول ديمقراطى حقيقى حسابات العقل التى تثبت عدم اكتراث القوى الإقليمية وبعض القوى الدولية بأحاديث الحقوق والحريات، وتظهر ازدواجية معايير القوى الغربية وتقديمها المصالح الأمنية والاستراتيجية والاقتصادية والتجارية على كل ما عداها واحتفاءها بوعود السلطوية بالقضاء على الإرهاب وتحقيق الاستقرار والسيطرة على الهجرة غير الشرعية.
3. بل إن الأهم لجهة حسابات العقل هو التيقن من أن قيم سيادة القانون وتداول السلطة والتعددية وضمانات الحقوق والحريات لن تتطور مجتمعيا فى مصر أو تستقر مؤسسيا وسياسيا إلا فى سياق اختيار شعبى ركيزته كتل سكانية مؤثرة وقوى عمالية وشبابية ومهنية منظمة تستطيع أن تفرض على السلطوية ابتعاد المؤسسة العسكرية عن الحكم واحترافية المؤسسات والأجهزة الأمنية وتطبيق مبادئ العدالة الانتقالية وقبول تداول السلطة دون حكم فرد أو أساطير أبطال منقذين، وتنجح فى الحفاظ على تماسك كيان الدولة الوطنية وفى دفع جهود التنمية المستدامة المعتمدة على المبادرة الفردية والقطاع الخاص وعلى اقتصاد المشروعات الصغيرة والمتوسطة وعلى استعادة مكانة العلم والعدل والحرية والمساواة، وتدير توافقيا التفاوض العام بشأن تحول آمن ومنظم نحو الديمقراطية قاعدته المشاركة وليس الاستبعاد أو العزل.
4. أخلاقيا وإنسانيا ومجتمعيا، ترتبط مسئولية المجموعات المدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات وعلى نحو جوهرى بالعمل على بناء وعى بديل يباعد تدريجيا بين كتل سكانية مؤثرة وبين الوعى الزائف التى تروجه السلطوية الجديدة ويرتب إما تأييد المظالم والانتهاكات أو الصمت إزاءها، وبالاقتراب اليومى من الناس ومن همومهم الاقتصادية والاجتماعية دون يأس بسبب هيستيريا السلطوية الجديدة التى تحيط بهم أو استعلاء زائف باسم «القيم السامية التى لا ترغب الجماهير فى تبنيها»، وبتوثيق وكشف المظالم والانتهاكات المتراكمة والتضامن مع الضحايا والمطالبة بالمساءلة والمحاسبة دون تبرم من المحدودية الحالية لفرصهما الواقعية، وبالتفكير المنظم فى قضايا وتحديات وأزمات «ما بعد السلطوية» التى مهما اكتسبت المزيد من مكونات القوة الظاهرية مآلها الخواء وغياب المضمون الدائمين ثم الانهيار بفعل واقعها الردىء تناقضاتها الحادة مع بحث الناس عن العدل والحرية والمساواة والسعادة والجمال.
5. أخلاقيا وإنسانيا ومجتمعيا، ترتبط مسئولية المجموعات المدافعة عن الديمقراطية باحترام الاختيارات المتضاربة للمنتسبين إليها دون استعلاء أو ادعاء احتكار الصواب الكامل والحقيقة المطلقة. لسنا فى وارد التورط زيفا باسم الديمقراطية فى محاكم تفتيش متهافتة على الضمائر والنوايا والأهداف لمن يكتبون ولا يعملون على الأرض حقوقيا وتنظيميا أو العكس، ولا لمن يريدون بناء الوعى البديل بعمل حقوقى وإنتاج فكرى وثقافى وأدبى ومعرفى من الداخل أو من الخارج، ولا للباحثين عن إقناع بعض عناصر نخب السلطوية الجديدة ومؤسساتها وأجهزتها النافذة بحتمية التحول الديمقراطى وتداول السلطة كمدخل للتغيير أو لغيرهم من الرافضين قطعيا لمثل هذه الأفكار. فقط المساءلة والمحاسبة عن المظالم والانتهاكات وتطبيق مبادئ العدالة الانتقالية وجبر الضرر عن الضحايا هى التى لا تقبل الاختلاف أو التجزئة.

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب : كيف يواجه المثقفون بلاء المكارثية

الاستبداد، العصف بالحقوق والحريات، اجتثاث الخصوم والطعن فى وطنيتهم واغتيالهم سياسيا ومعنويا، زراعة الخوف بين الناس باستدعاء اعداء وهميين أو تضخيم المخاطر الخارجية، اهدار الدساتير والقوانين، التفتيش فى الافكار والضمائر، منع التعدد والاختلاف وتجريم الرأى الآخر، مطاردة المعارضة وعزلها وحظرها و تشويهها، تلفيق وفبركة التهم، محاكمات وإدانات بالجملة خارج اسس وقواعد وضمانات العدالة، اجواء من التحريض والكراهية، هيمنة السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، وسيطرة كاملة على كل المنابر الاعلامية والصحفية والفكرية والفنية والتعليمية، نفاق مأجور أو بالإكراه، قوانين وإجراءات استثنائية، سقوط آلاف من الضحايا الابرياء، انتشار الخوف بين الجميع، هجرة وانسحاب قطاعات واسعة من المثقفين والسياسيين والشباب، العبث بمصائر الناس وأمنها والقذف بها فى مهب الريح.
هذه بعض خصائص ما يسمى بالمكارثية.
***
بعد الحرب العالمية الثانية، قام الكونجرس الامريكى بتشكيل لجنة لمواجهة ما يسمى "بالخطر الشيوعى"، اطلق عليها لجنة "التحقيق فى النشاطات غير الامريكية". وتحت هذا الشعار، قاموا ببث الخوف لدى قطاعات كبيرة من المواطنين الامريكيين من المخاطر الخارجية التى تتعرض لها امريكا. وتوظيف هذا الخوف لتبرير وشرعنة حملات مطاردة واسعة لاى معارضة للنظام وسياساته، سواء كانت يسارية أو حتى ليبرالية .
وهى الحملة السوداء ووصمة العار الشهيرة التى عرفت فى التاريخ الامريكى والعالم كله باسم "المكارثية" نسبة الى السيناتور جوزيف مكارثى، والتى استمرت بعده لتطارد مناهضى الحرب الفيتنامية. والتى أصبحت فيما بعد، ترمز الى كل النظم أو الممارسات الاستبدادية المماثلة فى اى مكان فى العالم، التى تسعى للقضاء على اى معارضة سياسية، والحجر على حرية الانتماء والفكر والاعتقاد والرأى والتعبير والمشاركة.
***
وفيما يلى مقتطفات من صفحة نضال المثقفين ضد المكارثية والاستبداد والدكتاتورية الامريكية، أى ضد أكثر النظم التى عرفتها البشرية قوة وعدوانا ووحشية.
اينشتين:
هاجمته اللجنة المذكورة بوصفه محرضا أجنبيا، وطالبت الشعب الامريكى بالحذر منه !
فتحداها ورد عليها فى خطاب نشرته النيويورك تايمز، جاء فيه:
((ان المشكلة التى تواجه مثقفى هذا البلد بالغة الخطورة؛ فقد استطاع السياسيون الرجعيون أن يغرسوا الشك لدى الجمهور فى كل جمهور المثقفين بالتلويح أمام أعينهم بخطر من الخارج. واذ نجحوا حتى الآن فان يتقدمون الآن لكبت حرية التعليم وليحرموا من مناصبهم كل أولئك الذين لا يثبتون خضوعهم، أى يميتوهم جوعا.
ماذا يجب أن تفعل الأقلية المثقفة ضد هذا الشر؟
بصراحة لا يمكننى سوى أن أرى الطريقة الثورية فى عدم التعاون بالمعنى الذى وضعه غاندى. فيجب ان يرفض كل مثقف يستدعى للمثول امام احدى اللجان ان يشهد، اى لابد ان يكون مستعدا للسجن والدمار الاقتصادى، وباختصار، للتضحية برفاهيته الشخصية لصالح الرفاهية الثقافية لهذا البلد.
واذا استعد عدد كاف من الناس لاتخاذ هذه الخطوة الخطيرة فانهم سينجحون. واذا لم يفعلوا، فان مثقفى هذا البلد لا يستحقون شيئا افضل من الاستعباد الذى ينتظرهم.))
وبعد وفاة اينشتين، نعاه أحد المثقفين الامريكان بالكلمات التالية:
((ان الرجل الذى كان يبحث عن تناسق جديد فى السماوات وفى الذرة، كان يبحث ايضا عن النظام والعدل فى علاقات البشر. وبوصفه اعظم مثقف فى عالمنا المعاصر، حارب الفاشية فى كل مكان وكان يخشى علاماتها فى بلادنا. وهذه هى الروح التى نصح بها المثقفين الامريكيين بتحدى تحقيق الكونجرس ورفض تعريض انفسهم للتساؤل الايديولوجى.))
***
آرثر جارفيلد هايس ـ مؤسس ورئيس الاتحاد الامريكى للحريات المدنية
((ان منهج الفاشيين، منهج هتلر وموسولينى، كان اثارة الرعب من الحمر ثم كبت حريات الشعب لحمايته من الحمر. وقد حان الوقت لندرك ان تكنيك اصدار القوانين لحمايتنا من الاخطار الوهمية هو شئ معاد للحرية، وما نحتاجه فى هذا البلد هو رجال لا يؤمنون فقط بالحرية بل لا يخشون منها.))
ولقد قام "هايس" بتقديم اقتراح ساخر للجنة اثناء التحقيق معه، فحواه ان يقوم الكونجرس باصدار قانون بتخصيص مبلغ 10 بليون دولار لتشكيل لجنة تخترع آلة لقراءة العقل يمكنها عند التطبيق ان تنطق كلمة شيوعى عندما لا يكون الشخص مواطنا مخلصا.
***
آرثر ميللر
((لو تخلى الجميع عن ايمانهم لما كانت هناك حضارة! لهذا فان اللجنة تمثل وجه المتزمتين! وانه لما يدهشنى انك تستطيع الحديث عن الصدق والعدالة وانت تتكلم عن هذه العصابة من كلاب الدعاية الرخيصة!)) فقرة من مسرحية كتبها عام 1966 بعنوان "بعد السقوط ".
***
برتولت بريخت ـ من اهم كتاب المسرح فى القرن العشرين
((انكم تطبقون ما يمكن ان نسميه "بالإعدام البارد" مثلما يطلق على احد اشكال السلم اسم "الحرب الباردة" ... فالمنحرف لا يجرد من حياته، بل فقط من وسائل الحياة. ولا يظهر اسمه فى عمود الوفيات، بل فقط فى القائمة السوداء. ))
***
بول روبسون ـ ممثل ومغنى شهير
((هل يمكننى ان اقول ان سبب وجودى هنا اليوم ..اننى ناضلت لسنوات من اجل استقلال شعوب افريقيا المستعمرة ، و لأننى اتحدث فى الخارج ضد المظالم التى تمارس ضد الشعب الزنجى لهذا البلد...
انه لتعليق حزين ومرير على وضع الحريات المدنية فى امريكا ان نفس القوى الرجعية التى انكرت على حق الوصول الى منصة المحاضرات وقاعة الموسيقى ودار الاوبرا وخشبة المسرح، هم الذين يسوقوننى الآن لاقف امام لجنة تحقيق ... وبديهى ان اولئك الذين يحاولون اخراسى هنا وفى الخارج لن يمنحونى الحرية للتعبير عن نفسى بصورة كاملة فى جلسة يسيطرون عليها..
الذين يعتبرون الدستور قصاصة من الورق عندما يحتمى به الزنوج ..
كيف يمكنهم ان يدعون القلق على الامن الداخلى لبلادنا بينما يساندون اشد الهجمات وحشية على 15 مليون زنجى من جانب البيض والكو كلوكس كلان..!
انهم ينتهجون سياسة حافة الحرب الحمقاء غير المسئولة والتى ستؤدى الى دمار العالم))
***
توم هايدن ـ أحد قادة الحركات المناهضة للحرب الفيتنامية ـ 1968
ان كنتم تتصورون ان الماثل امامكم الان مناضل، فعليكم ان تروا ما سيفعله بكم من هم فى سن السابعة والثامنة خلال السنوات العشر القادمة، لقد علمتوهم الا يحترموا سلطتكم ..
***
جون هوارد لوسون ـ كاتب وعضو فى رابطة كتاب السينما ـ 1947
لمدة اسبوع اجرت هذه اللجنة محاكمة غير شرعية وغير مهذبة للمواطنين الامريكيين الذين اختارتهم اللجنة ليلطخوا ويشهر بهم
ولست هنا لأدافع عن نفسى، او لأجيب على اكوام الزيف التى انصبت فوقى..
ان الدلائل المزعومة تأتى من سلسلة من الواشين، والعصابيين، والمهرجين الباحثين عن الشهرة، وعملاء الجستابو، والمرشدين المأجورين، وقليل من الجهلة والخائفين من فنانى هوليوود. ولن اناقش هذه الشهادات المتحيزة. فلندع هؤلاء الناس يحيون مع ضميرهم، عالمين انهم قد انتهكوا اقدس مبادئ بلادهم.
ان اللجنة تحاول تحطيمى شخصيا ومهنيا، وحرمانى من كسب عيشى، ومما هو اعز لدى بكثير وهو شرفى كأمريكى لا تكسب دلالتها سوى انها تفتح الطريق الى تدمير مماثل لاى مواطن تختار اللجنة محوه.
ان القوى التى تحاول ادخال الفاشية الى هذا البلد وهم يعلمون ان الطريقة الوحيدة لخداع الشعب الامريكى ليتخلى عن حقوقه وحرياته تتلخص فى تلفيق خطر وهمى، لإخافة الناس حتى يقبلوا قوانين قمعية من المفترض ان تحميهم.
***
ستيفن تشركوس ـ عضو حزب العمل التقدمى ـ من مناهضى الحرب الفيتنامية ـ 1966
ان هذه محاكمة هزلية.
انكم ممثلين لحكومة ترتكب جرائم حرب، حكومة تشن حرب ابادة فى فيتنام
انكم تمثلون حكومة الولايات المتحدة ولا تمثلون الشعب
ان الشعب الامريكى سيهب ويحطم هذه اللجنة عندما يعرف حقيقتها
ان المعارضة فى امريكا لحرب الابادة فى فيتنام تتزايد كل يوم
انكم تشنون حملة لتقسيم وإخراس المناضلين والثوريين
بسبب حربكم العدوانية فى فيتنام تتدهور اجور العمال وترتفع اثمان الغذاء والإيجارات والملابس والبيوت وترتفع الضرائب
ان جامعاتكم اصبحت سوقا لبيع وشراء العقول
ان امريكا لا تذهب الى فيتنام لتحرير شعبها كما تزعم، بل من اجل جعلها قاعدة سياسية وعسكرية للسيطرة على جنوب شرق اسيا
ان حكومتكم لا تعبأ بأعداد القتلى، بل سوف تقتل اكبر عدد ممكن من اجل مصالحها
ان عصابة "جونسون" هى الخائنة والمخربة للشعب الامريكى
انهم اعداء شعوب العالم
انهم اكثر قوة ممقوتة فى تاريخ السياسة الدولية ولابد من هزيمتهم
سوف يتم ايقافهم وسوف يهب الشعب الامريكى ويحرر نفسه وسوف يوقف الاعمال الاجرامية لحكومة الولايات المتحدة فى كل انحاء العالم
ان الشعب الزنجى والشعب الفيتنامى لهم نفس العدو؛ وهو حكام امريكا
يموت الشباب الامريكى والفيتنامى من اجل ارباحكم الشخصية
ان الحكومة الامريكية اليوم تنتهج نهج هتلر
ان هناك امريكتين احداهما تمثل الحكام والثانية تمثل الشعب
اننا نتوحد مع امريكا الحقيقية؛ امريكا الشعب
***
ليليان هيلمان ـ كاتبة مسرحية ـ 1952
اننى لا ارحب بأن أجلب المتاعب لأناس كانوا فى ارتباطى السابق بهم، ابرياء تماما من اى حديث او فعل خائن او تخريبى.
لا استطيع ان اضر اناسا ابرياء عرفتهم لسنين طويلة لكى انقذ نفسى، فان هذا يعد بالنسبة لى غير انسانى وغير مهذب وغير مشرف ولا استطيع ولن استطيع أن اقص ضميرى ليناسب موضة هذا العام .
اننى مستعدة لإسقاط حقى فى عدم تجريم نفسى ولان اخبركم بكل شئ تريدون معرفته عن آرائى أو أفعالى اذا وافقت لجنتكم على الامتناع عن طلب تسمية اناس آخرين.
***
دافيد بلات ـ 1951
انتم الذين تعدمون الزنوج دون محاكمة؟ وتلقون القنابل الذرية؟ وتذكون معاداة السامية؟ وتحرقون الكتب؟ وتحرمون فنانين عظام من جوازات سفرها؟ وتقصفون كل ما يتحرك؟ وتحرقون اكواخ الكوريين لتتدفأوا بها دون ان تنظروا اولا هل النساء والأطفال داخلها؟
***
انتهت هذه الجولة مع صفحة النضال ضد مكارثية النظام الأمريكى، والتى استطاع فيها المثقفون بشجاعتهم وتضامنهم ان يكسروا شوكة استبداد النظام ويكشفوه أمام الجميع، ويرغموه على التراجع، ولو الى حين. بل نجحوا فيما هو أخطر من ذلك، حين أسسوا، فى أوج اشتعال العدوان الامريكى على فيتنام، حركة امريكية لمناهضة الحرب، مما ساهم فى انهائها وانسحاب القوات الامريكية.
انها واحدة من المعارك الانسانية الكثيرة و المتعددة، التى تلهم شعوب العالم، الثقة فى قدرتها على النضال والانتصار، والتى تؤكد أن الدكتاتورية عمرها قصير، سرعان ما يكتشف الناس حقيقتها، ويدركون استحالة الحياة تحت حكمها، ويهزمون خوفهم منها، ويتوحدون فى مواجهتها وينتصرون.
****

24 أغسطس 2015

وائل قنديل يكتب: فرق بين أحمد شفيق.. وشفيق أحمد

العربي الجديد
وقع انفجار، أذاعوا نبأه قبل حدوثه، بمبنى خال للأمن الوطني، في شبرا الخيمة، فلم يشأ المثقف المصري (الانقلابي) أن يترك المناسبة تمر، من دون إظهار إبداعاته الأمنية.
تعرف وسائل الإعلام الأمنية، جيدا، من أين يؤتى المثقف، أو يؤكل، فتعد له سؤالا سريعا: هل تعلم، عزيزي مثقف الدولة، أن انفجار شبرا الذي سمع دويه في القاهرة الكبرى وصل إلى قصر محمد علي الأثري الذي يضم أعمالا فنية عريقة وخالدة.. ما رأيك في هذا الحادث الإرهابي الفظيع؟
يشمر المثقف عن ساعده، ويرتدي "الميري"، وينبري للإجابة هكذا: "الحادث التفجيرى ما هو إلا حلقة فى سلسلة تفجيرات تستهدف المباني التراثية، فما بالنا بتراث أمة، ومنجزها الحقيقى، في المعمار وفي المخطوط، وجماعات الإسلام السياسي، وما تمثله ضد أي منجز حضاري، وتنظر لهذا المنجز باعتباره منجزاً وثنيا (شغل كفار)، والعالم الآن يعاني من تلك الردة، وما يجري في العراق من إبادة لحضارة السابقين، وما يحدث فى سورية وباكستان، وتحطيم تماثيل أفغانستان، كل هذا دلالة على توحش التطرف والإرهاب".
ثم يضيف مثقف آخر "فوجئنا بالإفراج عن عدد من المتهمين الإخوان، خلال الفترة الماضية، في الوقت الذي تقضي فيه إحدى الناشطات حكم حبس 7 سنوات، بسبب تظاهرها ضد قانون التظاهر". ثم يطالب بالإفراج عن المحبوسين من أنصار الدولة المدنية، وتعديل القوانين، بحيث تسمح للمثقف بأن يقوم بدوره في مواجهة الفكر الإرهابي المتطرف، مؤكدا أن المثقف دائما ما يقف ضد الإرهاب والإرهابيين".
إذن، سيادة المثقف الجنرال على أتم الاستعداد للانخراط مع المؤسسة الأمنية في مواجهة الإرهاب، ويؤيد أن تحبس وتمتهن وتهدر حقوق الإنسان "الإسلاموي السياسي"، كما تشاء، شريطة أن تمنح كل الحرية لكل من لا ينتمون لتيار الإسلام السياسي.
يدرك هؤلاء جيداً، أنه، لا أحد في تنظيمات الإرهاب، ولا المؤسسة الأمنية التي تمارس الإرهاب نفسه، يعرف، أو يدرك، أن هناك قصراً معماريا تراثيا في شبرا، يضم كنوزا أثرية، كما أنه لا يهتم أصلا، أو يحترم الإبداع الفني، أو يشغل باله به، وبالتالي، لم يكن المعمار الأثري، والإبداع الفني، مستهدفين في القصة كلها، سلباً أو إيجابا.
لكنه المثقف الجاهز دوماً لأداء الأدوار البوليسية، تطوعاً أو تكليفاً، ولعلك تذكر، أو لا تذكر، أن المحرض الأول على طمس اسم "رابعة العدوية" من الميدان الشهير الذي شهد أبشع مذبحة، باركها معظم المثقفين "المحفلطين" في مصر، لم يكن عبد الفتاح السيسي، أو توفيق عكاشة، أو أحمد موسى، بل كان" أحمد " آخر، هو المثقف والكاتب الساخر الراحل أحمد رجب، الذي كتب بزاويته اليومية"نص كلمة" في نوفمير/ تشرين ثان 2013 ما يلي"أرجو أن تغير اسم الميدان والمسجد المسميين باسم رابعة العدوية، أشهر ناسكات المذهب الصوفي في القرن الثاني الهجري، فقد أقرنوا اسمها بالجريمة والدم والإرهاب، كما اتخذوا من الأصابع الأربعة شعاراً لهم، أرجو أن تختار اسما آخر للميدان والمسجد". 

ولم يمهل الموت المثقف الكبير، لكي يرى تحقيق الجزء الأول من أمنيته، بتغيير اسم الميدان، فرحل تاركا النصف الآخر، ليتبناه مثقف آخر، كبير أو صغير، بتغيير اسم المسجد، ليكون آخر ما كتب تماهياً كاملا مع الدولة البوليسية القمعية القاتلة، وعبورا فوق أجساد آلاف الشهداء، للحصول على الأوسمة وجوائز النظام وعطاياه، للمخلصين من أبناء الحظيرة الثقافية، في خدمة المشروع القومي للمكارثية والعنصرية المصرية.
تشغلني كثيرا الوقائع الدرامية المصاحبة لنهاية رحلة المثقف العربي بشكل عام، وأتعجب دائما من اختيارات المثقف نهايته، والتي تجسد، في العادة، خلاصة حياته ومسيرته، فمنهم من يموت بين الشعب والناس والبشر، فتغسله دموع الملايين من البسطاء، ومنهم من يموت على فراش السلطة، فلا تستطيع حفلات التأبين الفارهة، ولا المرثيات الرسمية الفخيمة، أن تصنع حالة حزن حقيقي عليه.
وعلى ذكر النهايات، فجعت بنبأ أستاذ وزميل لي في مهنة الصحافة، هو الكاتب الناصري، شفيق أحمد علي، الأكثر إخلاصا في الحرب ضد التطبيع والسقوط في مستنقعاته، منذ زيارة أنور السادات إلى الكيان الصهيوني، كان المثل الأعلى في كتابة التحقيق الصحفي، وفي التعفف والتجرد وما زلت أذكر مفردتيه الأثيرتين، في الحياة، كما في المهنة "الشفافية والنقاء".
هذا الرجل حلمت، في بدايات حياتي، بأن أكتب مثله، فأنعم الله علي بأن تزاملنا بعد سنوات، مديرين لتحرير صحيفة "العربي" الناصرية في إصدارها اليومي. وها هو يرحل شفافا نظيفا، كما عاش، لم يتلوث قلمه، وهو الناصري القح، بوساخات التحريض على قتل وإبادة الخصوم السياسيين التاريخيين للتجربة الناصرية، من المنتمين للإخوان المسلمين. ولم يقف ماداً يديه ومصعرا خديه على بوابة "30 يونيو" طلباً لمنصب أو وظيفة، منقوعة في دم المصريين من ضحايا نظام المجازر.
مضى، نظيفا، تاركا خلفه أعذب الكتابات عن محمود نور الدين وسليمان خاطر وسعد إدريس حلاوة وسناء محيدلي، وكل الذين استشهدوا من أجل فلسطين.
مات شفيق أحمد، وبقي أحمد شفيق
الإعلامي الأمنجي.. مشروع جاسوس للأجنبي!

23 أغسطس 2015

علاء عريبى يكتب: قانون صحافة «آخر مسخرة»

لم أكن أتوقع للحظة أن مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام بهذه «المسخرة،» ولم أتخيل أبدا أن اللجنة التى تم اختيارها من فصيل سياسى واحد لإعداد مشروع القانون سوف تنتهى بنا إلى هذه «المسخرة»، فقد ظننا أن اللجنة التى شكلت من فصيل سياسى واحد(شلة مع بعضينا) قد تضع لنا بعض المواد التى تحطم القيود المفروضة على حرية التعبير، ما سيجعلنا نصطدم مع الحكومة ونصطف خلف الفصيل السياسي لكسر القيود واستنشاق الحريات التي نسمع عنها، لكن للأسف عندما عكفت على قراءة مشروع الفصيل الواحد اكتشفت أن المواد الخاصة بالصحافة ليست غريبة ولا جديدة، وكأنني قد سبق أن قرأت بعضها أو معظمها، أين؟.
رجعت إلى القانون 96 لسنة 1996 الخاص بتنظيم الصحافة، فوجئت بأن قيادات الفصيل الواحد قامت بنقل مواد القانون نقل مسطرة، ليس هذا فقط، بل إن اللجنة الموقرة قامت أيضا بنقل حرفى لبعض مواد القانون 20 لسنة 1936 الخاص بالمطبوعات، كما قامت بنقل حرفى لبعض مواد القانون رقم 76 لسنة 1970 الخاص بإنشاء نقابة الصحفيين.
وللأسف المواد التى قامت لجنة الفصيل السياسى الواحد بالتدخل فيها، كان تدخلها ضد الصحفيين، وقد تعمدت فى أن تكون الإضافات التى أدخلتها لبعض المواد لصالح الدولة ومع حبس الصحفيين، والمؤلم فى هذا المشروع المنقول دون إشارة لذلك من قبل اللجنة، أنه يجىء لتغليظ العقوبات والإكثار من القيود التى تكبل الصحفيين بشكل خاص وحرية التعبير بشكل عام.
على سبيل المثال المادة رقم 10 من مشروع لجنة الفصيل الواحد، تشجع على إهانة الصحفى أثناء عمله، حيث خففت العقوبة إلى غرامة 10 آلاف جنيه لمن يعتدى بالضرب أو السب أو القذف على الصحفي، بينما كانت العقوبة فى المادة 12 من قانون 96 لسنة 1996، تأخذ بالعقوبات الخاصة بالاعتداء على الموظف العمومى فى قانون العقوبات (وهى 133 و136 و137أ) والتى تصل إلى السجن المشدد والمؤبد.
المادة 40 من مشروع لجنة الفصيل الواحد، جعلت جرائم النشر والعلانية ضمن الجرائم الجنائية بعد أن كانت فى قانون الصحافة 96 لسنة 1996، مجرد جنحة، وهو ما يعنى أن العقوبة ستصبح السجن وليس الحبس، وتبدأ الجنايات عقوبتها من السجن 3 إلى 25 سنة.
المادة 44 فصل واحد، قننت تطبيق المواد(55 و97 و199) من قانون العقوبات، وتتراوح فيها العقوبات بين المؤبد والمشدد والإعدام، لأنها تتناول قضايا قلب نظام الحكم، والمادة نقلت نصاً من المادة بالقانون 96 لسنة 1996.
المادة 45 فصل واحد سمحت لأول مرة للأجهزة الأمنية بمداهمة منزل الصحفى والإعلامي فى قضايا النشر، بعد أن كانت المادة 43 ق 96 لسنة 1996، تتحدث عن مقر عمله.
الأمثلة لا تنتهى ولجنة الفصيل الواحد قد فصلت مشروع القانون تفصيلا مسفا ويدعو إلى السخرية لكى يخدموا على النظام الحاكم، ومساعدته على تقييد الحريات وتكميم الأفواه وانتهاك حرمة بيوت الصحفيين والزج بهم فى السجون فى قضايا النشر والإعلام، بعبارة أخرى لجنة الفصيل الواحد سلمت بهذا المشروع الصحفيين والإعلاميين تسليم مفتاح «نصف تشطيب» للحكومة.
وللأسف الفرق بين أعضاء لجنة الفصيل الواحد ورجال مبارك أن لجنة الفصيل الواحد نقلت نقلاً حرفياً مواد تعود إلى سنة 1936 وسنة 1970 وسنة 1996، دون أن تشير لذلك، وهذا النقل الحرفى له توصيف علمى وقانوني يقال له: ... أو بعبارة أخف: عدم أمانة علمية، أو بصياغة جامعية: عيب توثيق.. مش بقولكم: «فصيل واحد».
‏alaaaoreby@hotmail.com 

19 أغسطس 2015

عبدالوهاب شعبان يكتب: الأمنجية والمصور ..صحافة "محجوب عبدالدايم"

مصر العربية
إنها فقط نكأت الجراح، ولم تأت فعلًا استثنائيًا، فلا تستعذبوا لحظات الفوران العابرة، وانظروا لقبح الواقع، ممهورًا بالسؤال المر : لماذا يتكاثر نسل "محجوب عبد الدايم "في بلاط صاحبة الجلالة ؟
(1)
يسألونك: كيف يمكن لـ"زميلة"أن تفعل بزميل مهنتها هكذا بمنتهى السهولة ؟..قل : انظروا إلى المقربين داخل المؤسسات الصحفية.
في مارس من العام 2013، كان الأستاذ حازم هاشم أحد كبار كتّاب "الوفد"جالسًا في مكتبه، يحتسي قهوة الصباح، ويتأهب لإشعال سيجارته، وكنت في طريقي لإمضاء ورقة من رئيس التحرير، لحظة مروري ناداني الأستاذ : تعالى يا عبدالوهاب..إجلس"، - يميل الرجل إلى تحدث العربية الفصحى- ، جلست، وبينما هو ينفث دخانه في المكان، استطرد قائلًا : يا عبدالوهاب، الموهوب هنا يعاقبُ على موهبته !"، آلمتني العبارة، وسألته كيف يا أستاذ؟!.. الموهوب يكافأ، فقال أنا لا أقصد هنا في الجريدة، أحدثك عن المهنة بشكل عام، فابتسمت، وانصرفت، بعد وصلة دردشة لبضع دقائق، بعدها، اكتملت لديّ الصورة البائسة للمعاناة في هذا الوسط، أن تكون صحفيًا وفقط.. تلك هي الجريمة"!
-خرج الزميل أحمد رمضان من محنته، أما المخبرة التي تستند إلى سُلّم الوشاية في الصعود على أكتاف المطحونين في الأرض، عرقًا وإبداعًا، لم تخرج من الوسط، بل سيروّج الفتّايون بعد هدوء عاصفة "النبل الإنساني"، لضرورة التحقيق معها، ومنحها فرصة الدفاع عن نفسها، ثم بعد تتابع الأيام، ستمر الواقعة كأنّ شيئًا لم يكن، الأزمة ليست في "أماني الأخرس"، إنما في تفاوت الرؤى داخل المؤسسات الصحفية، تلك التي تقرّب من تشاء، وتبعد من تشاء، على معياري "الهوى، والمزاج"، وليذهب أهل الكفاءة إلى الجحيم.
ليست وحدها، بل إن بعضهم يفتتح يومه، بإرسال تقارير عن "تدوينات"زملائه على "فيسبوك"، ممهورة بـ"البرينتات"، حتى تصير قاعدة "المهنة" :الموهوب ينكسر..!
(2)
"قرنان فى الرأس يراهما الجاهل عاراً، وأراهما حلية نفيسة، قرنان فى الرأس لايؤذيان، سأكون أي شىء، ولكن لن أكون أحمق أبداً، أحمق من يرفض وظيفة غضباً لما يسمونه الكرامة، أحمق من يقتل نفسه فى سبيل ما يسمونه وطناً، وليكن لى أسوة حسنة فى الإخشيدى، وذلك لا ريب ظفر بوظيفته لأنه خائن، ورقي لأنه قواد، فإلى الأمام".. محجوب عبد الدايم في "القاهرة 30"
عايشت، وعايش غيري من زملاء المهنة، نسخًا بشرية قادمة من قراها، إلى القاهرة محملة بهذه القاعدة الراسخة، تسحق من يقف حائلًا بينها وبين الوصول لغايتها، حدث ذلك في بداية الرحلة عشرات المرات، وبطرق مختلفة، لا قيمة لجهد صحفي، القيمة لـ"القرنين"، وكلما زاد طولهما، يزيد القرب، ولم يزل في ذاكرتي مشهد طرد إحدى الزميلات، بعد نقل أحد القادمين الجدد تفاصيل جلسة مسائية لـ"رئيس قسمه "تطرقت بشكل عابر لـ"سياسته داخل القسم".
إشكالية هذا الصنف من- "الصحفيين المخبرين"- أن ثمة مباهاة تحدث بشكل تلقائي، بعضهم يجهر بها، حتى يضع من هم تحت التمرين في كثير من المؤسسات بين خيارين، إما جحيم المبادئ الإنسانية، أو "نعيم"القرب المشروط بـ"قَرنيْ"محجوب عبدالدايم، ولا حرج مطلقًا في الإطاحة بـ"زميل"، أو كما فعلت بنت "الأخرس".
(3)
وأضاف الجلاد، أنه كان رئيسًا لتحرير صحيفتي "المصري اليوم والوطن"، وكان يعرف من هم الصحفيين الأمنجية عنده، ولكنه كان يتركهم في العمل، لأنه إذا أقالهم سيتم تجنيد صحفي آخر.. مجدي الجلاد في برنامج "هنا العاصمة "معلقًا على واقعة "أماني الأخرس".
قال هذا، متبوعًا بعبارة: "ده اعتراف، ويطلع أي حد في مصر يقول مفيش"!، بؤس الاعتراف هذا يكمن في التعامل مع الأمر كأنه واقع مفروض، لايمكن تبديله، ويزداد البؤس حين يطمئن يقين الجماعة الصحفية، أن سحق الأجيال تباعًا تحت وطأة "الأمنجية"، شيء اعتيادي، حيث يصير أصحاب المباديء استثناءً في مهنة بالأصل يُفترض أنها تدافع عن القيم والمباديء.
ليس هناك ما يدعو للانتشاء بعد خروج أحمد رمضان من محبسه، وليس انتصارًا منع "أماني الأخرس"من دخول نقابة الصحفيين، إلا إذا اكتملت المبادرة بآلية جادة لتطهير المؤسسات من هذا الصنف، أو على الأقل تيسير المظلة النقابية للجادين المميزين الشرفاء.
(4)
إن أجيالًا كاملة بهذه المهنة تزيد انحطاطها، ولا ترى في واقعة الوشاية بـ"زميل"سوى هامش على متن وشاياتهم الدنيئة ليس للأمن وفقط، وإنما لرؤساء تحرير الصحف، وإداراتها، فكيف ننتظر إمكانية استئصال هذا "الورم"من جسد "الصحافة"المنهك، دون رغبة حقيقية معلنة ؟
قبيل نهاية فبراير 2011، ظهرت أوراق مسربة على صورة قوائم معنونة بـ"عملاء أمن الدولة بالصحف"، وقتها التقيت الأستاذ الراحل عادل القاضي- رئيس تحرير بوابة الوفد-، وسألته: ما حقيقة هذه الأسماء، وكيف يمكنهم الاستمرار في العمل وسط زملائهم؟، فقال مبتسمًا: "حافظ على نفسك، والتزم ضميرك"، رحل الرجل، ولم يزل هؤلاء قابعين في أماكنهم، دون أدنى شعور بتأنيب ضمير، يبدو أن أزمتنا الحقيقية في أن جيل لايريد سوى الحياة بـ"شرف"، وآخر يسعى للقضاء على معاني الشرف.
بحسب إحدى شهادات الزملاء عن واقعة "أحمد رمضان"، سأله الضابط : إنت سبت اليوم السابع ليه يا أحمد؟، فرد الزميل: عادي سبتها ورحت جريدة "التحرير"، يبدو السؤال استدلالًا مؤذيًا على بشاعة المستقبل، كيف يمكن الاطمئنان على مسيرة مهنية إزاء أسئلة كهذه؟!، وهل تعبر صحف بعينها عن "توجهات سياسية مرضية"، أما غيرها فيبدو قابعًا تحت طائلة "وشايات"سلالة محجوب عبدالدايم ؟..كل شيء يشير إلى الأجيال التي تقف منتظرة على عتبات "صاحبة الجلالة"، بأنّ هذا الحلم الجميل الذي راودنا من قبل، ولم يزل يراودهم، محض كابوس مخيف، لا شفاء منه، ولا دواء له.
(5)
خارج سرب الشجب الذي يخفت في يوم أو بعض يوم، تدفع الأزمة دفعًا ناحية وجود دور حيوي لـ"نقابة الصحفيين"، إذا كان القلق فعلًا دب في قلوب قادتها جراء "وشايات المخبرين في المؤسسات الصحفية"، حسنًا فعلت النقابة حين منعت هذه الكائنة من دخول المبنى، لكن ثمة إجراءات لازمة لحماية الصحفيين من تغوّل المؤسسات، إذ لا معنى لجرعة إفاقة بجسد يأكله "سرطان مزمن".
نكأت "الأمنجية"جرحًا غائرًا، لم تستحدثه من العدم، فعالجوه بترًا أحيانًا، وزجرًا حتى حين، وشقوا طريقًا وسطًا بين "نشوة الهتاف"، ومعضلة الاستخفاف.